استنفارٌ أمريكي بريطاني للالتفاف على استحقاقات تجديد الهُــدنة
على مسافة 24 ساعة من نهاية التمديد الثاني للتهدئة:
– “بلينكن” و “كليفرلي” يؤكّـدان تمسُّكَ الإدارةُ الدوليةُ للعدوان بأُسلُـوب المساومة والابتزاز
– محاولة جديدة للتحايل على مطلب صرف المرتبات وإفراغه من مضمونه
المسيرة: خاص
على بُعْـــدِ 24 ساعة من انتهاءِ فترةِ التمديد الثانية للهُــدنة، وعلى وَقْــــعِ تحذيراتٍ وإنذاراتٍ عاليةِ المستوى من جانب صنعاءَ، جَـــــدَّدَ الرُّعاة الدوليون لتحالف العدوان تأكيدَ إصرارهم على المراوغة والالتفاف على المتطلبات الأَسَاسية لتجديد التهدئة، وعلى رأسها دفع رواتب الموظفين، حَيثُ عبّرت تصريحاتٌ أمريكية وبريطانية جديدة عن تمسك واشنطن ولندن باستخدام الاستحقاقات الإنسانية كأوراق مساومة، بالتوازي مع استمرار مساعيهما لخلق ضغوط على صنعاء تحت مظلة اتّهامات باطلة بـ”عرقلة” الهُــدنة، الأمر الذي يمثّل مؤشرًا سلبيًّا قد يؤثّرُ على قرار التمديد.
وقال المتحدِّثُ باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس: إنَّ الوزيرَ أنتوني بلينكن أجرى اتصالاتٍ مع كُـلٍّ من المبعوثِ الأممي إلى اليمن هانز غروندبرغ، ووزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، وتضمنت تلك الاتصالاتُ تجديدًا للاتّهامات الأمريكية لصنعاء بـ”منعِ فوائد الهُــدنة من الوصول إلى ملايين اليمنيين” بحسب تعبير بلينكن، الأمر الذي يعبّر بشكل واضح عن إصرار الولايات المتحدة على استخدام الهُــدنة كعنوان لممارسة ضغوط ومحاولة فرض شروط خَاصَّة على صنعاء لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية تعوض الفشل الميداني لتحالف العدوان.
وكانت الولاياتُ المتحدة قد لجأت مؤخّراً إلى الحديث عن “آلية جديدة” غامضة تفرض المزيد من القيود على سفن الوقود وتشرعن احتجازها ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة، في مسعًى مكشوفٍ لقطع الطريق أمام مطلب رفع الحصار الذي تتمسك به صنعاء كاستحقاق أَسَاسي لتجديد الهُــدنة.
ولتبريرِ هذه المساعي العدوانية الواضحة، لجأت واشنطن إلى اتّهام صنعاء بمخالفة هذه “الآلية” المزعومة، وهو ما ينطوي عليه تصريحُ بلينكن الأخير بشكل واضح، وبصورةٍ تؤكّـد أن الولاياتِ المتحدة متمسكةٌ باستمرارِ الحصار البحري، وأن الحديثَ المتكرّرَ عن “تدفق الوقود” إلى ميناء الحديدة ليس إلا دعاية إعلامية لتضليل الرأي العام.
تصريحاتُ بلينكن كشفت أَيْـضاً عن محاولة واضحة للالتفاف على استحقاق دفع مرتبات الموظفين من إيرادات النفط والغاز، وهو الأمر الذي تضعُه صنعاءُ على رأس قائمة متطلبات التمديد التي لا تراجُعَ عنها، حَيثُ كرّر وزيرُ الخارجية الأمريكي وبشكل ملفت الحديثَ عن رواتب العاملين في القطاع الصحي والتعليمي فقط، الأمر الذي اعتبره مراقبون مؤشرًا على مساعٍ أمريكية لتخفيض سقف هذا الاستحقاق وتجزئته وتحويله إلى مِلف مساومة لكسب الوقت وممارسة ضغوط.
هذا ما يؤكّـده أَيْـضاً محاولةُ بلينكن ربطَ هذا الاستحقاق وغيره من متطلبات التمديد بسلطة ما يسمى “المجلس الرئاسي” التابع للمرتزِقة والذي تحاول دول العدوان الدفع به إلى واجهة المشهد كطرفٍ تفاوضي وهمي؛ مِن أجلِ تكريسِ توصيف “الحرب الأهلية” الذي يمنحُ دولَ العدوان ورعاتها فرصةً للتنصل عن أية التزامات أَو استحقاقات ويوفر لها الجوَّ لإدارة العدوان والحصار عن بُعد.
بلينكن تحدث أَيْـضاً خلال اتصالاته عن “قلق مشترك من عودة الحرب“، وهي محاولة واضحة لإلقاء مسؤولية أية تداعيات قادمة على عاتق صنعاء، وهو أَيْـضاً نفسُ الاتّجاه الذي جاءت فيه تصريحاتُ وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي الذي اتهم صنعاء بأنها “تهدّدُ سير المفاوضات”، وكرّر نفسَ مضامين حديث نظيره الأمريكي.
هذا “الاستنفارُ” الأمريكي البريطاني المتزامن لفرضِ تصوُّر معين عن الهُــدنة وعن طبيعتها ومستقبلها، يؤكّـد على أن الإدارة الدولية لتحالف العدوان لا زالت تحاولُ إبقاءَ مساء الهُــدنة خاضعًا لرغباتها وتوجّـهاتها وبعيدًا عن أية التزامات أَو تعهدات مكتوبة أَو استحقاقات إنسانية بديهية، وهو ما يعني أن “المراوغة” ستظل هي العنوانَ الرئيسي لموقف العدوّ حتى إن تم “تحديثُ” اتّفاق التهدئة.
كما يجدد هذا الاستنفارُ التأكيدَ على أن الإدارة الدولية للعدوان هي الممسكة بملف الهُــدنة؛ باعتبَاره مرتبطًا بمصالحها الخَاصَّة وليس حتى بمصالح السعوديّة والإمارات.
لكن على الجِهةِ المقابلة فَـإنَّ تحذيراتِ وإنذارات صنعاء الأخيرة التي سمعها المبعوثُ الأممي بنفسه، تؤكّـدُ أن فرصَ نجاح مساعي وحسابات دول العدوان ورعاتها للالتفاف على استحقاقات الهُــدنة باتت معدومة، خُصُوصاً بعد مرور ستة أشهر بدون تنفيذ بنود اتّفاق ابريل بالشكل المطلوب على الرغم من محدوديتها.
وبصرفِ النظر عن القرار الذي ستتخذُه صنعاءُ بشأن تجديد الهُــدنة، من المؤكّـد أن تحالف العدوان لن يحقّق مبتغاه المتمثل بكسب المزيد من الوقت بدون تخفيف معاناة المواطنين، وهو ما يعني أن معادلة “انتزاع الحقوق” التي فرضتها صنعاء لا زالت هي المعادلة الفعالة والمؤثرة في المشهد.