الاحتفالُ بالمولد النبوي الشريف.. الأهميّةُ والأهداف..بقلم/ نوال أحمد
ها قد أطل علينا الربيع المحمدي بأنواره القدسية وإشراقاته الهادوية معلناً ميلاد خير البشرية محمد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، الذي بقدومه تحل البشرى وتسعد الخلائق، وتنشرح الصدور، وتطيب النفوس، وتبعث أنسام الفرحة والبهجة والسرور في قلوب العالمين، إن أعظم مناسبة تحل على المسلمين، هي هذه المناسبة (المولد النبوي الشريف) -على صاحبها وآله أزكى الصلاة وأتم التسليم-، والذي يعتبر من أفضل المناسبات الدينية المقدسة التي يتشرف بقدومها كُـلّ المسلمين، ويحرص على إحيائها جميع المؤمنين؛ لأَنَّها ذكرى ميلاد النبي الكريم سيد الأولين والآخرين، خير خلق الله في العالمين، محمد رسول الله خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، الرحمة المهداة من رب العالمين، وخير مبعوث أرسله الله لهداية الناس أجمعين، رسول الله محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين-، من جاء بالحق هادياً وبنور الله أتى إلى الناس منقذاً ليخلصهم من قيود الشرك والشقاء، ليخرجهم من ظلمات الجهل والضلالة والعمى إلى، حَيثُ أنوار الهداية والسعادة والهناء، فكان هو فضل الله الأكبر صاحب الرسالة الأصدق، والمنقذ الأوحد، وهو النعمة العظمى في هذا الكون التي مَنّ بها الله سبحانه وتعالى على جميع خلقه من البشر.
وإن إحياء مناسبة المولد النبوي الشريف مهم جِـدًّا وله دلالات كثيرة ومن أهمها أن الاحتفاء بهذه المناسبة المباركة هو تعظيم لرسول الله والاعتراف بمنّة الله العظيمة وفضله العظيم علينا كمسلمين وعلى جميع العالمين، الله سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
نحن كمسلمين كأمَّة مسلمة، كمجتمع مؤمن يجب أن تكون نفوسنا متعلقة بفضل الله، تعترف لله بعظيم نعمته، وتقدِّر نعم الله عليها، وفي مقدمة هذه النعم: نعمة الهداية التي كانت عن طريق الرسول والقرآن، ومحمد هو رسول الهداية أرسله الله بالهدى ودين الحق، فمثل هذه المناسبات العزيزة الإيمَـانية التي لها علاقة مهمة بديننا، ونستفيد منها فيما يقرِّبنا إلى الله تستحق منا الفرح والابتهاج والسرور، لقد أراد لنا أعداؤنا أن يشدُّونا في مشاعرنا إلى مناسبات تافهة لا قيمة لها ولا أثر في واقع الأُمَّــة ويبعدونا عن مثل هذه المناسبات العظيمة، ولكنهم فشلوا وخابوا وخابت مساعيهم وسيخسرون.
إن إحياءَ ذكرى مولدِ النبي -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- هي مناسبة جامعة وَتمثل أَسَاساً مهماً للوحدة الإسلامية، ومن خلالها يتم التذكير بالأسس الجامعة المهمة التي توحد الأُمَّــة وتبنيها.
والمولد النبوي الشريف هو مناسبةٌ للحديثِ عن سيرة الرسولِ ومبعثِه ومنهجِه ورسالتِه، وَالإشادة بذكره، فـالله سبحانه وتعالى حينما قرن الشهادة برسوله مع الشهادة بوحدانيته في الأذان والصلاة، في كُـلّ يومٍ وليلةٍ خمسَ مرَّات، وحينما قال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} فذلك؛ لأَنَّه أراد أن يبقى رسول الله حيًّا في وُجداننا، وحاضرًا في أذهاننا، فَصِلَتُنَا بهذا النبي هي صلةٌ بالرسالة، صلةٌ بالهدى، وارتباط بالمنهج الإلهي، وارتباط بالرسول من موقعه في الرسالة: هاديًا وقائدًا ومعلمًا ومربيًا وقُدوة وأسوةً، نهتدي به، ونقتدي ونتأسى به، ونتأثر به، ونتّبِعُه، وما أعظم حاجتنا وحاجة البشرية إلى ذلك!؛ لأَنَّه لا نجاةَ ولا سعادةَ للبشرية إلا به، وإن أكبر ما جلب الشقاءَ والمعاناةَ على البشرية هو ابتعادُها عن هدى الله، ومخالفتُها لتوجيهاته.
فإحياء المولد النبوي الشريف والاحتفاء والابتهاج بهذه المناسبة المباركة والعظيمة إنما هو تعبير عن ولاءنا لرسول الله محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- هذا الجانب المهم كأَسَاس من أَسَاسيات الإيمَـان لا يتم الإيمَـان إلا به ولا يتحقّق إلا به.
الولاء لرسول الله والإيمَـان بولايته وتعظيمه وتوقيره والاهتداء به والاتباع له؛ لأَنَّ الله جعله لنا هاديًا معلمًا يزكينا يعلمنا الكتاب والحكمة، وجعله لنا الأسوة والقُدوة فنتأثر به ونهتدي به ونسير على نهجه ونتأثر به، في مواقفنا نتحَرّك في الطريق نفسها التي تحَرّك عليها، نتفاعل طاعة، عملًا، التزاماً مع الرسالة التي أتى بها وهي القرآن الكريم والإسلام العظيم، والتعبير عن هذا الولاء له أهميته الكبيرة؛ لأَنَّ الأعداء وهم يسيئون إلى ديننا ونبينا وقرآننا ويحاولون أن يفكّونا ويفصلونا عن كُـلّ هذه الروابط العظيمة التي إن تمسكنا بها نستعيد حضورنا كأمة مسلمة تحمل العزة والقوة والمهابة والمجد بين كُـلّ الأمم، وهذا هو ما أراده نبينا الأكرم -صلوات الله عليه وعلى آله-، لأمته أن تكون من بعده بهذا المستوى من العظمة، أُمَّـة قوية عزيزة أمام أعداء الله ورسوله وَأعدائها.