هذا قسمي، وهذا قُسَّامتي، وهذا يهودي من أدّاه!..بقلم/ عبد القوي السباعي
المتأمل لحال تحالف العدوان وأدواته ورعاته الدوليين وفي إطار مساعيهم لتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال التمديدات المتكرّرة للهُــدنة الأممية التي وُلدت ميتة، سيلاحظ تجسيدهم للمَثَل اليمني القائل: “هذا قسمي، وهذا قُسّامتي، وهذا يهودي من اداه..!”، في إمعان منهم على مواصلة النهب والاستحواذ على كُـلّ شيءٍ وقع بأيديهم على مدى سبع سنوات من، عقدوا خلالها عزمهم وحزمهم على أن الشعب اليمني لا يستحق أي شيء من ثرواته، وحتى وإن أرادوا أن يعطوه شيئاً من فتات ما ينهبون، نراهم يتجسدون للمثل السابق.
إذ لا يوجد على سطح هذا الكوكب مثل هكذا ظلم وقهر وابتزاز وإجحاف يجري لنهب الثروات وإفقار وتجويع ومصادرة حقوق، مثلما هو واقع وحاصل اليوم على الشعب اليمني، تحت استخدام القوة تارةً والمكر والخداع الدولي تارةً أُخرى، في ظل الصمت والمراوغة الأممية، وفي ظل تواطؤ وخيانة أدعياء الوطنية والشرعية من أدوات وعملاء محليين.
لا شك أن الهُــدنةَ الأمميةَ جاءت بمثابةِ طَوق نجاة للمعتدي السعوديّ والإماراتي ومن خلفهما الرعاة الدوليون، وساهمت إلى حَــدٍّ كبيرٍ في تعافي عصب اقتصادها المتمثلة بالثروة النفطية وعززت من انسيابها وتدفقها إلى بلدان استهلاكها في أمريكا وأُورُوبا، بعد أن استهدفتها الصواريخ والمسيرات اليمنية خلال عمليات الردع والتأديب وكسر الحصار، أضف إلى ذلك مكنتها من زيادة نهبها للثروات السيادية اليمنية.
غير أن فشل تمديد الهُــدنة الأممية في نسخته الثالثة، والوصول بالمحادثات إلى طريقٍ مسدود، ليس بسَببِ تعنت أحد أطراف الصراع، أَو أن أحداً منها يريد الذهاب للتصعيد والعودة إلى مربع الحرب، بلؤ لأَنَّ دول تحالف العدوان وكيلها وأصيلها لا تزال مستحضرةً نظرية هذا المثل: “هذا قسمي…”، والشعب اليمني يموت.. يحرق.. ينتهي.. لا دخل لهم في ذلك، وهو الأمر الذي رفضته صنعاء وترفضه جملةً وتفصيلاً.
ولعل المتابع العادي ناهيك عن الخبير والمتخصص سيلاحظ، مثلاً بعد إعلان الرياض وأبوظبي وحكومة “معين” ومجلس “العليمي”، الموافقة على مطالب صنعاء المحقة في صرف المرتبات، اشترطت أن يتم ربط الإجراءات بمالية ما يسمى “الحكومة الشرعية”، التي لم تقدم أية آلية تؤكّـد استمرارية الصرف سواءً في الهُــدنة أَو ما بعدها، على الرغم من أن هذه النقطة بالذات هي حق مستدام لا يسقط بالتقادم، ولا يمكن لعاقل القبول والاستمرار بربطها بموضوع الحرب أَو السلام.
ومن المنطقي جِـدًّا، أن لا تمانع صنعاء من أن تكون هذه الإجراءات بين صنعاء والأمم المتحدة حصراً أَو طرف ثالث ضامن، ومن دون ذلك، فلها أن ترفض؛ لأَنَّها تعلم والجميع يعلم علم اليقين أن هذه الحكومة المصنوعة من التحالف والمعلبة في الرياض لا تمتلك حتى قرار مبيتها، وما دام المقترح لم يتضمن أية ضمانات للوفاء به، فهو مرفوض، ولدى اليمنيين تجاربُ مريرةٌ مع دول العدوان ومرتزِقته في تنصلهم المُستمرّ عن أبسط الأمور ناهيك عن موضوع المرتبات، ومثال ذلك تأجيل العديد من الرحلات وإلغاء أُخرى من وإلى القاهرة، واستمرار القرصنة على المشتقات النفطية، وإلى غير ذلك.
قد يقاطعني أحدهم قائلاً: “طبيعي.. يا أخي.. أن نعطيَهم فرصةً أُخرى.. نجرّبهم هذه المرة، ونوافق”.. نقول: ممكن.. لكن أن يقدموا مقترحاً يتم بموجبة استبعاد شريحة واسعة من موظفي الجمهورية اليمنية، ومن بينهم مرتبات وزارة الدفاع والداخلية، وكذلك معاشات متقاعدي وزارة الدفاع والداخلية، دون تقديم أدنى مبرّر، لاستهداف هذه الشريحة التي خدمت البلد عبر مراحل ومنعطفات تاريخية طويلة، وفيهم قدامى الثوار والمناضلين والشهداء والجرحى، ولهم حقوق ومستحقات كونهم وفق موازنة 2014م، والتي لا يوجد لتابعي السلطة الحالية في صنعاء أي اسم فيها، بدءً بالرئيس حتى آخر جندي مجاهد في الميدان.
بل على العكس، فأكثر من تضمنتهم كشوفات وموازنة العام 2014م، هم ممن تم تجنديهم لصالح تلك القوى، في فترات ما قبل 2011م وما بعدها، فلماذا هذا الحقد؟، لماذا هذا التنصل حتى لتابعيهم الذي ما يزال بعضهم يسبح بحمدهم، ولماذا أَيْـضاً لم يتضمن المقترح الضمانات الكفيلة بمعالجة صرف مرتبات الموظفين ومعاشات المتقاعدين في القطاع المدني من تربويين وصحيين وغيرهم، والمنقطعة منذ نهاية 2016م، وهذه حقوق لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن لأي يمني شريف أن يتجاهلها.
ولو حاولنا البحثَ عن إجَابَة لكثير من التساؤلات التي تواجهنا كُـلّ لحظة، لن تكفينا مجلدات، لكن دعونا نعتقد جزافاً أن صنعاء وافقت على ما تقدم وتم تمديد الهُــدنة، هل هناك ضمانات تلزم الحكومة المدعومة سعوديّاً وأمريكياً بصرف المرتبات من عائدات الثروات اليمنية المنهوبة؟، بعد رفضها تقديم أية ضمانات، ولماذا جعلوا هذه النقطة عائمة خاضعة للتعطيل لاحقاً؟.
بالطبع، كُـلُّ هذا يأتي؛ بهَدفِ التنصُّل لاحقاً كما تنصلوا سابقًا، ولن تعجزَهم الحيلة عن اختلاق مبرّرات واهية لكل تنصلٍ عن استحقاق التزموا به، أَيْـضاً عندما يرفضون تحديد نوع العملة التي سيدفعون بها المرتبات، هي محاولة منهم فرض القبول بعملتهم المزورة (القعيطي) والتي ستؤدي إلى انهيار الوضع الاقتصادي تماماً في المناطق الحرة، كما هو حاصل لديهم في المناطق المحتلّة، كأدنى توقع بسيط لا يحتاج لكثير من الدراسة.
وعليه.. فقبولُ هُــدنة كهذه لا تحقّق لليمن الأرض والإنسان أدنى مقوماتِ الحياة العادلة ومتطلبات العيش الكريم، لا حاجة لنا بها، وما دام الشعب اليمني واثقاً بالله ومتوكلاً عليه، يسير خلف قيادته الثورية السياسية والعسكرية فهو قادرٌ على انتزاع حقوقه، التي لا تستجدى وإنما تنتزع انتزاعاً، والعاقبة للمتقين.