لأنه رسولُ الله.. ولأنهم الأنصار..بقلم / مالك الغنامي
ذكراك مجدُ الأُمَّــة ورفعتُها ونسيانُك هلاكَها وانحطاطها، بحَقٍّ أنت كذلك يا رسول الله، كيف لا وأنت الرحمة المهداة للعالمين، كيف لا وأنت رسول الحق، وأعظم الخلق، وأكمل بشر خُلِقْ، تعبرينا فيك قاصرٌ مهما طالت أسطُرَه، ونثرنا في مقامك مهزوزٌ مهما علتْ بلاغته، تتلعثمُ الألسن عند وصف عظمتك وتجف الأقلام عند نعت خُلقِك، هذا؛ لأَنَّك رسول الله للعالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين وخير من وطئ الثرى.
لأنه رسول الله يبتهج اليمانيون بذكرى مولده، ولأنه رسول الله يسلك أبناء اليمن مسيرته، ولأنه رسول الله يعظّمه الشعب اليمني ولأنه نور الله يستضيء اليمن بنوره، ولأنه رحمة الله للعالمين يعرف اليمنيون قدر مكانته وعظمته، لذا يحتفلون فرحاً وابتهاجاً بذكرى مولده.
اليمن تصدر العالم من قبل ميلاد الرسول الأعظم، فمن كان يغمرهم الشوق وتطغى على مشاعرهم اللهفة، مستبشرين بمولده -صلوات الله عليه وعلى آله- فغيرُ غريب أن يتصدروا العالم في الاحتفال بذكرى مولده المبارك بعد مآت السنين من وفاته.
نعم إنه رسولُ الله.. ونعم إنهم الأنصار..
في ذكرى المولد النبوي الشريف يستحضر اليمنيون مناقب صاحب الذكرى العظيمة، في سيرته وسلوكه فتصبح حاضراً لديهم، وفي جهاده وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فتصبح واقعاً يعيشونه، وفي أخلاقه وحنانه وعطفه وجوده وكرمه فتصبح عادةً يجبلون عليها، وفي كرمه وجوده وإحسانه فتصبح موجودةً في حياتهم، وفي شجاعته وبسالته وحنكته وحكمته وخبرته فتصبح متجذرةً في كيانهم، وفي حلمه وورعه وعدله وأمانته فتصبح ميزانَ حكمهم، وفي صبره وقوة عزمه ورحمته وشدة بأسه فتصبح واقعاً يعيشه المجاهد اليمني في الجبهات والثغور، كيف لا وهو صاحب الخلق العظيم، وكيف لا وهم يمن الإيمَـان والحكمة، يمن الأوس والخزرج يمن الأنصار.
فالتعظيم لرسول الله يبعث في الأُمَّــة مسؤولية التمسك بالمبادئ والقيم الإيمَـانية التي أراد لها أعداؤها الاضمحلال والتلاشي لتصبح لا شيء، التعظيم لرسول الله يعني أن نبقى أُمَّـة مستقيمة، أن نقتدي به، ونهتدي بهديه ونستبصر بنوره، يعني أن نستلهم جهاده وكفاحه، وعنفوانه ورفضه للباطل، التعظيم لرسول الله ليس مفردة نردّدها أَو كلمة نلقيها أَو مقال نكتبه، التعظيم لرسول الله يعني المشاعر الفيّاضة بالحمد والشكر لله على نعمة الهداية التي بعث بها، والرحمة المهداة من رب العالمين، التعظيم لرسول الله هو الإيمَـان به وتعزيره وتوقيره واتباع النور الذي أنزل معه، هو التعظيم لمنهجه وسيرته وعمله وجهاده ومقارعته لقوى الكفر والضلال والباطل والطغاة والمجرمين، هو العمل الجاد والمخلص والمتفاني للسير بسيرته والتمسك بمشروعه، أن نقتديَ به في كُـلّ أعمالنا وحركتنا وسلوكياتنا، هذا لنصبح أُمَّـة محمد لا أُمَّـة الغرب أُمَّـة الإسلام لا أُمَّـة الكفر، أُمَّـة الجهاد لا أُمَّـة النفاق.
عندما تبتعد الأُمَّــة عن رموزها الحقيقين، هنا يظهر الرموز الوهميين، الذين تصنعهم المخابرات الأمريكية والبريطانية والموساد الصهيوني، نعظّم رسول الله لكي لا ننخدع بالوهم التكفيري، نعظّم رسول الله لكي لا ننجر وراء المد الوهَّـابي، نعظّم رسول الله لكي نعرف أبواق النفاق والعمالة والارتزاق، نعظّم رسول الله كي نرتقي في حضارتنا وفكرنا وسلوكنا وأخلاقنا، نعظّم رسول الله لكي نحافظ على المبادئ والقيم وعلى العزة والكرامة، فمن لا يعرف عظمة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- يبقى متخبطاً بين دهاليز الضلال، يعتبر نفسه مسلماً وهو بعيد عن الإسلام ويحسب نفسه مؤمناً والإيمَـان يتبرأ منه، حقيقةً سيظل أعمى البصيرة وأصم الحكمة، وفعلاً لن يرفع راية الإسلام إنسان لا يعرف عظيم منزلة الرسول عند الله، وعظمة مشروعه القويم وجهاده المرير ضد أعداء الله، وسيرته الحقيقية التي حكاها الله في القرآن الكريم.
عَمرَ الأرض بالجهاد، وبنى الأُمَّــة بالهدى والرشاد، وشيّد مداميك دولة الإسلام نظاماً عادلاً لا نظير له بين الأنظمة ولا يُقارن بنظامٍ على الإطلاق، فرسول الله ليس كما يرويه رموز الوهَّـابية وعقول التكفير المصنوعة غربياً، لا ليس كذلك، إنه أعظم قائدٍ وأعظم أسوةٍ وقُدوة، وأنجح عملاً وأرجحَ عقلاً وانضجَ فكراً، وأعلى خُلقاً وأرفعَ مقاماً، وأعزَ خلقِ الله، واحرصَ عبادِ الله على هداية البشرية.
فكيف يريد أبواق النفاق ودعاة الضلال أن لا نعظّم رسول الله باحتفالنا بذكرى مولده، إنها لمن دواعي الاستغراب والسخرية لمن يدّعي أن تعظيم رسول الله بدعة، بل إنها البدعة بعينها أن يعتاد المسلمون التعامل مع رسول الله روتينياً، ومولده حدثاً طبيعياً لا أهميّة له وسيرته تسلسلاً تاريخيًّا عابراً لا يقدم ولا يؤخر، بل إن هذا ما يريده اليهود بعينه، فعندما تبتعد الأُمَّــة عن قائدها وقدوتها وملهمها ومعلمها ومربيها وهاديها تصبح أُمَّـة منحطة وذليلة ومقهورة ومغلوبا على أمرها، ويتحكم بها أعداؤها ويذلونها ويستعبدونها وتعود الجاهلية من جديد بنكهة الولايات المتحدة الأمريكية والعدوّ الصهيوني ودول الغرب الكافرة.
لكن أبناء الشعب يعون خطورة ذلك جيِّدًا فيزداد حبهم للرسول محمد -صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين-، ويفهمون مكائد الأعداء فيزداد ارتباطهم بالنور الذي أُنزِل معه، ويعرفون خبث اليهود فيهرعون لتولي خير البشرية وأكملهم، فالشعب اليمني أصبح واعياً بالشكل الكبير ويدرك مدى أهميّة الارتباط والتمسك بالرسول في كُـلّ المجالات، حتى أصبح الارتباط بالرسول لدينا سرٌ من أسرار النصر يترجمه جنود الله في الجبهات جهاداً وعنفواناً وعزةً وكرامة.
يبادر اليمنيون بالاحتفال والابتهاج بذكرى المولد النبوي الشريف؛ لأَنَّها محطة يستلهمون منها الدروس والعبر في النهوض بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، محطة تزودهم بمكارم الأخلاق والإحسان وحسن المعاملة وصفاء الوجدان في الإخلاص لله، والتفاني والتضحية والجهاد، محطة تزودهم بالشجاعة في الموقف والصبر في الشدائد وبالوعي والبصيرة، فبرغم الحرب والحصار الخانق على الشعب اليمني من قوى العدوان إلا أنه شعب لا ينسى معلمه ومرشده وقائده وقدوته، فيفرح شكراً لله على نعمة الرسول، ويظهر في ملامح أبنائه الحنين والشوق والابتهاج، وتظهر في شوارعه الزينة باللون الأخضر لون المسلمين، ويقيمون الندوات والأُمسيات التي تذكرهم بمناقبه وسيرته وأخلاقه والصفات الرفيعة له، تمهيداً للاحتفال الأكبر الذي تشارك فيه الجماهير المليونية في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، كُـلّ ذلك وأكثر؛ لأَنَّه رسول الله.. ولأنهم الأنصار.