دلالاتُ الاحتشاد الشعبي الأكبر في المولد النبوي.. التفافٌ حول الهُــوِيَّة الجامعة وانسجامٌ مع موقف القيادة
المسيرة | خاص
حمل الخروجُ الجماهيريُّ الكبيرُ للشعب اليمني في ساحات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، الكثيرَ من الدلالات الهامة المتعلقة بالتحول الاستراتيجي الذي يعيشه البلد على كافة المستويات، في إطار المشروع الوطني النهضوي الجامع الذي يحاول الأعداء القضاء عليه من خلال العدوان والحصار والتشويه والتضليل الإعلامي، إذ أثبت الاحتشاد الجماهيري أن هذا المشروع يحظى بدعم شعبي يتجاوز كُـلّ الاختلافات والفروقات والانتماءات الجزئية؛ كونه مشروعاً منسجماً مع هُــوِيَّة الإنسان اليمني وتطلعاته التحرّرية، الأمر الذي يعني بدوره حتميةَ فشل كُـلّ جهود العدوّ ومرتزِقته ومشاريعهم الضيقة والإجرامية.
مشروعٌ جامعٌ منسجمٌ مع الهُــوِيَّة اليمنية
الحشودُ المليونية التي ملأت 27 ساحة للاحتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف، أزالت مجدّدًا الصورة المغلوطة التي يحاول العدوّ تقديمها وتكريسها عن المشهد في اليمن وفي المناطق الحرة بشكل خاص، حَيثُ يروج العدوّ عادة لفكرة أن الدولة في صنعاء عبارة عن “سلطة أمر واقع” مفروضة على الشعب، وأنها تحمل مشروعًا وبرنامجًا خاصًّا لا يتقاطع مع هُــوِيَّة الشعب وتطلعاته.
لكن المشهد المهيب وغير المسبوق لاحتفالات يوم المولد النبوي الشريف كان دليلا واضحًا وقاطعا على أن الالتفاف الشعبي حول المشروع الذي تتحَرّك في إطاره صنعاء يتزايد بشكل كبير مع مرور الوقت وأنه لا يتصادم أبداً مع الهُــوِيَّة اليمنية بل ينسجم معها ويجسّدُها بصورة فريدة ومميزة، وأفضل من أي مشروع آخر.
ومن هنا فَـإنَّ الاتّهامات العنصرية والطائفية والفئوية التي يطلقها العدوّ ومرتزِقته دائماً، لمهاجمة المشروع التحرّري الذي تتبناه صنعاء، لا أَسَاس لها على أرض الواقع، وليس سوى دعايات يحاولون من خلالها إحداث فجوة بين الجمهور وبين ذلك المشروع، وهو ما يؤكّـد بشكل واضح أن المشروع المضاد الذي يتبناه العدوّ عاجز عن إثبات نفسه ولا يحمل أية قيم مشتركة صحيحة يمكن أن تلتف حولها الجماهير، وبالتالي فَـإنَّ كُـلّ المساوئ العنصرية والطائفية التي يروجونها هي قادمة في الأصل من مشروعهم الفوضوي الذي يتمحور كله حول الخضوع للوصاية واستيراد القيم والأفكار والنظم من الخارج.
من أجل ذلك لا يجد العدوّ أية طريقة للتعاطي مع احتفالات المولد النبوي الشريف كُـلّ عام، سوى الإساءة إلى جماهير الشعب اليمني من خلال الادِّعاء بأنه كُـلّ تلك الملايين المحتشدة يتم “إجبارها” على الخروج إلى الساحات للاحتفال، وأنها تنساق ذليلةً وبلا وعي، وهو أُسلُـوبٌ أرعنُ يكشف حجم عجز العدوّ وأتباعه عن إيجاد موطئ قدم لهم في الهُــوِيَّة الجامعة للشعب.
دورٌ قياديٌّ في العالم الإسلامي
في وقتٍ سابق وصف سماحةُ الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، الحشودَ الجماهيريةَ اليمنية المحتفلة بمناسبة المولد النبوي الشريف بأنها “حُجّـةٌ على جميع المسلمين” ومعنى ذلك أن المشروعَ الجامعَ الذي تأتي في إطاره هذه الاحتفالات غير المسبوقة لا ينحصرُ في حدود جغرافيا الوطن فحسب، بل يمثل اليوم جوهراً لمشروع جامع على مستوى العالم الإسلامي بأكمله.
وفي هذا السياق فَـإنَّ تصدُّرَ اليمن واجهة العالم الإسلامي في الاحتفاء بمناسبة المولد النبوي الشريف، يحمل دلالةً واضحةً على توجّـهه نحو دور قيادي مستحق، ليس فقط فيما يتعلق بالمظاهر، بل كقوة مؤثرة وفاعلة، وهو الأمر الذي يلاحظ اليوم بوضوح من خلال مستوى القدرات التي تحرص صنعاء على امتلاكها، والمعادلات السياسية والعسكرية التي تفرضها على واقع المعركة مع الأعداء، حَيثُ أصبحت هذه المعادلات تحمل أبعادا إقليمية ودولية متعددة.
وهذه الدلالة تحمل تأكيدا إضافيًّا واضحًا على حتمية هزيمة قوى العدوان التي تفرض نفسها كممثلة حصرية ووحيدة للعالم الإسلامي، وهو ما بات أمرا واضحًا بالنظر إلى نتائج المعركة بعد ثماني سنوات.
تأكيدٌ شعبيٌّ على مواصلة المعركة
بالحديثِ عن معركة المواجهة مع تحالف العدوان، فَـإنَّ الاحتشادَ الجماهيري في مناسبة المولد النبوي حمل أَيْـضاً دلالاتٍ متعددةً فيما يتعلق بالمرحلة الراهنة وما بعدها، بالنظر إلى أن العدوّ لجأ خلال الفترة الماضية وتحت عنوان “الهُــدنة” إلى تأسيس مسار آخر من مسارات الحرب، وهو مسارُ استهداف وزعزعة الجبهة الداخلية وتأليب الجماهير ضد السلطة الوطنية والقيادة، مع استمرار الاستهداف والحصار.
حشودُ المولد النبوي وجّهت رسالةً قوية وواضحة بفشل كُـلّ مساعي العدوّ لاختراق الجبهة الداخلية وتشويه الموقف الوطني، وأكّـدت بما لا يدع مجالاً للشك أن توجُّـهَ مواجهة العدوان والحضور في المعسكر المقاوم له، يزداد قوة وصلابة، الأمر الذي يحكم مسبقًا بفشل أية مساعٍ لا زال العدوّ يحاول المضيَّ فيها لمواصلة مؤامراته وألاعيبه.
وقد مثّلت دعوةُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي خلال خطابه أمام الجماهير لمواصلة مواجهة العدوان والحصار، ترجمةً واضحةً للانسجام التام بين موقف الشعب والقيادة.
لا عودةَ إلى الوراء
من الصعب اختزالُ مشهد الاحتشاد الجماهيري اليمني الكبير في مناسبة المولد النبوي وتتبع كُـلّ دلالاته، لكن إجمالاً يمكن القول إنه كان تأكيداً إضافياً على استحالة تجاوز التحول الجذري الذي تعيشُه اليمن منذ سنوات تحت راية المشروع التحرّري والنهضوي لثورة 21 سبتمبر وقيادتها؛ باعتبَار أن تجاوُزَ هذا التحول وإلغاءَه هو الهدف الرئيسي لكل التحَرّكات العدائية ضد الشعب اليمني، بما في ذلك العدوان والحصار.
وهذه الحقيقةُ لا تحملُ أيةَ فراغات يمكن النفاذ منها لحرف مسار هذا التحول بدلاً عن إلغائه؛ لأَنَّ حشودَ المولد النبوي تمثّل اليوم نموذجًا واضحًا لتماسُكِ هذا المسار وتصاعُدِ نجاحاته، إلى جانب نماذجَ أُخرى مماثلة كالعروض العسكرية الأخيرة، وبالنظر إلى أن هذه النماذجَ برزت في ظل ظروف وتحديات مستحيلة، فَـإنَّ التعويلُ على إعادة العجلة إلى الوراء الآن وفي ظل وجود القدرات والقوة والتأييد الشعبي الواسع، هو تعويلٌ على الوهم ورهانٌ على المستحيل.