الاحتفالُ بالمولد النبوي أصبح اليوم صوتَ الصرخة الموجهة لأعدائه
مسؤولون وعلماء وباحثون لصحيفة “المسيرة”:
المسيرة / محمد المنصور
يحتفلُ الشعبُ اليمني في كُـلّ عام بمناسبة المولد النبوي الشريف كمناسبة عظيمة وعزيزة على قلوبهم، رغم ما يعانيه اليمنيون من عدوان وحصار صهيوني أمريكي سعوديّ إماراتي متواصل للعام الثامن على التوالي.
ويمثل المولدُ النبوي مناسبةً جامعة تكون أَسَاساً مهماً للوحدة الإسلامية بمختلف الأجناس، فرسولُ الله لم يمثل طائفة معينة ولا حزباً معيناً، وإنما يمثل الإسلام الأصيل، فالرسولُ الأعظم محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- هو الشخصية الهامة والقُدوة الحسنة لكل الأُمَّــة، ولذَلك لا ينبغي أن نخرج عن هذا الإطار الذي يعتبر شيئاً مهماً وعظيماً للأُمَّـة.
وأثبت اليمانيون مدى تمسُّكِهم الكبير برسول الإنسانية من خلال الخروج العظيم والمشرف والملاييني في مختلف الساحات، والذي لم يضاهيه خروج في العالم، ويعتبر أكبر حدث في التاريخ، حَيثُ امتلأت ساحات بضيوف الحبيب المصطفى محمد عليه وعلى آله أزكى الصلاة والتسليم.
ويرى عضو الهيئة العليا للإفتاء بالجمهورية اليمنية، العلامة محمد بن سقاف الكاف، أن ذكرى المولد النبوي لها توجّـه روحي وأخلاقي وديني متأصل في نفس كُـلّ مسلم شهد للباري بالوحدانية ولنبيه محمد -صلى الله عليه وآله- بالرسالة لارتباط هذه المناسبة بحامل الشريعة ورسولها والناطق بالقرآن وَمبلغه، مُشيراً إلى أنه لولا وجود الرسول لما هدينا لصلاةٍ ولا صيامٍ ولا زكاةٍ ولاحجٍ ولا جهاد، ولما عرفنا أعياداً ولا أياماً فاضلة كليلة قدرٍ ويوم هجرةٍ ويوم مبعث، أَو مناسباتٍ وشعائر، ولا أخلاق فاضلة؛ لأَنَّه – صلى الله عليه وآله- مصدرها ونقطة مرتكزها.
ويضيفُ في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن اليمنَ الميمونَ بإيمَـانه وحكمته وأهله وشعبه ارتبط بهذه الشخصية العظيمة -رسول الله صلى الله عليه وآله- ارتباطاً إيمَـانياً وروحياً من اليوم الأول لمعرفته، (إِنَّا أرسلنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (الفتح8-9)، وحقّق اليمانيون معنى الإجَابَة لمبتغاه: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) (الشورى23)، فناصروا عترته وذريته وعرفوا أنهم خير سادة وقادة، لافتاً إلى أن مظاهر الاحتفالات عند الشعب اليمني لها تاريخ طويل وهي ضاربة في عمق التاريخ الإسلامي، فنجد مصنفي السير المختصرة سواء منثورة أَو منظومة (الموالد) أشهرهم من اليمن كالحافظ ابن الديبع الشيباني أَو عبدالرحيم البرعي أَو الحبيب علي الحبشي أَو العزب والقائمة تطول يتغنى بموالدهم وأشعارهم المسلمون من الفلبين إلى السنغال، كما نجد شهر ربيع الأول يسمى في بلادنا بشهر المولد أَو ربيع المولد ولا ينقطع فيه ذكر المصطفى -صلى الله عليه وآله- ومديحه من أول الشهر إلى منتهاه بمظاهر البهجة والفرح عبر الأزمان وباختلاف اللهجات والألحان.
ويشيرُ إلى أنه الاحتفالَ بالمولد استمر حتى برزت قيادته المؤمنة الحكيمة الراشدة متمثلة في القائد العلم سماحة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -أيّده الله ونصره- فنقل هذه المناسبة بمضامين فرحها وسرورها الموجودة أصلاً إلى برنامج رسالي نوعي (محمدي المضمون، جماهيري الجواب، رسالي التبليغ، إسلامي بل عالمي الخطاب، مُستمرّ العطاء)، فتوجّـهت أنظار أحباب المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- في مشارق الأرض ومغاربها إلى اليمن كقبلة الاحتفال الجماهيري الأكبر بالمولد النبوي على مستوى العالم أجمع حتى في الدول المحتفلة ذات الكثافات العددية التي تفوق اليمن عدداً، وهذه ظاهرة تستحق الدراسة الإنسانية المعمقة في خواص هذه الأُمَّــة اليمانية بمختلف محافظاتها وَانتماءاتها المذهبية والفكرية والاجتماعية بل أصبح اليمن هو صوت الصرخة الموجهة لأعداء المصطفى -صلى الله عليه وآله- وصنيعتهم من معارضي إحياء ذكرى مولده الشريف، وما هم إلا عصبة لا تذكر ونابتة دخيلة على أمتنا الإسلامية والكلام للعلامة محمد بن سقاف الكاف.
ويواصل العلامة الكاف قائلاً: “سقط فكرها في مهد قرن الشيطان كما أسماه الصادق المصدوق -صلى الله عليه وآله وسلم- (اللَّهُمَّ بارِكْ لنَا في شامِنَا، وفي يَمَنِنَا، قالَ: قالوا: (وفي نَجْدِنَا؟ قالَ: قالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لنَا في شامِنَا وفي يَمَنِنَا، قالَ: قالوا: وفي نَجْدِنَا؟ قالَ: قالَ: هُنَاكَ الزَّلَازِلُ والفِتَنُ، وبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ) (متفق عليه)، موضحًا أنهم مصدر تمزيق الأُمَّــة وتفريق كلمتها؛ لأَنَّ مصدر توحيد الأُمَّــة المحمدية وجمع كلمتها هو في التفافها الصادق حول نبيها وإحياء مناسباته وأهمها مولده الشريف في شهره المبارك”.
المولدُ النبوي محلُّ تقدير العالم
من جهته، يقول وكيل مساعد وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة، محمد أمين عزالدين الحميري: إن اللهَ عز وجل قد أرسل نبيه محمداً -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- رحمةً للعالمية، وتبعاً لعالمية رسالته، فمحبة رسول الله في قلب كُـلّ مؤمن بالله ويعرف قدر رسوله، والمولد النبوي الشريف هو محل اهتمام وتقدير كُـلّ الأُمَّــة، وإن وجد هنا وهناك من الأنظمة الفاسدة من يصرف الناس عن الاهتمام بهذه المناسبة وبمساعدة الخطاب الديني المزيف.
ويضيف في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن الشعبَ اليمني هو أحدُ الشعوب التي تعطي هذه المناسبةَ المكانةَ الكبيرة، على غيره من الشعوب، وقد تعود الشعب اليمني أن يجعل من هذه المناسبة محطة إيمَـانية وتربوية يستفاد منها الاستفادة العملية التي تجعل من الأُمَّــة أُمَّـة قوية وعزيزة ومستقلة، ولا غرابةَ فالإيمَـان يمان والحكمة يمانية، كما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لافتاً إلى أن اليمنيين يتمسكون بمواقف أجدادهم الأنصار، والذين استجابوا لرسول الله وأولوه الاهتمام الكبير، فاليمنيون اليوم يؤكّـدون أنهم الأحقُّ برسول الله، وأنهم سيظلون على العهد محبة واقتدَاء وتولياً لرسول الله، وفي الوقت الذي يشرق فيه الكثير ويغربون، يذهب اليمنيون إلى التمسك برسول الله كخير قائد وقُدوة، ومن اليمن بإذن الله سيكون الانتصار لرسول الله والانتصار لقضايا الأُمَّــة العادلة، وأهل اليمن هم أهل المدد، ونفس الرحمن من اليمن كما يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ويواصل الحميري: أهلُ اليمن هم أهلُ النجدة في الماضي لرسول الله وللأخيار من آل بيته الأطهار وأصحابه الأخيار، وهم اليوم على هذا النحو في نصرة كُـلّ من يعبدهم لله والاقتدَاء السليم برسوله، وما وقوفهم المشرف إلى جانب سماحة السيد عبد الملك -يحفظه الله- إلا دليل قاطع على طهارة أنفسهم ونقاء ضمائرهم، وأنهم لن يكونوا إلا في صف من يجعل من رسول الله قُدوة وأسوة، وفي هذا طاعة الله ورسوله.
ويزيد بقوله: “رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- من أعظم مقاصد رسالته الدعوة إلى التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى، وقد ترافق مع هذا حرصه عليه الصلاة والسلام على توحيد الكلمة، والمؤاخاة بين المسلمين؛ لأَنَّ وحدة الصف الإسلامي عامل قوة في النهوض بالأمة، وبناء على هذا، فالأمَّة اليوم مدعوة إلى الالتفاف حول رسول الله، وهذا من أعظم القواسم المشتركة -بعد الاعتصام بحبل الله- التي تمثل المدخل الحقيقي لتوحيد الصفوف واجتماع الكلمة على ما فيه الخير، والمسلمون اليوم مدعوون بكل توجّـهاتهم إلى ترك الانتماءات الضيقة ومد اليد لبعضهم البعض، والسعي المُستمرّ لإصلاح الخلل الداخلي، وإدراك من هو العدوّ الحقيقي الذي ينبغي أن توجّـه نحوه السهام، وإدراك أَيْـضاً أننا كمسلمين هناك ما يجمعنا ويوحدنا وأبرز ما يجمعنا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”.
ويدعو الحميري إلى ضرورةِ أن نجعلَ من هذه المناسبة محطةً للالتقاء والحوار والتفاهم، والتأسيس لمرحلة قادمة من التواصل وبناء العلاقات الإيجابية، والتعاون في مسيرة التصحيح والارتقاء والنهوض بأمتنا، داعياً إلى تجسيد هذا الكلام في واقعنا، خَاصَّة في ظل توفر المشروع الجامع والقائد الفذ، الذي من الأهميّة الاصطفاف الواسع وراءه لتحقيق التطلعات لبلدنا وأمتنا.
لبنةٌ أَسَاسيةٌ لتوحيد الأُمَّــة
بدوره، يقول الباحث والمؤرخ العلامة عبد الرقيب مطهر حجر: إن الاحتفاءَ بذكرى المولد النبوي يتزايدُ من عام إلى آخر، ويزداد وهجاً، وتتوسع دائرة نطاقه المحلي من عام إلى عام في التنظيم والفعاليات والمشاركات المجتمعية وفي نفس الوقت يؤكّـد هذا الاهتمام بذكرى المولد النبوي أن قيادة أنصار الله ممثلة بالسيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، تريد منه أن يكون يوماً جامعاً لعموم المسلمين في مختلف الأقطار الإسلامية، ومحطة التقاء حول عالمية الدعوة والرسالة المحمدية.
ويضيف حجر أنه لن يصلح هذا الدين إلَّا بما صلح به أوله، فدين الله المحمدي في أصقاع الجزيرة إنما قام في بزوغ فجره بإيواء وبذل وسيوف الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج اليمنيتين اللتين ناصرتا الرسول الأعظم، وفي الأحاديث النبوية في فضل اليمن وأهله، وفي الأحداث التي تلت عصر النبوة، وقيام الأئمة من أهل البيت بالقسط ومناصرة القبائل اليمنية لهم في مختلف الظروف والأزمنة ما يجعلك تعرف أن هذا الدين منصور باليمنيين، وأنهم ركائزه الحامية لمبادئه السامية من الانهيار في مهاوي أضاليل اليهود قديماً، ودسائس الصهاينة حَـاليًّا.
ويواصل: من شأن هذا الاحتفال بذكرى المولد النبوي أن يذيب الجليد بين المذاهب المتفرقة ويلغي تلك النزعات الطائفية والمذهبية التي جعلت من ساحة المسلمين ساحة مخترقة، غير قادرة على النهوض بتقديم أنموذج للدين المحمدي الصحيح، فلا شك أن ذلك لبنة أَسَاسية لتوحيد الأُمَّــة وإعادتها إلى النبي الهادي -صلوات الله عليه وآله- ما تعاقب الليل والنهار.
أما القاضي لطف العزي أحمد العزاني -عضو جمعية علماء اليمن- فيؤكّـد أنه ومنذ عشرات السنين والشعب اليمني يحيي ذكرى مولد الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وآله- موضحًا أن هذا الميلاد هو ميلاد توحيد للأُمَّـة بأسرها، ويوم لعودة الأُمَّــة إلى النبي الأكرم، منوِّهًا إلى أن النجاح والفوز والفلاح حليفها (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) لافتاً إلى أنه لا يرى في تذكار ميلاده -صلى الله عليه وآله- إلا خير اتباع، ففي معترك الحياة وتنامي عصر السرعة ينسى الناس نبيهم ويقومون بالشعائر التعبدية وينسون الشعائر الروحية التي تجعل من الشعائر التعبدية خالصة ويشعر بها كُـلّ إنسان تذكر ميلاده -صلى الله عليه وآله- هي حياة للعالم بأسره ويكفيه من ربه قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).