مولدُ النور..بقلم/ وسام الكبسي
لقـد عشـعـش الظلام وغشـي البـشريـة الجهـل وحـلَّ بهـم التَّـيه، فـعاشـوا بيـن أمـواج الأباطـيل والخـرافـات لا يهـتدون لسبـيلٍ أَو مخـرج، التنـاحر والاقتتال سـيد المـوقـف فهـم بذلـك مـيتي الضمير، قـُساة أجـلاف، لا هـدف لـهم في الحيـاة ولا غـاية سـوى كسـب الإبـل ورعـي الأغـنام ينـساقـون وراء شـهوات النفـس، عـبّـدوا أنفسهم لأصنام صنـعتـها أيديـهم وبـعض آلهـتهم مما يُـأكل فـسقطـوا متـجردين من الإنسانية والقيـم والأخلاق إلا مـن الشـكليات التي تشـي لحـب الظـهور والبـروز لغـرض كسـب السُّمـعة والشُّـهرة، عـاش النَّـاس حـالة التـخلف والانحطاط في جميـع مـجالات حـياتـهم، فأصبحت السِّـمة البـارزة لهـم الجـهل والخـرافة، والأمـية سيـطرة على واقـع النـاس وعقـولهم فانحـرف المجتـمع عن الحـنيفية انحرافاً خطيـراً حتى كادوا أن يَقعـوا في حضـن الشيطـان والأهـواء كليًّا.
وفي هـذا الواقـعُ الـسَّيء والخطـيرُ، والظلام الدامـس انبثـق النـور وبان الصـبح وتجـلى الحـق في أنصـع صـوره وشـع نـور الهـداية عـلى المـشرقين مبـدداً دياجـير هـذا اللـيل البهيم، فقد أراد الله سبحانه وتعـالى لليـل أن ينـجلي، ولكـل أنواع الأباطيـل والخـرافـات أن تتـوارى بزوال الظلـم وهزيمـة الطـاغوت بمـولد النـور (صلى الله عليه وآله) مخلـّص البشـرية ممـا هم فيـه من ظـلم وجهـل مطبـق، فـشرّف اللـه الأرض بمـولد مـبارك في بقـعة طاهـرة مبـاركة بمكة المكرمة من أسرة طاهرة مباركة (أصـلها ثابتٌ وفـرعها في السـماء).
لقـد مثـّل مولـده -صـلى الله عليـه وآله- انبثـاقاً للنـور، نور الهـداية ليخـرج الأُمَّــة من الظـلمات إلى النـور، فقـد كان في حقيقـته مولداً للقـيم والمبـادئ والأخلاق الإنسانية العالـية والمـحبة بل مولداً لمكـارم الأخلاق جميعـها فكان بحـق شـرف للإنسانية وعـزَّ لنا أكرمنا الله به قـائداً وقُدوة ومعلماً ومربياً مُجـسّداً للقيـم الإنسانية في معـاملاته سـلوكاً وخُلقاً، بنى بذلك الإنسان بناءً كامـلاً ليكـون خليـفة الله في الأرض كمـا أراد الله تعـالى.
إنه المِنّـة العُظمـى، والأسـوة الحسنـة والفضـل العظيـم، بل إشراقة الإسلام على دنيا الجهـالة، والسـّمو في أرقى صـوره، والكمـال البشـري في أعلى مراتبـه، بمـولده -صلى لله عليـه وآله- أشرقت في القلـوب والوجدان أنوار الهـداية، وأنار القلـوب والأفـئدة، ملأ النفـوس عزاً وإباءً ورفعـة، فقـد تهـاوى الطاغوت في معـاقله كما تهـاوى إيوان كسـرى وعـرش قيصـر، فتهـاوت رمـوز الكُفـر من أصنام البشـر والحجر، وذاب جليد التسلط والجور، وتحرّر الإنسان من العبـودية والرِّق، مقـوياً الروابط الأسـرية والاجتماعية، هادماً صرح الجهـل والتخـلف من العـادات السيـئة والوحشـية المحضـة من وأد البـنت أَو جعلهـا سلعـة تباع وأدَاة للإشـباع الغرائزي، فقـد نهض -صلى الله عليه وآله- مجسـّداً لقوله تعالى له: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا).
لقـد كان مولـده -صلى الله عليه وآله وسلم- ومن ثَم مبعثـه ثورة تحرّرية على قوى الظلـم والطاغـوت والرغبـات النفسيـة وشهـواتها، تحرّراً من العصبيـة المقيـتة والتـولَّي الأعمى والنعـرات القبلية، فاتّحـدت كلمتهـم، وتلاشى تفرقـهم معتصميـن بحبـل الله، تجمعهـم رسالة واحدة يبذلـون أموالـهم ومُهَـجِهم في سبـيل الله كغايـة لأهدافهـم فصـارت لهـم هُــوِيَّـة حين أصبحوا أُمَّـة قرآنيـة المنهـج بقـيادته (صلى الله عليه وآله) كأعظم رجل عرفـه التاريـخ، فهـو بحق نور الهـدى، ونبـراس وضيـاء لا يمكـن أن نعـرفه إلا كمـا قال الشهيـد القائد السيـد الحسيـن بدر الديـن الحـوثي -رضوان الله عليه- (إن القرآن الكريـم هو أهم مصـدر لمعـرفة الرسـول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).