7 سنوات على قصف القاعة الكبرى.. جرائمُ محفورةٌ في الذاكرة!
جريمة قصف عرس سنبان ستظلُّ وصمة عار في جبين العدوان
المسيرة – خاص
يتذكَّرُ اليمنيون في كُـلّ بقلوب مكلومة جريمتَي قصف عرس سنبان في 9 أُكتوبر 2015 وقصف الصالة الكبرى بصنعاء في 10 أُكتوبر 2016، وعلى الرغم من احتفالات اليمنيين بالمولد النبوي، إلا أن أصداء هاتين الجريمتين لم تفارقا وجدان كُـلّ يمني، ولا سيما الأحرار الذين أحسوا وتجرعوا مرارة الحزن والفراق والألم والقسوة للجرائم التي ارتكبها العدوان الأمريكي السعوديّ على مدار السنوات الثمان الماضية.
وبالعودة إلى شريط الذكريات المليء بالأسى، فقد كان يوم التاسع من شهر أُكتوبر سنة 2015 كابوساً على قرية سنبان بمنطقة عنس بمحافظة ذمار، فالمنازل التي كانت عامرة بالأفراح والمسرات، تحولت في لحظات إلى مأتم وبكاء وحزن.. لقد استشهد أكثر من 50 مدنياً معظمهم من الأطفال والنساء في قصف لطيران العدوان الأمريكي السعوديّ المتوحش، وأُصيب أكثر من 35 آخرين ومن بين الشهداء العريسان وعروستاهما، وقد كانت هذه الجريمة فاجعة بكل ما تعنيه الكلمة للشعب اليمني الذي لم يتوقع على الإطلاق أن تصل السعوديّة إلى كُـلّ هذا القبح والتوحش والدناءة.
جريمةٌ ليس لها مثيل
وبينما كان اليمنيون يتذكرون بعد عام تماماً هول ما حدث من قصف لعرس سنبان، كان العدوانُ الأمريكي السعوديّ الصهيوني يحضر لجريمة أكثر قبحاً ووحشية، ويبحثُ هذه المرة ليس عن قاعة أفراح، وإنما عن قاعة عزاء، ليضاعف مأساة اليمنيين ويعمق من جراهم.
واختار العدوان يوم 8 أُكتوبر عام 2016 ليكون الأشد إيلاماً وقسوة على اليمنيين خلال مسيرة العدوان الغاشم عليهم، حَيثُ استهدف بطيرانه الحاقد قاعة عزاء بعد أن تجمع الآلاف من المدنيين لتقديم العزاء في وفاة علي الرويشان والد المناضل الجسور جلال الرويشان.
أكثر من ألف مواطن ما بين شهيد وجريح، قيادات عسكرية استشهدت، أمين العاصمة السابق عبد القادر علي هلال من بين الشهداء، أطفال، شباب في كامل أناقتهم، انتقلوا إلى جوار ربهم.. جريمة ليس لها مثيل في تاريخ الإنسانية.
قاعة العزاء كانت مكتظة بالناس الذين توافدوا لتقديم واجب العزاء لأسرة آل الرويشان، وفجأةً أطلق الطيرانُ صواريخَه على الحاضرين، لتتحول القاعة إلى كومة خراب.
تفحّمت جثثُ البعض، فقد البعض قدمَيه، والبعض الآخر فقد بصرَه، والبعض مات بفعل الدخان الكثيف.
الفاجعة كانت تملأ المكان، وصنعاء حينها كانت تدور من هول الصدمة، وقلوب اليمنيين تتمزق لهول ما رأت وشاهدت عبر شاشات التلفزة.
أطلقت المستشفياتُ نداءً للتبرع بالدم، فخرج الجميع للتبرع بالدم، فيما كانت صنعاء حزينة كئيبة غير مستوعبة ما حَـلَّ بها من دمار وخراب، وتوحش، وبربرية لا مثيل لها من قبل العدوان الأمريكي السعوديّ الصهيوني الغاشم.
لا بُدَّ من محاسبة
ويمكن القول إنه لولا التغطية الإعلامية الواسعة والمكثّـفة لطُمست هاتان الجريمتان، وخُصُوصاً مجزرة القاعة الكبرى التي كانت القنوات تبث معظم تفاصيلها بشكل مباشر، وهو ما مثّل عاملاً إضافياً في تخليد هاتين المجزرتين في ذاكرة الشعب اليمني إلى جانب صدور بيانات الإدانة والاستنكار بشكل كبير جِـدًّا على المستوى المحلي والدولي من مختلف الجهات كمنظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة ومنظمات حقوق الإنسان والعديد من الدول العربية والأجنبية والكثير من الحركات والأحزاب والتجمعات الرسمية والشعبيّة والشخصيات المختلفة على مستوى العالم، كما أن التغطية الإعلامية لهاتين المجزرتين وصدور التقارير وبيانات الإدانة والاستنكار بشكل كبير وعلى مستوى واسع ساهم في إبراز فداحة هاتين المجزرتين وبالتالي تخليدهما، كما ساهم أَيْـضاً في إبراز الصورة الحقيقية الإجرامية والبشعة لدول تحالف العدوان وفضح زيف أهدافها المعلنة من شن العدوان على اليمن، لا سِـيَّـما أن قيادة تحالف العدوان العسكرية وتحت ضغط بيانات الإدانات والاستنكار الواسعة قد أقرت بارتكاب هاتين المجزرتين ووعدت بالتحقيق والمساءلة لمن قالت بأنهم قد تسببوا في ارتكابها بالخطأ بحسب مزاعم البيانات الصادرة عن المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف البربري على اليمن.
ويرى قانونيون أن محاسبةَ المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الإنسانية بحق المدنيين خلال الحروب والصراعات والانتصار للضحايا يعد من أهم المبادئ التي كفلتها الشرائع السماوية وأرستها قواعدُ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان كمبادئَ هامة وحقوق أصيلة وهدف من أهداف قيام منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة، وهذا ما أقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتّفاقيات والمعاهدات الدولية ودساتير الدول وقوانينها، وهذا أمر جيد من الناحية النظرية لكن المشكلة تكمن في إمْكَانية تحقيق هذه المبادئ، فواقع المجتمع الدولي اليوم يجعل من الصعوبة تحقيق هذه المبادئ وتطبيقها على الواقع، موضحين أن الواقع القائم يجعل من الانتصار لمظلومية الشعب اليمني بمحاسبة المجرمين والانتصار للضحايا المدنيين الأبرياء بعيدة المنال في الوقت الراهن ومن الصعب تحقيقه؛ لأَنَّ المنظومة الدولية المعنية بتعزيز وحماية حالة حقوق الإنسان وتحقيق العدالة حول العالم محكومة بقواعد وإجراءات وطرق محصورة وضعتها دول الهيمنة العالمية المتحكمة بقراراتها وفق أساليب وحدود معينة، وبالتالي فَـإنَّ إمْكَانية الوصول إلى المحاسبة والعدالة محكومة بتوجّـهات ورغبات هذه الدول المهيمنة على القرار الدولي وإجماع الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا.
والمعلوم للجميع أن أمريكا وبريطانيا تمثلان الرأس المدبر والقائد المباشر صاحب القرار في شن العدوان على اليمن ويشتركان بصور مباشرة وَغير مباشرة في ارتكاب جميع الجرائم بحق الشعب اليمني، وهو ما يعني عدم إمْكَانية الوصول إلى تحقيق العدالة والانتصار لمظلومية الشعب اليمني عبر منظومة الأمم المتحدة وعبر مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية المسؤولة عن تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين والانتصار للضحايا جراء الحروب وذلك في ظل هيمنة أمريكا وبريطانيا على قرارها والتي لا يمكن أن توافق على محاسبة نفسها”.
لكن هناك طُرُقاً ووسائلَ أُخرى يمكنُ من خلالها التوجّـُه بدعاوى محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم ذات البُعد الدولي الإنساني التي تمثل جرائمَ حرب وكذا تقديم دعاوى التعويض المالي للضحايا وذلك عبر محاكم بعض الدول الأُورُوبية التي تنص تشريعاتها على اختصاصها بنظر بعض الجرائم وفق مبدأ الوَلاية القضائية العالمية في بعض الجرائم، وَهذا الطريق رغم إمْكَانية سلوكه على المستوى النظري فهو بالواقع لا يمكن أن يتم الوصول من خلاله إلى تحقيق العدالة الكاملة؛ لأَنَّ معظم الدول التي تعمل محاكمها وفق مبدأ الولاية القضائية الدولية تتصادم مع مبدأ الحصانة الدولية الممنوحة لفئة معينة من مسؤولي الدول، وهؤلاء غالبًا بلا شك قد يكونون هم المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية أثناء الحروب، وحصانتهم الدولية هذه تمثل عائقاً أمام مبدأ الولاية القضائية الدولية لمحاكم قضاء بعض الدول.
لكن وعلى الرغم من كُـلّ هذا، لا ينبغي علينا السكوتُ ونسيانُ ما حَـلَّ بنا من مآسٍ وآلام، وفي مقدمة ذلك جريمتا سنبان والقاعة الكبرى، حتى لا تدخل الجريمتان عتمةَ النسيان!