المولدُ النبوي هُــوِيَّة وتحفيز..بقلم/ عبدالرحمن مراد
يبدو لي من خلال مشاهد الميادين والساحات التي تحتفي بالمولد أنه مع اكتمال دورة الزمن تكون اليمن قد تجاوزت مرحلة لتبدأ مرحلة جديدة، هذه المرحلة ستكون ذات تغاير وفصل، تغاير عن الماضي القريب الذي تاهت فيه اليمن، وفصل بين زمنين، زمن أمعن في الانحراف التاريخي واستغرق نفسه فيه، وزمن سوف يعمل على تصحيح الانحراف الذي حدث في سقيفة بني ساعدة، ليعيد ترتيب النسق الحضاري والثقافي والتاريخي إلى المجرى الطبيعي الذي دلت إشاراته الأولى ورموزه على تعاضده وتكامله ومن ثم واحديته، فالمشروع الإسلامي بكل قيمه ومبادئه الحضارية والإنسانية والحقوقية لم تكن قريش حاملاً حقيقيًّا له بل كانت بيئة قروية عشائرية تقوم على قيم العصبية ولذلك شكلت بيئة طاردة لهذا المشروع وكان الانتقال من القروية إلى المدنية يحمل دلالات كبيرة في الفكر الاجتماعي لم ينتبه إليه أحد، كما أن تمايز التنزيل بين المكي/القروي، والمدني/ اليثربي.. يحمل دلالات ثقافية وعقدية لم تُقرأ في سياقها الحقيقي، ومن هنا يمكن أن يُقال إن المشروع الإسلامي الذي جاء لإنقاذ البشرية من دروب الضلال إلى أنوار الهدى وحمله الرسول الأكرم محمد «صلى الله عليه وآله وسلم» كان مشروعاً مدنياً لا يمكنه التناغم إلا مع القيم الحضارية والمدنية التي كانت تمتد في حمير ومن حمير في الأوس والخزرج «الأنصار» فالتلازم بين الإسلام كمشروع يحمل الخيرية للبشرية، وبين حمير هو تلازم عضوي حدث في زمن بزوع الإسلام فأبهر العالم المحيط يومذاك، وحين حدث الانحراف من خلال التأسيس له في سقيفة بني ساعدة ومحاولة قريش استعادة دورها الاقتصادي، ومن ثم استعادة المجد والسيادة كما بدا مكتملاً –أعني مشروع قريش- في زمن الخليفة عثمان بن عفان ليبلغ أوج كماله بخروج الإمام علي بن أبي طالب من المعادلة السياسية لتبدأ مرحلة التضليل وصياغة النصوص وتعزيز عوامل الصراع الوجودي وفق منظومة نصية قيمية تماهت قريش مع اليهود فيها لتبدع واقعاً متناغما مع مشروعها وهو ما اصطلح عليه بالإسرائيليات فيما بَعدُ، ثم كانت الفرق والصراعات كما يتحدث التاريخ، في ظل غياب حقيقي للحامل الحقيقي للمشروع الإسلامي.
وأمام كُـلّ تموجات اللحظة تبدو الحاجة إلى عودة الحلقة المفقودة إلى مكانها الطبيعي في المسار من ضرورات اللحظة التاريخية الفاصلة، وتلك الحلقة تحتاج وعياً بها، لا قفزاً على حقيقتها وفق طاقات انفعالية مدمّـرة فخط قريش يعود إلى نفس مساره الثقافي والاجتماعي والسياسي التاريخي فقد تناغم مع اليهود في حركة مقاومتهم ومقارعتهم للإسلام ونتج عنه ما اصطلح الفقهاء على تسميته بالإسرائيليات وهي منظومة أحاديث مكذوبة أبدعها الخيال اليهودي وتناغم معها الاستبداد السياسي السفياني والأموي وما زال هذا المسار حتى يومنا الذي نشهد فيه التطبيع.
ما يميز الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام هو الوعي بضرورات الإصلاح، فالإصلاح نسق فكري ثقافي حضاري تقدم عليه الأمم لإنجازه بخطاب وتقنيات ومعطيات قادرة على التفاعل مع الواقع لا القفز على شروطه الموضوعية وقادرة على فرض طابعها الخاص الذي تتسم به المرحلة أَو يتسم به المستوى الحضاري الحديث.
وما يحدث اليوم في عموم الجغرافيا اليمنية هو عملية ثقافية تحفيزية تهدف على إكساب المجتمع هُــوِيَّة إيمَـانية مضافة وهي تعتمد اعتماداً متزايداً على مختلف الجماعات؛ بهَدفِ الوصول للوحدة المشتركة أَو الإحساس بها في ظل ما يتعرض له الإسلام من هجوم ومن تشويه متعمد ويحمل شلال الإيحاء المتدفق من بين حروفها مشروعاً نهضوياً كَبيراً يصنع من الفكرة الدينية مشروعاً سياسيًّا واعياً وقادراً على إحداث التحولات وتحريك عجلتها.
فالغاية هي الوصول إلى وحدة إنسانية مشتركة، ولا نستطيع ذلك إلا من خلال الفنون، وقد يشكل الاحتفال بالمولد النبوي ركيزة أَسَاسية للوصول إلى ذلك، فالمولد لا يعني تظاهرات شكلية، ولكنه يعني مساراً ونسقاً ثقافيًّا يعيد ترتيب النظام العام والطبيعي، ويعيد البناء لمواجهة العدوّ الذي يتربص بنا الدوائر وغاية مقاصده تفكيك البنى الثقافية، وفصل الأُمَّــة عن رموزها ومرجعياتها الفكرية والثقافية والإيمَـانية، حتى يسهل عليه فرض ثنائية الهيمنة والخضوع عليها، وقد فعل ذلك بالقياس إلى حركة التطبيع التي تجري مع الكثير من الأنظمة العربية اليوم في عموم الوطن العربي.