ثورةُ 21 سبتمبر.. أيقونةُ الأمن الغذائي لليمن
مسؤولون زراعيون: القيادةُ الثورية والسياسية أخرجت القطاعَ الزراعي من الظلمات إلى النور
المسيرة| محمد ناصر حتروش
اعتمدت الحضاراتُ اليمنيةُ السابقةُ على تحقيق الأمن الغذائي الذاتي؛ باعتبَاره العمودَ الفقريَّ لقيام تلك الحضارات، وخلال العقود الماضية جعلت الحكومات اليمنية الزراعة ركيزة الحياة، حَيثُ لعبت دوراً هاماً واستراتيجياً في الأحداث والتحولات السياسية؛ باعتبَار الزراعة أهم موارد الدخل الوطني للبلاد.
وتعد الزراعة أكبر الأنشطة الاقتصادية في استيعاب السكان، إذ كانت نسبة المشتغلين في القطاع الزراعي اليمني أكثر من 70 % من إجمالي القوة العاملة في البلاد.، حَيثُ كان يعيش في المناطق الريفية أكثر من 88 % من السكان.
وعلى الرغم من الاستهداف الممنهج للقطاع الزراعي طيلة العقود الماضية إلَّا أن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر مثلت نقطة الانطلاق نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير الأمن الغذائي عبر خطط واستراتيجيات هادفة لمضاعفة وتوسيع الإنتاج الزراعي وإحداث نهضة زراعية شاملة تكفل توفير احتياجات الشعب اليمني من الغذاء.
وتحوّل الاكتفاء الذاتي، إلى هدفٍ استراتيجي تصدّر البرامج الوطنية للإنعاش والتعافي الاقتصادي، التي أطلقها المجلس السياسي الأعلى للتغلب على الآثار الاقتصادية التي خلفها العدوان والحصار وبما يسهم في الحد من استيراد الحبوب والمنتجات الزراعية من الخارج.
ويؤكّـد نائب وزير الزراعة والري الدكتور رضوان الرباعي، أن التوجّـه نحو الاكتفاء الذاتي هو ثمرة من ثمار ثورة الـ21 من سبتمبر، معتبرًا إياها ثورةَ التغيير التي أحدثت نهضة زراعية شاملة.
ويوضح أن اليمن في الماضي كان يفتقد إلى القيادة والتوجّـه القيادي الجاد نحو الاكتفاء الذاتي والاهتمام بالقطاع الزراعي وحينما وجدت القيادة الثورية والسياسية الصادقة والقرآنية عزمت بكل إصرار لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأمن الغذائي، لافتاً إلى أن الاهتمامَ بالقطاع الزراعي يعد جزءًا أَسَاسيًا من اهتمامنا وواجباً دينياً وإنسانياً ووطنياً في مواجهة الأعداء ونصرة الإسلام واليوم بفضل ثورة الـ21 من سبتمبر رغم الحرب والعدوان والحصار ورغم الأضرار الكبيرة التي تعرض لها القطاع الزراعي خلال سنوات العدوان والحصار، وقد تجاوزت الخسائر المباشرة وغير المباشرة أكثرَ من 111 مليار دولار إلا أننا لم نقف مكتوفي الأيدي ولم نستسلم، بفضل موجهات وتوجيهات القيادة الثورية والسياسية، تم إطلاق الثورة الزراعية بمراحلها الثلاث”.
ويضيف أن “هناك نتائج كبيرة حقّقت زيادة في المساحات المزروعة وكميات الإنتاج وتحَرّك المجتمع نحو الثورة الزراعية فكان هو الداعم والرافد والمساند الأول في الجبهة الزراعية كما كان في الجبهة العسكرية، حَيثُ بلغت المبادرات المجتمعية أكثر من 1151مبادرة مجتمعية، وتم إنشاء أكثر من 64جمعية تعاونية زراعية، وإعادة تفعيل 145 جمعية”، منوِّهًا إلى أنه “تم إعادة تفعيل الاتّحاد التعاوني الزراعي، وإنشاء اتّحاد جمعيات منتجي الحبوب، واتّحاد جمعيات منتجي البن، وكلها من ثمار وبركة ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، والتي بفضلها تغير تفكير المجتمع وأصبح يعتمد اعتماداً كليًّا على أرضه ويزرعها”.
ويشير الرباعي إلى أن ثورة 21 سبتمبر أبطلت النظريات والتقارير والدراسات التي وضعها البنك الدولي ومنظمة ألفاو والتي كانت تروج عدم جدوائية زراعة القمح والحبوب في اليمن؛ كونها لا تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي وعدم توفر المياه، مؤكّـداً أن زراعة القمح والحبوب من الأولويات التي توليها القيادة الثورية والسياسية، حَيثُ أن اليمن بات مكتفياً ذاتياً في إنتاج بعض المحاصيل من الحبوب والبقوليات وتم إيقاف الاستيراد منها، موضحًا أن قيادة الجبهة الزراعية باتت اليوم تركز على تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح كأولوية لدى القيادة الثورية التي تسعى لتحقيق الأمن الغذائي.
ومن الأنشطة الحديثة التي أنشأتها الجبهة الزراعية يقول الرباعي إنه تم إنشاء أساليب تسويق حديثة ومواكبة كالزراعة التعاقدية، حَيثُ تم تأسيس ثماني شركات للزراعة التعاقدية، وَكُـلّ شركة متخصصة في مجالٍ خاص من المنتجات الزراعية النباتية، سواءً الحبوب أَو البقوليات والمكسرات وبعضها في الدواجن، وبعضها للأعلاف، وأُخرى للمستلزمات الزراعية، وشركة للثروة الحيوانية.
ويتطرق إلى أن فكرة الزراعة التعاقدية أثمرت في إنجاز أكثر من 60 عقداً مع الجمعيات والمنتجين الزراعيين ففي محصول الذرة الشامية تم التعاقد على 4200 طن وفي محصول الثوم تم التعاقد وشراء كمية 5000 طن وفي محصول البقوليات تم التعاقد على 1200 طن، والتمور تم الاتّفاق مع الوكلاء على شراء 2500 طن، والزبيب تم شراء 125 طناً.
ويتابع بالقول: “كذلك في الرمان والتفاح والمانجو، وقد انخفضت فاتورة الاستيراد في بعض المنتجات الزراعية بنسب متفاوتة بعضها زادت عما كنا مخطّطين له مثل الثوم نسبة 50 %، الذرة الشامية 5 %، الزبيب 70 %، الدواجن 20 %، التمور 15 %، اللوز 5 %، كُـلّ هذا الانخفاض بفضل توجيهات القيادة التي أرشدتنا إلى التحول نحو الزراعة التعاقدية وتحويل فاتورة الاستيراد لصالح المزارع اليمني، ولدينا اليوم توجّـه لربط الزراعة التعاقدية بالكثير من المشاريع مثل التمكين الزراعي وغيرها لخلق وعي مجتمعي ولحلحلة كَثير من مشكلة التسويق والذي يعتبر من أهم المشاكل”.
استهدافٌ شامل
بدوره يؤكّـد وكيل وزارة الزراعة والري لقطاع الإنتاج المهندس سمير الحناني، أن ثقافة الاستهلاك والترويج للمنتج الخارجي كانت السائدة لدى الأنظمة السابقة قبل ثورة 21 سبتمبر.
ويوضح في تصريح خاص للمسيرة، أن القطاع الزراعي عانى من الاستهداف الممنهج لتدمير القطاع ما جعله كياناً مشلولاً وعاجزاً عن تلبية احتياجات الأفراد من السلع الغذائية دون أن يحرك ساكناً من قبل الساسة والنظام في البلاد وأن الاستهداف في القطاع الزراعي كان شاملاً لجميع مفاصله، فتم استهداف الجانب المعلوماتي والتشريعي والإنتاجي وغابت عنه الأهداف حتى ضل طريقه.
ويلفت إلى أن القيادة الثورية والسياسية بعد ثورة 21 سبتمبر توجّـهت توجّـهاً صادقاً وإيمَانياً لخدمة الدين والوطن وتحقيق الحرية والاستقلال والذي لا يمكن تحقيقه إلَّا بالنهوض بالقطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي.
ويؤكّـد أن القيادة الثورية والسياسية أخرجت القطاع الزراعي من الظلمات إلى النور ويكفينا أن ثورة 21 سبتمبر خلقت لدى المجتمع ثقافة الزراعة، ثقافة الإنتاج المحلي، ثقافة وجوب امتلاكنا لقوتنا من أرضنا، معتبراً تلك الثقافة ثقافة بناء وليست ثقافة هدم وأنه من لا يتملك قوته لا يمتلك قراره السيادي.
ويضيف “هناك خطوات عملية وخطط استراتيجية تعمل عليها كُـلّ الجهات العاملة في الجبهة الزراعية والتي لا تقل شأناً عن الجبهة العسكرية فالعمل جارٍ على قدمٍ وساق للتحضير لثورة زراعية شاملة حقّقت العديد من الإنجازات في الجانب الإنتاجي والجانب المعلوماتي والجانب التشريعي وأهم من ذلك جانب الإنسان والوعي المجتمعي في فترة قصيرة وهي ما زالت تخوض هذه المعركة للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي بإذن الله”.
حكوماتٌ عميلة
وتذكر تقارير زراعية أنه في سبعينيات القرن الماضي، حرصت الجمهورية العربية اليمنية بقيادة الرئيس إبراهيم الحمدي على تطوير الزراعة؛ باعتبَارها القطاع الأَسَاسي الذي لا يتأثر كَثيراً بالتقلبات والعوامل الخارجية والدولية، كما هو عليه الحال في المصادر الاقتصادية الأُخرى كالنفط، والسياحة، وغيرها.
وتؤكّـد التقارير أن الحكومة اليمينة آنذاك قطعت شوطاً كَبيراً في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والزراعية في المدن والأرياف، حَيثُ حقّق الناتج المحلي الإجمالي معدل نمو قدره 7 % سنوياً، خلال فترة تنفيذ البرنامج الإنمائي الثلاثي من 1974 حتى 1976، في حين أنه بلغ نسبة 6 % سنوياً خلال فترة تنفيذ الخطة الخمسية الأولى من 1976 إلى 1981.
وتشير دراسة قديمة حول تقييم “تجربة اليمن في التنمية الريفية” للدكتور ناصر العولقي، المنشورة في مجلة (دراسات يمنية) العدد 11 مارس 1983، إلى أن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي كانت في الفترة 1972-1974 تتراوح بين 50 إلى 55 %، ثم انخفضت مساهمة الزراعة بالناتج المحلي الإجمالي إلى 44 % خلال الفترة 1978-1979، ثم وصلت إلى حوالي 30 % في الفترة 1980-1981، وفقاً لدراسة العولقي.
وبحسب تلك الدراسة، فقد اعتمدت الزراعة في الجمهورية العربية اليمنية في معظمها على مياه الأمطار، حَيثُ كانت الرقعة الزراعية التي تعتمد على الأمطار تبلغ حوالي 84 % من مجموع الرقعة الزراعية بالبلاد، ذلك أن المياه الجوفية والسطحية لا تكفي في ذلك الوقت إلَّا لزراعة نحو 16 % من الأرض الصالحة للزراعة.
وتلفت الدراسات الزراعية إلى أن النمط الزراعي في اليمن الشمالي خلال تلك الحقبة، يتصف بسيادة محاصيل الحبوب، حَيثُ إنتاج الحبوب مكان الصدارة سواءً من حَيثُ المساحة المزروعة أَو من حَيثُ حجم الإنتاج، حَيثُ كانت مساحة زراعة الحبوب بتلك الفترة تشغل نسبة 80 % من المساحة المزروعة في البلاد.
وتشكل الذرة الرفيعة المحصول الأَسَاسي، حَيثُ بلغ إنتاج الذرة والدخن في العام 1975-1976 حوالي 785 ألف طن، وهو ما يعادل نسبة 78 % من مجموع إنتاج الحبوب في نفس السنة، في حين بلغ إنتاج الذرة في العام 1981 حوالي 577 ألف طن، ما يعادل نسبة 75 % من مجموع إنتاج الحبوب لتلك السنة.
وبحسب مصادر زراعية فقد لعبت الدولة خلال تلك الحقبة، دوراً كَبيراً في نمو القطاع الزراعي، وأولت قطاع الزراعة اهتماماً كبيراً، وبحسب التقارير الرسمية، ارتفع إنتاج الفواكه والخضروات نتيجة الحماية والدعم والمساندة الحكومية كسياسة انتهجتها حكومة الجمهورية العربية اليمنية كأولوية، لحماية الإنتاج المحلي، حتى وصلت إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، وفق ما تشير وثائق تقارير مجلس الوزراء اليمني لعام 1975.
ووفقاً للمصادر، كانت محاصيل الحبوب الغذائية المختلفة، ومحاصيل القطن، هي أبرز السلع الزراعية التي كانت اليمن تصدرها للخارج بنسبة 63 %، وفقاً لتقرير رئاسة مجلس الوزراء، لسنة 1975.
وكانت اليمن من أهم الاقتصادات الزراعية في العالم إلى أن جاءت الحكومات العميلة بعد الحمدي، وأوصلت اليمن إلى حافة انعدام الأمن الغذائي.
وتؤكّـد تقارير اقتصادية أن الاكتفاء الذاتي تراجع بشكلٍ ملحوظ بعد اغتيال الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي، والقضاء على مشروعه الوطني النهضوي في كافة المجالات.
وتراجع الاكتفاء الذاتي مباشرة إلى 15 % م بعد اغتيال الرئيس الحمدي وصعود الخائن عفاش إلى الحكم، كما تدنت مساهمةُ الناتج الزراعي في الدخل المحلي الإجمالي إلى 13 %؛ بسَببِ فساد تلك الحكومات.
ويؤكّـد اقتصاديون أن الحكومات المتعاقبة بعد اغتيال الحمدي تعمدت تدمير القطاع الزراعي في اليمن بشكلٍ مقصود، حَيثُ شهد القطاع الزراعي بعهد تلك الحكومات كماً هائلاً من الفساد والإهمال دفعه إلى الانهيار المطلق للحد الذي أُصيب بالشلل.
ويرجع اقتصاديون أسباب انخفاض نسبة التنفيذ في استثمارات القطاع الزراعي في عهد حكومة الخائن عفاش، إلى عدة أسباب، أهمها: قلة الكوادر الفنية والإدارية، والصعوبة في الحصول على الأراضي، وقصور التمويل اللازم لبعض المشروعات.
كما تعود أسباب التدهور والتراجع التاريخي للقطاع الزراعي اليمني في الأنظمة السابقة المرتهنة للخارج إلى عدة أسباب، أهمها إهمال الدولة للقطاع الزراعي، وتراجع دعم المؤسّسات الزراعية لصغار المزارعين، وتصفية عدد من المؤسّسات الزراعية المملوكة للدولة، وتعرض غالبيتها للفساد الممنهج، وتقليص مهام بعضها مقابل تزايد الأهميّة النسبية للقطاعات الأُخرى كالتجارة والنقل والأشغال والخدمات والرياضة.
كما أن من الأسباب التي أَدَّت إلى تهاوي الأمن الغذائي تعطيل عمل المؤسّسات الزراعية الحكومية، وضعف التشريعات، وعدم وجود خطط وسياسات عامة لرفد الأنشطة الزراعية، إضافة إلى استيراد الدولة بتوجيهات أمريكية لمدخلات الزراعة الحديثة كالأسمدة، والبذور المحسنة التي تسببت في قتل الزراعة وانخفاض الإنتاج في القطاع الزراعي نفسه نتيجة الاستخدام المتباين والضعيف لذلك.