احتفالاتُ الأنصار بين الماضي والحاضر..بقلم/ زينب الحسن
لبيك يا رسول الله، تنبض بها قلوبنا، وتصدح بها ألسنتنا، وتجأر بها حناجرنا، ويلهج بها أطفالنا ورجالنا، وكبارنا وصغارنا وتتزين بها أحياؤنا، وتُسطر بها مواقفنا.
حبيبنا يا رسول الله، كم تهفو إليك أرواحنا، وتتباها بك أراضينا، وتشرق بك ليالينا، وتحتفل بك أقلامنا، وترسم لوحة الولاء بأحرف الحب، وألفاظ العشق، ومعاني الغرام، وتجدد عهد الوفاء والولاء والحب والاقتدَاء، وتسكب مشاعر الوِجد على دوحة الصمود والتفاني والإخلاص؟ يا إمام المرسلين، تناديك سيدي يا رسول الله، ها نحن في هذا اليوم، وفي هذا الموقف بالذات موقف الاحتفال والاحتفاء، والفرح والابتهاج بذكرى مولدك، نستعيد ذاكرة التاريخ لِنصل إلى ذلك اليوم، اليوم الذي أخترتنا فيه على من سوانا لنسقطه على الواقع، وذلك في حياتنا اليوم، اليوم الذي فضَّلت فيه الهِجرة إلينا دون غيرنا من بين هذا الكون الفسيح، عندما لاقيت أبشع الظُلمِ والأذى والكيدِ والقهرِ من قريشٍ لك ولدينك، وخَاصَّة بعد وفاة عمك أبوطالب الذي كان يُعتبر سور الحماية لك من جور قريش، ودرع الوقاية من جبروتها، وطغيانها، إذَا بك تترك موطنك بعد أن أصبحت فيه وحيداً غريباً، وتأوي إلينا “نعم إلينا” نحن الأنصار.
وها نحن اليمنيين اليوم في هذا الزمان زمان العزة زمان الكرامة، زمان الأنصار، قد فتحنا لك شغاف قلوبنا، وأسكناك حنايا أفئدتنا، وابتهجت بك أرواحنا، وتغنت لك ألسنتنا، وتوردت بك ضمائرنا، وردّدنا لك الأهازيج والأناشيد، وقرعنا الطبول، وأشعلنا الأنوار فرحاً بك، فرحاً بوصولك، ابتهاجاً بقدومك، واستبشاراً بذكرى مولدك ولم نحتج إلى دليل على ذلك، كما أن أسلافنا من الأنصار السابقين الأوس والخزرج الذين احتفلوا بك دون أن تعطيهم دليلاً على ذلك، ليتبعوه في حبك، لكنك امتدحت فيهم حبهم وولائهم وفرحهم وابتهاجهم وقلت لو لم أكن من المهاجرين لكنت رجلاً من الأنصار، وها نحن اليوم جميعاً نعبر عن حبنا لك، نعبر عن شغفنا بك، نُعبر عن سعادتنا بك، نُعبر عن تعظيمنا لك، نُعبر عن توقيرنا لك يا حبيب قلوبنا يا رسول الله، وها نحن اليوم في ذكرى مولدك يا نور الحياة، وبنفس الشعور والبهجة، نجدد العهد والولاء والانتماء نرفع ذكرك الذي قد رفعه الله، ونُحيي مولدك، وأنت حيٌّ فينا، نحييه لا ليحيا، فهو حيٌّ خالدٌ، لكن نحييه لتحيا به قلوبنا يا حياة القلوب.
سيدي يا رسول الله، يا حبيب قلوب المؤمنين، إننا اليوم نُحارب على حبك وإظهار التعظيم لك كما حُورب الأنصار من قبلنا على حبك ونصرتك، في زمانك ومن قريش نفسها، وها هيا تعيد الكرة، وتنصب عِدائها وتشعل حربها، لتقول لنا إن احتفالنا بك بدعة، بدعةٌ محرمة لا ترضيك فهل كان احتفال الأنصار بك، وحبهم لك، وتعظيمهم لك، وتوقيرهم لك، عندما شرفتهم في المدينة المنورة وعزفوا لك الألحان، والأهازيج، وردّدوا الأشعار، وتغنوا بطلع البدر علينا من ثنيات الوداع بدعة لا ترضى بها؟ أم أنه موقف أسعدك وسُررت به وسجدتُ لله حمداً وشكراً؟ فلماذا لا يسقطون الماضي على الحاضر ويقارنون في مشروعية الاحتفال بمولدك والاحتفال بهجرتك؟ ما لهم كيف يحكمون؟
فعهدنا يا سيدي يا رسول الله، لئن ناصبونا العِداء وحاربونا لحبنا لك، لن نستكين ولن نهون، ولن نتخلف ونحن أهل لهذه الحرب، والله مُؤيدنا، وأنت مُرشدنا، وسننتصر بك؛ لأَنَّ من أنار حبك في قلوبهم، وأشرقت بك بيوتهم، وفاضت بأنوارك منازلهم، وشوارعهم لا يهزمهم النفاق، ولا تهزهم المكائد، ولا تزلزلهم الأباطيل، يمضون على دربك أشداءٌ على الكفار، رحماءُ بينهم، أرق قلوباً، وألين أفئدة، وأولو قوةٍ، وأولو بأسٍ شديد.