رئيسُ المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام العميد علي صفرة في حوار لصحيفة “المسيرة”: عنقودياتُ العدوان وأدواته.. مشاريعُ موت طويلة المدى وبرعاية أممية
مخلفاتُ العدوان الانفجارية تلوِّثُ معظم الأراضي اليمنية وتشكل تهديدات قد تستمر سنوات عديدة
الأمم المتحدة شريكةٌ للعدوان في الجرائم التي تخلّفها المتفجرات لاستمرار في منع دخول المعدات الكاشفة
أكّـد العميد علي صفرة -رئيس المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام- أن المركز هو الوحيد الذي يعمل بتجهيزات ضعيفة من بين أكثر من ١٦٠ برنامجَ نزع ألغام حول العالم، مُشيراً إلى أن تجهيزات ومعدات نزع الألغام تعمل ضمن نطاق تحسس ضعيف فضلاً عن تعطلها عن العمل ما بين حين وآخر.
وأكّـد العميد صفرة على ضرورة الاستجابة لمطالب المركز بتوفير أجهزة نزغ الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات العدوان القاتلة ككل، وذلك للحد من استمرار جرائم القتل الغادرة التي تطال المدنيين والمارة جراء الانفجارات المتواصلة للمخلفات الانفجارية التي تركها تحالف العدوان وأدواته في مختلف المناطق اليمنية.
وجدّد العميد صفرة الدعوة للأمم المتحدة للضغط؛ مِن أجلِ إدخَال التجهيزات الضرورية حفاظاً على أرواح المواطنين الأبرياء الذين يسقطون ضحايا انفجار القنابل والألغام وحفاظاً على أرواح العاملين في نزع الألغام والذين يفقدون أرواحهم نتيجة لضعف الإمْكَانات التقنية وغياب معدات السلامة الشخصية.
وتطرق العميد صفرة إلى جملة من الإحصائيات والمواضيع ذات الصلة، تستعرضها صحيفة المسيرة في نص الحوار تالياً:
المسيرة: حوار إبراهيم العنسي
– بدايةً عميد علي.. نسمع في الغالب عن ضحايا الألغام وبشكل يكاد يكون يوميًّا.. ما حجم مخلفات الحرب مع عدوان مُستمرّ لثمان سنوات؟ وما معدل من يسقطون ضحايا لهذه المخلفات كُـلّ يوم؟
هناك اتساع في التلوث في مناطق كثيرة من قنابل عنقوديه وألغام وجميع مخلفات الحرب وازدياد لأعداد الضحايا بشكلٍ يومي وبمعدل لا يقل عن ضحية إلى ثلاث يوميًّا وأحياناً يصل خلال أقل من 24 ساعة ما بين 8-10 ضحايا.
– هل ازديادُ أعداد الضحايا ناجمٌ عن ضعف جوانب معالجة مخلفات الحرب وضعف إمْكَانيات المركز؟
هذا صحيح.. إلى جانب أنه مع تقليص المنظمات الأممية للمساعدات في مخيمات الإيواء والنزوح وتراجع الأعمال العسكرية نوعاً ما هناك عودة كبيرة للنازحين إلى مناطقهم وهذا أسهم بشكل كبير في سقوط المئات من الضحايا في صعدة والجوف والبيضاء وحجّـة والحديدة خَاصَّة.
ويتلقى المركز يوميًّا مناشدات من الموطنين والسلطات المحلية بينما لم نستطع تغطية مركز محافظة الحديدة نتيجة محدودية الموارد البشرية بحسب الأجهزة المتوفرة والتي تخرج عن الجاهزية بين الحين والآخر، وبهذا لم يستطع المركز الاستجابة في الزمان والمكان المناسب.
– من أحاديثكم في مركز نزع الألغام لديكم صعوبات في ما يتعلق بنوعيات مخلفات الحرب والعدوان.. هل تواجهون مشاكل في التعامل مع تلك الأنواع؟
المركز يتعامل مع مخلفات حرب جديدة وغير معروفة وهي أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية ورغم أنه لم نتلقذَ أية دورة منذ العام 2013 ومع ذلك اضطر المركز للتعامل معها وقدمنا شهداء وجرحى حتى اكتسبنا الخبرة اللازمة للتعامل معها.
– رغم اتساع مناطق التلوث إلَّا أن أصوات المنظمات تطالبكم بخفض قوام المركز وقواه العاملة؟
هذا صحيح فرغم اتساع التلوث وسقوط الضحايا بشكلٍ كبير وبصورةٍ يومية إلَّا أننا نتلقى من البرنامج الإنمائي مخاطبات رسمية بضرورة تقليص قوة المركز بدلاً عن التوسع في الموارد البشرية وهنا نجد التعامل بسياسة الكيل بمكيالين فيقولون إن على حكومة صنعاء التي هي محاصَرة والتي نقل البنك المركزي منها ولم تبقَ لها أية مصادر تمويل، إن عليها تقديمَ موارد مالية، بينما لا يرون أن حكومة المرتزِقة ملزَمة بمثل هذا؛ لأَنَّها حكومة حسب ما يقولون معترف بها شرعياً.
– هل صحيح أن برنامج نزع الألغام في صنعاء الوحيد في “العالم” الذي لا يملك مستلزمات وأجهزة حماية لنازعي الألغام؟
هذا صحيح.. المركز التنفيذي في صنعاء الوحيد بين 164 برنامج نزع الألغام في العالم يعمل بدون معدات الحماية وَأَيْـضاً بدون إسعافات أولية والتي من اللازم بموجب إجراءات السلامة لدى الأمم المتحدة يمنع انتقال أَو تحَرّك أية سيارة لفريق نزع الألغام ما لم تكن الإسعافات الأولية متوفرة لكن حياة نازعي الألغام التابعين للمركز لا تهم الأمم المتحدة كما يبدو.
– يعني أنكم تعملون بأجهزة أصبحت ضعيفة الحساسية للألغام والقنابل وهذا فيه كثير من المجازفة بالأرواح؟
بالفعل.. الأجهزةُ أصبحت قديمةً ومتهالكة ونسبة الحساسية والأداء فيها ضعيف جِـدًّا وهذا يعرض حياة النازعين للخطر.
وأيضا لا تعمل إلَّا لفترات محدودة تتراوح بين 60-90 دقيقة مما يؤثر على قلة ساعات العمل اليومي وعلى نسبة الإنجاز؛ بسَببِ أن الأجهزة الكاشفة قديمة جِـدًّا وهذا يقلل من كفاءتها في معدل الإنجاز اليومي.
– هل يعلم برنامج الأمم المتحدة بوضع وحالة الأجهزة وبهذه التفاصيل حول خطورة العمل بها؟
يعلمون بكل شيء ورغم متابعة ومناشدة المركز لأكثرَ من مرة للأمم المتحدة بدخول الأجهزة الكاشفة ومعدات العمل إلَّا أن هناك تجاهلاً لضرورة دخولها.
– ما الأجهزة والمعدات التي لم يسمح بدخولها؟
الأجهزة التي يحتاجها المركز والتي لم يسمح بدخولها هي نفس الأجهزة المعتمدة في مركز جنيف الدولي للأعمال المتعلقة بالألغام والمستخدمة في برامج نزع الألغام في العالم.
الأجهزة الكاشفة هي الأَسَاس والركيزة التي يُعتمد عليها في تطهير وإزالة القنابل العنقودية والألغام ليس في اليمن فحسب بل في 164 دولة هي أطراف في اتّفاقية أوتاوا والتي يوجد فيها أنشطة للأعمال المتعلقة بالألغام وحاجة المركز إليها أَسَاسية وضرورية إذَا أنه لا يمكن بدونها تنفيذ أعمال التطهير؛ كون الألغام والقنابل العنقودية مدفونة في التراب وتعتبر عدوًّا خفيًّا يتربَّصُ بالبشر والثروة الحيوانية وغيرها.
– المتعارف عليه دوليًّا أن معدات ومستلزمات نزع الألغام تندرج ضمن “المعدات الإنسانية” كيف يمنع دخول أَو توفير هذه الضروريات لكم؟
هذا ما يحصل معنا وكما أشرت فَـإنَّه وفقاً للاتّفاقيات الدولية واتّفاقية جنيف وبروتكولاتها وَأَيْـضاً اتّفاقية أوتاوا والبرتوكول الملحق بها أن معدات نزع الألغام معدات إنسانية لا يحق لأية دولة فرض قيود وعراقيل على وصولها لأية دولة وأي طرف بحاجتها.
– مقابل هذه المحدودية هناك عمل كبير قام به المركز لحل جزء من معضلة وخطورة الألغام ومخلفات الحرب على حياة الناس.. ما الذي أنجز حتى اليوم وما المساحات المتبقية؟
هناك الكثير من الأعمال تم إنجازها على مستوى المسح والتطهير والتوعية… فمنذ نهاية عام 2015 م، نفذ المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام أعمال المسح غير الفني والتطهير في 9 محافظات (صنعاء، صعدة، حجة، عمران، الجوف، الحديدة، البيضاء ومأرب، وتعز)، حَيثُ تم تحديد مشكلة الألغام من خلال ذلك المسح الذي ما زال جارياً وذلك بمساحة تقدر (1.081.931.500) متر مربع موزعة على المحافظات المذكورة كمساحة مشكوك تلوثها بالألغام والقنابل العنقودية ومخلفات الحرب، كما تم تأشير الحقول الملغومة فعلياً من تلك المساحة المشكوكة بإجمالي مساحة (2.909.796.50) متراً مربعاً.
أما أعمال التطهير، فقد تم تطهير مساحة (3.725، 157.30) متراً مربعاً من المساحة المؤشرة كحقول ملغومة وكذلك المساحات الملوثة بالقنابل العنقودية ومخلفات الحرب.
وفي جانب التوعية بمخاطر الألغام فقد تم تنفيذ أعمال توعوية في عدد 11 محافظة (صنعاء، صعدة، حجّـة، عمران، الجوف، الحديدة، البيضاء ومأرب وتعز وَإب وَذمار)، حَيثُ بلغ إجمالي المستفيدين في هذا الجانب منذ نهاية العام 2015 حتى الآن نحو 4 ملايين وَ107 آلاف مواطن من مختلف الأعمار.
– مع إنجاز هذه الأرقام ما التحديات التي تواجهكم على أرض الواقع في ظل محدودية وشحة التجهيزات؟
كما أسلفنا فهناك تحديات كثيرة، هناك القوة البشرية من نازعي الألغام وكذلك الأجهزة الكاشفة للألغام المتوفرة حَـاليًّا لا تتناسب مع حجم المشكلة المتمثلة في المساحات الشاسعة الملوثة بالألغام ومخلفات الحروب والقنابل العنقودية خَاصَّة بعد انتشار قوام المركز في مساحات جديدة ملوثة وشاسعة في محافظات مأرب والحديدة والبيضاء بالإضافة إلى المحافظات السابقة.
كذلك عدم توفر الدعم لنشاط المسح غير الفني، مما يعني عدم وضوح حجم كارثة التلوث الموجود باستثناء مسح محدود في محافظات البيضاء وصنعاء والجوف والحديدة والتي قام بها المركز بدون دعم لمشروع المسح نتيجة كثرة سقوط الضحايا هناك، والأهم نقص وسائل الحماية الشخصية ومعدات التطهير المعمول بها بموجب المعايير الدولية، علماً أن آخر توفير لها كان في عام 2009، إلى جانب عدم تأهيل الكادر الميداني في بعض التخصصات الفنية مثل التعامل مع القنابل العنقودية وقنابل الطيران.
وكذلك عدم توفر مواد ووسائل التفجير للمكتشفات من الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات الحروب، وَأَيْـضاً عدم توفر أهم الأدوية الطبية مثل بودرة التخثر وحافظات الأدوية.
– هناك تأثير بالغ للألغام والقنابل على حياة المجتمعات وعلى البيئة التي يعيش الناس فيها وهذه قد لا يلقي لها البعض بالاً.. ماذا تقولون في هذا السياق؟
الألغام ومخلفات الحرب بالتأكيد تؤثر على البيئة، إذ يؤدي انفجارها إلى تلوث التربة، والأضرار بها ويجعل منها أرضاً ميتة لا تنتج شيئاً، وانتشارها -كما أشرت- يعني حرمان المواطنين من أراضيهم ومراعيهم ومصادر المياه والتي تمس حياتهم بشكلٍ مباشر، وعدم إمْكَان فلاحة واستخدام الأراضي الزراعية دون المخاطرة بالحياة.
فالألغام والذخائر العنقودية الصغيرة تنفجر عند ملامستها، أَو الاقتراب منها أَو تناولها باليد أَو تحريكها إضافة إلى كونها حساسة للمؤثرات الخارجية مما يشكل خطرًا بالغـًا على المدنيين، كما تبقى الألغام والذخائر العنقودية نشطة حتى بعد انتهاء النزاع، وتبقى محافظة على خواصها الانفجارية لأكثر من ٨٠ عاماً مهدّدة بذلك المدنيين.
وهذه المخلفات القاتلة والذخائر التي لم تنفجر تنتشر على نطاق واسع وفي مساحات شاسعة وتتواجد عند مداخل ومخارج المباني، وقد تكون مدفونة تحت الأرض، وتلوث الأراضي الزراعية والسهول ومناطقَ الرعي وبشكل واسع.
وليس هذا فحسب فهذه المواد تحتوى على مواد خطيرة وسامة تصيب من يلمسها أَو يحاول العبث بها، محدثة أمراضاً جلدية وسرطانية، والملفت والخطير في نفس الوقت أن عدداً كبيراً من القنابل العنقودية تتميز بألوان وأشكال مغرية تثير فُضُولَ الأطفال والصغار، فيقعون بسَببِ ذلك ضحايا لها.
– ماذا عن خطورة القنابل العنقودية على العاملين في الميدان؟ هل لديكم الإمْكَانات للتعامل معها؟
تمثل هذه المخلفات مشكلة كبيرة تواجه فرق المسح والتطهير، ويجدون صعوبة بالغة في التعامل معها وذلك لأَنَّ معظمها جديدة ولأول مرة يتم استخدامها، إضافةً إلى كونها خطيرة جِـدًّا وحساسة للمؤثرات الخارجية.
ولا يوجد لها معايير دولية آمنة لتطهيرها أَو التعامل معها بفاعلية، ويتطلب مِن أجلِ تصفيتها والتخلص منها استخدام أجهزة ومعدات حديثة ومتطورة بالإضافة إلى تنفيذ إجراءات عمل خَاصَّة.
وبالنسبة للإمْكَانيات المتوفرة المستخدمة أثناء التعامل معها فَـإنَّ ما يمتلكه المركز التنفيذي من كوادر بشرية وأجهزة ومعدات كشف وتطهير تعتبر محدودة وبسيطة جِـدًّا، مقارنةً بحجم الكارثة الإنسانية الكبير.. واتساع نطاق المناطق الملوثة وارتفاع معدلات الضحايا.
ومن أجل احتواء المشكلة الإنسانية القائمة والتعامل معها بفاعلية من الضروري العمل على توفير كُـلّ المعدات وأجهزة الكشف والتطهير اللازمة لتطهير وتصفية المناطق الملوثة بمختلف أنواع مخلفات الحروب وعلى رأسها الأسلحة المحرمة دوليًّا والتي تعتبر من أقذر وأبشع الأسلحة المستخدمة في تاريخ الحروب وأشدها دموية وأكثرها خطورة والتي يمتد أثرها لعشرات السنيين.
– مَـا هِي الآثار السلبية المختلفة للألغام والقنابل العنقودية بشكلٍ عام؟
الخطر الذي تشكله الألغام والقنابل العنقودية ومخلفات الحروب يتجاوز بكثير خطر قتل الآلاف من الأشخاص، وبتر أوصالهم، وإيذائهم.
فانعكاسات تلك الأسلحة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي تكون موجعة وفادحة، وتستمر مخاطرها وتهديداتها المختلفة لعشرات السنيين، ويترتب على استخدام وانتشار هذه المخلفات آثار اقتصادية كبيرة وأضرار طويلة الأمد، واسعة النطاق وشديدة التأثير على الفرد والمجتمع ولا يمكن أن تكون هناك تنميةٌ اقتصادية واجتماعية بدون إزالتها وتصفية الأراضي الملوثة بها.
ومع انتشارها الواسع تتسبب في حرمان الآلاف من الأسر النازحة من العودة إلى مناطقهم خَاصَّة بعد إيقاف معظم المنظمات لدعم النازحين في مراكز الإيواء كما تسهم بشكلٍ كبير في إغلاق الطرقات وحرمان الأطفال من المدارس وإعاقة سير تنفيذ العملية التعليمية، إضافةً إلى حرمان الآلاف من الأسر من مصادر كسب العيش كاستغلال الأراضي الزراعية ورعي الأغنام وتربية الحيوانات وجلب الحطب واستخدام الطرق والحرمان من الوصول إلى عيون المياه.
وهذا الانتشار للكم الهائل من الألغام ومخلفات الحرب وسكوت المنظمات عن تأثيراتها القاتلة تقود إلى انتشار الأوبئة والأمراض وزيادة المشاكل الصحية والبيئة المختلفة نتيجة تسمم مصادر المياه من الآبار والسواقي وتلويث التربة والتقليل من خصوبتها وإنتاجيتها وبالتالي عدم صلاحيتها للزراعة وهذا ما يريده العدوان.