عُـــرْسُ الأعراس..بقلم/ صالح مقبل فارع
في تسعينيات القرن الماضي صدر قانون الزكاة لعام 99م، ولكن السلطة المحلية في عام 2000م أصدرت قانونًا ألغى قانون الزكاة السابق، وضمت الزكاة إلى المجالس المحلية إيراد محلي ومشترك.
فضاعت الزكاة وغُيِّب دورها تماماً وضاع دورها في تنمية المجتمع وبناء الاقتصاد ورفد الجبهات ومواساة الفقير والمسكين والمكلوم واليتيم وكل المصارف الثمانية.
كان تغييب الزكاة عن القيام بدورها مخطّط بخطة ممنهجة من قِبل الغرب والمهيمنين على اليمن سابقًا؛ مخطّط ضمن خطة استراتيجية كبرى تهدف إلى تضييع الإسلام وأحكامه وحتى ألفاظه من اليمن والدول العربية عُمُـومًا، مثل الزكاة تم استبدالها بالواجبات، والجهاد تم استبداله بكلمة أُخرى، والمجاهد تم استبداله بالمناضل، فضُيِّعَت الزكاة اسماً وصفة ومصرفًا وضيِّع دورها في مواساة الفقراء والمساكين وتنمية المجتمع، واستمرت السلطة على هَذَا المنوال حتى عام 2014م، وبالأخص حتى ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر المجيدة التي قامت ضد الوصاية والهيمنة الخارجية على اليمن ودعت إلى الحرية والاستقلال بقيادة قائد الثورة السيد المجاهد/ عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله.
فدعا في إحدى خطاباته إلى تنفيذ 12 نقطة، وَكَانَ من ضمنها تفعيل دور الزكاة وجعلها في وعاء واحد.
وفي عام 2018م تم إنشاء الهيئة العامة للزكاة، فبدأت الزكوات تتجمع، وبدأت الهيئة تصرف تلك الأموال في مصارفها المخصصة لها، تارة بطريقة فردية، وتارة بطريقة جماعية، وتارة بواسطة إنشاء مشاريع، وكلما زادت أموال الزكاة زادت مشاريعها في الاهتمام بالطبقة الكادحة في اليمن، فلمس المجتمع أثرها، وحسوا بقيمتها.
وَكَانَ العرس الجماعي الذي تقيمه هيئة الزكاة أحد مشاريعها التي تنفذه بشكل روتيني، ولكن في كُـلّ عام يزداد العدد حتى وصل العدد هَذَا العام إلى 10044، عشرة آلاف وأربعة وأربعين عريسًا وعروسًا.
العرس الجماعي هو عرس يتشكل من كُـلّ مصارف الزكاة، من الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، من كُـلّ المصارف.
ويهدف لشيئين اثنين هما: الأول: إعانة القادرين على الزواج على الزواج بدفع جزء كبير من تكاليف العرس، وخَاصَّة الأشخاص والشباب الذين وصلوا إلى عمر الأربعين والخمسين ولم يستطيعوا أن يجمعوا تكاليف العرس من مهر وكسوة وغيرها، تقوم الهيئة بإعطائهم الأولوية ومساعدتهم ماديًّا ليستطيعوا إكمال دينهم بالزواج وتحصين أنفسهم.
الثاني: تحصين المجتمع ضد الحرب الناعمة التي تشنها دول العدوان على اليمن بشتى أنواع الحروب، فدول العدوان تريد إفساد الشباب والشابات أخلاقيًّا وروحيًّا وانحلالهم عن طريق استقطابهم عبر المنظمات والاختلاط وعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيل ميديا والقنوات الخليعة التي تستهدف المجتمع اليمني بالذات عن طريق تخديره بأقوال فضفاضة وتحفيزه عن طريق المال والإغراء حتى يقع في المصيدة؛ فقامت الدولة اليمنية ممثلة في الهيئة العامة للزكاة بعمل فعل مضاد لهذه الحرب الناعمة بتحصين الشباب وتزويجهم واستقطابهم قبل أن يخرجوا من طور إيمانهم إلى طور الشيطان. وهذه إحدى الوسائل الناجحة التي تقوم بها الدولة لمواجهة الحرب الناعمة، وهناك وسائل أُخرى تستخدمها أَيْـضاً للحذر من الحرب الناعمة وعدم الوقوع في مستنقعها كالترشيد إلى الهوية الإيمانية والالتزام بالأخلاق اليمنية الأصيلة التي كان عليها آباؤنا وأجدادنا ودعانا إليها وأوصى بها الإسلام.
وهذا العرس الجماعي يعتبر منجزًا كَبيراً في ظل الحرب والعدوان والحصار وانقطاع المرتبات والغلاء الفاحش، فجاءت الهيئة بهذا المشروع كي تنعش الإنسان اليمني وتفرح معه بعد قنوط ويأس من الحياة، ويعتبر أَيْـضاً جبهة كبرى الجبهات الاجتماعية والأخلاقية.
وكَثيراً ما نجد المتشككين والذباب الإلكتروني يحاولون تشويه الزكاة بهذا المنجز، ويقولون بأن الفقير أولى من الزواج ولحق بهم ثلة من السطحيين الذين لا يفقهون شيئاً من الدين وينجرون وراءهم ووراء شُبههم وإشاعاتهم التي يثيرون بها بلبلة في الوسط اليمني، ولكنهم لا يعلمون أن الهيئة لم تزوج إلا الفقير والمعدم والمسكين واليتيم والعاجز والجريح والمجاهد والغريب وابن السبيل، أي أنها لم تخرجها من مصارفها الثمانية، فكم من عاجز بلغ السِّتِّيْنَ وهو يحلم بأن يكون له بيت وأسرة وزوجة ولكن ظروف الحياة وقساوة الوضع أعجزه عن تحقيق أمنيته فجاءت الهيئة فحقّقت له أمنيته وضمّته أخيرًا مع حبيبته ورفيقة عمره.
وكم وجدنا الفرحة والبهجة في وجوه العرسان من شتى أنواع اليمن، ففرحهم يحكي عنهم بأن في وضع لا يُصدقون هل هم في حلم أم حقيقة! ولكن الحقيقة تقال بأنهم في حقيقة. فهذا العرس أفرح الجميع، ومثّل صاروخًا نفسيا ومعنويا أصاب قلب العدوان الأمريكي الصهيوني العالمي وأدواته في مقتل.
في حين السعوديّة ودول البعران سعت في الانفتاح والسماح بالملاهي ودور السينما وإقامة الحفلات الصاخبة في بلاد الحرمين التي تؤدي إلى الانحلال والتفسخ والسعي وراء الغرب في نشر الدعارة، يقوم اليمن بتحصين أبنائه بالزواج الجماعي بالآلاف، وهنا فرق بين البلدين وبين ما يقومان به من الثرى إلى الثريا.