بين وعدِ بلفور وقمَّةِ الجزائر..بقلم/ صالح مقبل فارع
في 2 نوفمبر 1917م، أي: قبل 105 من الأعوام حصل اجتماعٌ في لندن البريطانية.. بين بلفور وزير خارجية بريطانيا وأشخاص يهود، خرج الاجتماعُ وتمخَّضَ بإصدار بلفور وعدًا بإعطاء فلسطينَ العربية هديةً لليهود يعيشون فيها ويقيمون فيها ويؤسِّسون فيها “دولتهم”.. فتحقّق وعدُه، للأسف الشديد..
ونفس اليوم 2 نوفمبر 2022م العربُ يجتمعون في الجزائر.. أتحداهم يصدرون قراراً يدعمُ فلسطين بطلقةٍ واحدة، أما أن يعدوهم باستعادة أراضيهم المحتلّة وإقامة دولتهم في أرضهم المغتصبة فهذا من سابعِ المستحيلات.
والعجيبُ أن ذاك وزير خارجية.. وهؤلاء رؤساءُ وملوكُ وأمراء.. فمناصبُهم أعلى من منصبه، ولكنه قرّر وهم لم يستطيعوا أن يقرّروا..
اجتماعُه أفاد واجتماعُهم كافتراقهم..
لكن هؤلاء؛ لأَنَّ قرارَهم غيرُ مستقل ولا بأيديهم، ونواصيهم مِلك غيرهم فهم لا يستطيعون أن يفعلوا لفلسطينَ شيئاً إلا التضامن والتعاطف قلبيًّا فقط دون أن تشعُرَ جوارحُهم بما يدورُ في قلوبهم، أما بلفور فقد قال وفعل، ووعد فأنجز؛ لأَنَّ قرارَه مستقلٌّ وحر، ولو أن منصبَه صغير.
والمفارقةُ الغريبةُ أن بلفور أصدر قرارَه ذاك الزمان والعربُ لا زالوا قوةً مُهابةً ومتحدين ومتضامنين ملوكًا وحكاماً وشعوباً.
أمَّا اليوم بعد تشرذم العربُ وضرَبَ بعضُهم بأسَ بعض، فلا يحتاجُ الغربُ لتكليف وزير خارجية بعملِ شيء، بل يكفي أن يكلفوا أصغرَ سفير عندهم أَو أصغرَ ضابط في جيشهم بالوعد بإعطاءِ قطعة أرض عربية لشعبٍ ما لأعطاها ولتحقّق وعده.
أرأيتم الفرق؟! كيف كنا وكيف أصبحنا؟!
العالَمُ يطلعُ في العلالي، والعرب ينحدرون إلى الأسفل.
العالَمُ يصولُ ويجولُ في السماء بطائراته وترسانته العسكرية، والعربي يصبحُ الصباحَ وهو مهمومٌ كيف يلقى رغيفَ خبز يسد به جوعَه وجوعَ أولاده.
العالَمُ يتكاتفُ ويتحد ويتضامنُ ويدعم بعضُه بعضاً، ويلغي الفيز والجوازاتِ ويسمحُ لشعوبهم بالسفر والتنقل بين الدول ببطاقة شخصية، والعربُ يقتُلُ بعضُهم بعضاً وينحر بعضُهم بعضاً، ويحاصرُ بعضهم بعضًا، ويحرمُ بعضُهم البعضَ من المرتبات، ويقنّنون على العربي شروطاً تعجيزيةً لعبور الحدود.
فلذلك ضاعت فلسطينُ وضاع الأقصى، ودمّـرت اليمن، ونُهبت العراق، وقُسمت ليبيا، وانهارت سوريا، وتَهوَّدت السعوديّة، ولحقتها البحرين، وتنصَّرت الأردن ولحقتها المغرب وموريتانيا، ونسيت مصر القوميةَ العربية وانبطح تاريخُها العريقُ تحت أقدام يهودي حقير لا يمثلُ في التاريخ شيئاً، وأصبحت قاهرةُ المعز أُلعوبةً بيد أصغرِ ضابط إسرائيلي يأمُرُها بإغلاقِ معبر رفح متى شاء ويفتحُها متى أَذِنَ!