الديكتاتوريةُ الأمريكية..بقلم/ د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
شهدت أمريكا مؤخّراً انتخاباتٍ لمجلس النواب ومجلس الشيوخ وحكام الولايات، وكَثيرٌ ممن يعتبرون أمريكا راعيةً للديمقراطية يتابعون هذه الانتخابات باهتمام كبير، ولكن في السنوات الأخيرة بدأ هذا المفهومُ يهتزُّ في عقول الناس؛ لأَنَّه من خلال متابعة الانتخابات الأمريكية نلاحظ أن المنافسةَ تقتصرُ على حزبين فقط الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، ولم نسمع عن حزبٍ جديد أَو مرشح مستقل تمكّن من النجاح في الانتخابات الرئاسية أَو التشريعية، فقد كيّفت السلطاتُ الأمريكية الناخبين على الاكتفاء بالتصويت لمرشحين من الحزبين فقط، وأصبح التبادل بين الحزبين هو السائد.
أرى أن هذه ديكتاتورية واضحة لا تسمح بالظهور لأية رؤى أَو أفكار من خارج ما يؤمنُ به أعضاءُ الحزبين الحاكمين، وعندما نجدُ شخصاً مثل بايدن يتنقل بين المناصب في أمريكا لمدة ما يقارب من أربعين سنة يؤكّـد احتكارَ السلطة بين أوساط نخب معينة.
ونتيجة لتلك الديكتاتورية المفرطة التي لا تسمح للأفكار الجديدة بالظهور، بدأنا نشاهد في الساحة الأمريكية حوادث غريبة يمكن استيعابُها ومعالجتُها إذَا كانت هناك ديمقراطية صحيحة، مثل المواجهات العُنصرية بين السود والبيض، والحوادث المتعلقة بالمهاجرين وحوادث القتل شبه اليومي التي تُرتكَبُ لأسباب غير معروفة، فدوائرُ القرار السرية في الحزبين واللوبيات المختلفة هي التي تستفيد من بقاءِ الوضع كما هو، وهي من لا ترغب بوجود شركاءَ يمكن أن يشاركوْها في الفوائد أَو في القرار سواءٌ أكانوا أفراداً أَو أحزاباً، وبذلك تكرِّسُ ديكتاتوريتها.
كما نلاحِظُ أَيْـضاً أن الهدفَ من إجراء الانتخابات كُـلَّ سنتين هو إشغالُ الشعب الأمريكي بما يجري ومنحُهم الأملَ في تغيير السياسات التي قد لا يوافقون عليها، ولكن في الواقع أن الأمورَ تسيرُ قبل الانتخابات وبعدها بالطريقة التي ترضَى عنها النُّخَبُ الأمريكية وليس الشعب.
فمن غير الطبيعي أن تتمكّنَ أمريكا من إدارة العالم والدولة تدخُلُ في انتخابات كُـلّ سنتين، وإدارةُ العالم تحتاجُ إلى استقرار في القيادة؛ لأَنَّها لا تستطيعُ أن تستقرَّ خلال تلك الفترة القصيرة إلا إذَا كان من يدير العالم قيادةٌ غيرُ مرئية تسيطرُ على القرار وتحافظُ على استمرار السياسات الأمريكية خَاصَّة الخارجية.
وهذا يُعتبَرُ مخالفةً صريحةً لقواعد الديمقراطية، وهنا نؤكّـدُ أن أمريكا لا يمكنُ لها أن تفرضَ ديمقراطيتها على الشعوب الأُخرى؛ لأَنَّ فاقدَ الشيء لا يعطيه.