مدوَّنةُ السلوك الوظيفي.. علاجٌ جذريٌّ لداء مزمن..بقلم/ عبد الكريم الوشلي
يعجبُ المرءُ أشدَّ العجب من أصوات ترفع العقيرة بالصراخ، ليلاً ونهاراً، والتنديد بـ”الفساد”، وتصرخ -في الوقت ذاته- بوجه أية خطوة جادة لمقارعته!
ولا تكف عن ذرف الدموع على الشعب الموجوع من قصور وشلل أداء مؤسّسات ومرافق الدولة المعنية بخدمته.. ثم يتمترسون في خنادق التهجم البالغ الشراسة على أية إجراءات أَو تدابير لمعالجة هذه الأوضاع المزرية..!
الواضح أن أصحاب هذه الأصوات والمواقف الفاقدة للمنطق والمعقولية والرشد والإنصاف، إما أنهم قد “بُرمجوا” على هذه المواقف “الآلية”!، فلا يملكون أية قدرة على التصرف خارج إطارها.. أَو أنهم متسرعون لا يكلفون أنفسهم قراءة المواضيع والقضايا التي يخوضون ضدها معاركهم الدونكيشوتية..!
صحيح أن ضيق الحال وانقطاع المرتبات على مدى ٨ سنوات قد أفقد اليمنيين، وفي طليعتهم الموظفون، كُـلّ قدرة على التنفس الطبيعي.. وصحيح أَيْـضاً أن دودة الفساد القاتلة ما زالت تنخر في جسد الدولة ومؤسّساتها والمجتمع عُمُـومًا، رغم محدودية الإمْكَانات والموارد الناتجة عن العدوان والحصار، وهذا ما يضاعف من جسامة وبشاعة كُـلّ جرم يُرتكب في إطار الموجة الفاسدة التي تعربد في واقعنا..
وصحيح كذلك أن التعاطي الجاد والمسئول تجاه هذا الواقع المأساوي يجب أن يشكل أولوية قصوى لدى أجهزة الدولة المعنية، بما يفضي إلى التعجيل بحل مشكل المرتبات وإعتاق الشعب المُعاني من براثن الفساد والإفساد والقصور بل الفشل المعيب في الكثير من جوانب ومفاصل الأداء الإداري والمؤسّسي..
كلّ هذا صحيح.. ولا أحد ينكره أَو يتجاهله سوى الجَهول أَو المنفصل عن الواقع، لكن الصحيح، في المقابل وبكل تأكيد وإنصاف، أن من الإجحاف بل الجنون، الوقوف الهجومي المضاد لكل توجّـه من شأنه التصدي لهذا الواقع المزري بالمعالجات الممكنة، خُصُوصاً تلك التي تتسم بالإخلاص والمصداقية والنقاوة الواضحة في مقاصدها البناءة والشريفة وعمق النظرة المتجهة نحو الجذور والأسس الضميرية والقيمية والمبدئية، في تلمس الحلول والمعالجات.. وهذا بالضبط شأن (مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل في وحدات الخدمة العامة)..
هذه الوثيقة الترشيدية للسلوك الإداري والوظيفي، بطابعها المهني التربوي التنويري الإيمَــاني المتكامل، يمكن القول إنها بمثابة ماء طهور لتطهير الدولة ومجتمعها الإداري المؤسّسي، بل المجتمع في عمومه –لو طبقت كما ينبغي- من أدران الفساد والترهل والعبث الجائر بأموال ومقدرات الشعب، ووقف التآكل القيمي والأخلاقي المريع الذي أصاب الوظيفة العامة، مفهوماً وممارسة، وتفشى في كُـلّ جوانب الحياة على مدى ستين عاماً، باستثناء فترة الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي القصيرة نسبياً!
بل قد يمكن الجزم بأن إنجاز هذه المدونة وتدشين تطبيقها والعمل بها من قبل الرئيس مهدي المشاط، وكبار مسئولي الدولة.. يمثل الخطوة الحقيقية الأولى نحو الدولة القوية الرشيدة العادلة، التي بشر بها الرئيس الشهيد صالح الصماد، وحدّد سحنتها المضيئة بتعريفه الموجز: “دولة للشعب.. وليس شعب للدولة”..
لعل أول ما يلفت في هذه الوثيقة المهمة (المدونة)، هو شمولها وعمق منظورها ورؤيتها ذات المرجعية القرآنية الإسلامية الأصيلة، فضلاً عن مهنيتها الثاقبة، بما يجعلها تقويماً مأمولاً لاعوجاج مزمن متعدد الأبعاد واسع الانتشار والآثار، ساد الممارسة الإدارية الوظيفية على مدى عقود.. وهو اعوجاج مصدرُه -بلا شك- اعوجاج مؤسِّسٌ آخر في نفوس وضمائر المزاولين للإدارة والوظيفة العامة، بتلك الكيفية المنحرفة، والتي جسدتها الاختلالات ومظاهر الفساد المستشري، مالياً وإدارياً، طيلة ما مضى..
إنها إذن علاج ناجع يبدأ مفعولُه من النفوس والضمائر، ليعم -إثر ذلك- كُـلّ جوانب الأداء الإداري المؤسّسي للدولة، بل كُـلّ مفاصل وأرجاء الواقع الحياتي للبلد والمجتمع عُمُـومًا بإذن الله تعالى..
ولا مبرّر لهذا السعار الهجومي التشهيري التشويهي الذي تتعرض له، متجاهلاً كونها وثيقة أخلاقية سلوكية علمية مهنية.. في مجال الوظيفة العامة وإدارة مؤسّسات الدولة.. تتسم بهذا الرقي والنجاعة..، وتطبيقُها الذي نوّه بأهميته الرئيس المشاط بقوله في فعالية التدشين: “الأهم من إنجاز هذه المدونة هو تطبيقها من قبل الجميع..”، هذا التطبيق سيكون إيذاناً بميلاد دولة خالية من الفساد.. تتمتع بأتم المواصفات التي تتطلع إليها الأمم والشعوب..
الخلاصة أن الذين يعارضون المدونة يقفون في صف أعداء اليمن.. دون أن يدروا، وربما بدراية خُصُوصاً بالنسبة إلى “بعض” المتخندقين في هذا الخندق السيء.. وهؤلاء للأسف، لا يفرقون بين الجرة واللبن في مواقفهم الموتورة، ولا يهمهم خسارة الصوف والخروف معاً..! بل قد يكونون متعمدين للسير في هذا الاتّجاه الخاطئ، خدمةً-بدوافع أنانية ومَرَضية- لأعداء هذا الشعب.. وفي طليعتهم الأمريكي والبريطاني والصهيوني، ومن يلف لفهم من عرب الخيانة والتطبيع، وبقية أدوات السوء من قوى النفاق والارتزاق.