الشهيدُ أبو أحمد هلال القاضي.. نبراسُ البطولة في الجبهات
مثّل النموذج القرآني لجندي الله في الولاء والتسليم والرجولة والإيمَـان
المسيرة | أيمن قائد
تظلُّ قِصَصُ الشهداء الذين انطلقوا مخلصين للدفاع عن العرض والوطن خالدة في الأذهان ولا يمكن نسيانها مهما مرت السنين أَو هدأت الأحداث.
ومع كُـلّ قصة شهيد تشد الأذهان والمسامع إلى تلك المواقف البطولية التي سطرها أُولئك العظماء في ميادين العزة والكرامة، عندما ازداد الظلم وسقطت دماء الأبرياء وقصفت الأحياء وتقطعت أجساد الأطفال وهدمت المنازل على رؤوس ساكنيها، حَيثُ لم يهدأ الأبطال وهم يشاهدون كُـلّ ذلك بدون أي ذنب، فانطلقوا إلى ميادين التدريب والإعداد ومن ثم انطلقوا إلى ميادين تلقين العدوّ المعتدي الدروس القاسية.
ومن أبرز الخالدين الذين بذلوا أرواحَهم رخيصةً في سبيل الدفاع عن الوطن وكرامته تأتي حكاية الشهيد النقيب أبو أحمد القاضي، واسمه هلال يحيى علي القاضي واسمه الجهادي أبو أحمد وهو من أبناء ضلاع همدان محافظة صنعاء، متزوج ولديه اثنان أولاد، ومستواه العلمي جامعي.
لقد كان الشهيد هلال القاضي على درجةٍ عالية من الخوف من الله سبحانه وتعالى لدرجة أنه لم يعد يخشى أحداً سوى الله عز وجل، ولم يكن يبالي أبداً بسطوة الظالمين والجائرين والمستكبرين ولا بجبروتهم ولا بطغيانهم، وكانت شجاعته مصبوغة بالرحمة والرأفة.. شجاعةً يترافق معها الإنصات والهدوء والحكمة ورباطة الجأش، شجاعةً خالية من العنف والقسوة التي عادةً ما تصاحب الشجاع، شجاعةً لم تكن تُعرف إلا في الموقف الذي تتطلب فيه الشجاعة، وامتاز بالمسارعة والمبادرة وهذه من السمات التي تجلت فيه بشكلٍ كبير منذ أن انطلق في المسيرة القرآنية.
وكان من صفات الشهيد هلال أنه كثير الاهتمام والبحث عن الحق، وكان همه الأكبر كيف يقنع الناس ويرشدهم إلى طريق الحق وبالأخص من كان مصاحباً لهم، وكان يتأثر بهدى الله بشكلٍ عجيب وبتفاعلٍ كبير مما يجعله يغير في سلوكه مع كُـلّ هدي يسمعه، مستشعراً للرقابة الإلهية في أن يكون مقصراً مع الله ويمتلكه شعور التقصير، وهذا ما جعله يحرص على سلامة دينه، وكان إذَا سمع هدياً من هدى الله من الوعاظ كان يتأثر بشدة، ويرى نفسه هل أصبح في التزامه بما ينطبق مع معايير هدى الله وَإذَا به يلوم نفسه بأنه ما زال مقصراً، وكذلك كان يتمنى لو أن كُـلّ الناس سمعوا تلك الموعظة أَو أن باستطاعته توصيلها للمجتمع من حوله؛ لأَنَّه كان يظن في قرارة نفسه أنها ستؤثر فيهم كما تأثر بها وترشدهم نحو الحق وأهله.
كما أن سمة الإيثار كانت بارزةً فيه مما أسهمت في تدرجه في سلم الكمال الإيمَـاني والإنساني، مثّل النموذج القرآني لجندي الله في الولاء والتسليم والرجولة والإيمَـان، وحمل قيم الشهامة والشجاعة والصدق والإخلاص وكذا اتسم بطهارة القلب وسمو الروح، مع بشاشة صدره لكل الناس ممن حوله، أَو بمعنى أوضح جسد الحب في الله والبغض في الله بمشاعرٍ حية ورحمةٍ بالناس.
كما كان الشهيد مثالاً في الأخلاق والكرم والإخلاص الوفاء.
انضمامُه للمسيرة القرآنية
انضم الشهيد أبو أحمد في العام 2008م وكان كتلةٍ من الحماس الثوري الجهادي، يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم، فقد انطبقت عليه الآية الكريمة (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).
كان له الدور البارز في إنشاء ملتقى همدان قبل التصعيد الثوري، هذا الملتقى الذي جسد من خلاله الإحسان للمستضعفين والاهتمام بهموم الناس، حَيثُ كانت روحية الإحسان مترسخة فيه.
ومع بدء العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن كان الشهيد هلال في خارج البلاد في “مصر” وكان له بصمة في الاهتمام بالعالقين، حَيثُ وقد أجرى الله على يديه لهم الخيرَ المتمثل في توفير مبالغ مالية ومواساتهم.
كان الشهيد هلال القاضي يلتقي بالأسرى الذين انخدعوا لقتال أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، وكان يحمل لهم الرحمة وحرصه الشديد على إخراجهم من الظلمات إلى النور، وكان يؤاثر على نفسه ليكرمهم به حتى من أي شيء يمتلكه، فقد ترك انطباعاً جيِّدًا في نفوس الأسرى بما منحه الله من هباتٍ ربانية عديدة.
شهادة أصدقائه ورفاق دربه:
عندما كان يتحَرّك في سبيل لله كمؤمن صدق مع الله، صدق في انتمائه مع الدين، وفي انتمائه إلى القرآن الكريم، وفي استجابته لله سبحانه وتعالى، صدق في الموقف، وعندما كان يتحَرّك بهذه الروحية المسؤولية ويبقى ثابتاً على مبدئه وموقفه، وثابتاً على عطائه وبذله، ولا يتغير ولا يختلف ولا يبدل، قال تعالى: (وما بدلوا تبديلاً).
وكان يعمل على الحفاظ على قيم هذا الدين وأخلاق هذا الدين، وكان يتحَرّك أَيْـضاً بمكارم الأخلاق، وبنفْس زكية وروحية عالية.
ويقول الأُستاذ طلال الغادر عن الشهيد هلال القاضي: “لن تستطيع الأحرف أن تعبر عن هذا الهامة والنموذج القرآني فقد كان الشهيد هلال هلالاً بكل ما تعنيه الكلمة وهكذا وصفه المفتي العلامة السيد شمس الدين شرف الدين”.
ويضيف الغادر: “تعمقت معرفتي به أثناء تأسيس ملتقى شباب ضلاع همدان قبل التصعيد الثوري وكان شديد التأثر بالهدى أثناء الدروس والمحاضرات وكان دوره بارزاً في إنجاز مهام الملتقى من الإحسان للمستضعفين ومن الاهتمام بهموم الناس، روحية الإحسان مترسخةً فيه حتى عندما بدأ العدوان وهو في مصر كان له بصمه بالاهتمام بالعالقين، وقد أجرى الله على يديه لهم الخير من توفير لهم مبالغ مالية ومواساتهم، وكان الإيثار سمةً بارزةً فيه راسخةً في أعماقه مما أسهمت في تدرجه في سلم الكمال الإيمَـاني والإنساني فكان النموذج القرآني لجندي الله ولاءً وتسليماً ورجولة وإيمَـاناً وقيماً وشهامة وشجاعة وصدقاً وإخلاصاً وطهارة قلب وسمو روح وعبودية لله وبشاشة صدر للقاصي والداني وحباً في الله وبغضاً في الله مشاعر حية ورحمة بالناس”.
ويواصل: “كان الشهيد أبو أحمد في المناطق الوسطى يلتقي بالأسرى وهو يحمل الرحمة بهم بكل ما تعني الكلمة بحرصه الشديد على إخراجهم من الظلمات إلى النور وكان يؤثر على نفسه ليكرمهم حتى من قاته ويحرم نفسه فترك انطباعاً جيِّدًا في نفوسهم، وقد منحه الله هبات ربانية عديدة من تأثيرٍ عجيب في نفوس الناس ومحبة الناس له، كُـلّ من عرفه يعرف ذلك ومن عطايا الله له تقييمه للنفسيات والواقع بل وتقديمه للمعالجات المطلوبة للنفوس وَأَيْـضاً تقديمه للحلول والرؤى المطلوبة للوضعيات المختلفة في العمليات القتالية وفق المنهجية القرآنية، ولم تقتصر هذه الهبة على الجانب العسكري فحسب، بل كان يقدم الرؤى والحلول للجانب الاجتماعي والأمني والرسمي وللحشد والتعبئة والكل في كُـلّ مجال ممن عرفه يشهد له، وليس غريباً كُـلّ هذا فهذا هو عطاء رباني لمن بذل روحه في سبيل الله بل نستطيع أن نقدم هذا النموذج شاهداً وحجّـةً بعظمة هدى الله وما يصنعه هدى الله في نفوس من يحملونه ويعملون به وهذه العطية الربانية قل ما تجدها إلا في هذا الميدان وللمخلص من عباد الله وقد فاز بها هلال ليكون شهيداً شاهداً على عظمة دين الله وما يصنعه دين الله ليدعونا بأن هكذا هو الجهاد وهكذا هي المسيرة القرآنية وهكذا هم جُنْدُ الله.
ويستذكر طلال الغادر ذكرياته مع الشهيد هلال قائلاً: “لي ذكريات معه كثيرة منها في جبهة نهم وبالتحديد في جبل يام، وكنا في رمضان ونحن نطوف المتارس والأرتاب ودخلنا مواقع العدوّ ونحن بطمأنينة عالية منقطعة النظير لا تزال ذكرى تلك الليلة محفورة في الوجدان.
أما رفيق الشهيد محمد زيد العلماني فيتحدث عن الشهيد أبو أحمد قائلاً: “عندما أتحدث عن هامةٍ من هامات همدان وبطل مقدام من أبطال ضلاع التضحية ورجل من شجعان اليمن وهو الشهيد هلال القاضي -سلام الله عليه- وعلى سائر الشهداء، ومهما تحدثت ومهما تكلمت عن مآثر الشهيد فَـإنَّي لن أفيه حقه ومهما ذكرنا من مآثره فلن نوفيه حقه فالشهيد هلال -سلام الله عليه- من أكثر الأصدقاء لي منذ نهاية عام 2009م، فكان مثلاً في الأخلاق والكرم والإخلاص ومن أعظم الصفات التي يمتاز بها هي الوفاء، فعلاً من يعرفه يعرف معنى الوفاء، فكان إذَا صاحب شخصاً كان دائماً يقدم له النصيحة ويخاف عليه من أي شيء وبالذات من الأشياء التي فيها خسارة عليه سواءً مادية أَو معنوية، ويفرح من أعماق قلبه عندما يحصل خير لصديق له ويحب لأخيه كما يحب لنفسه، كما أنه كان يعطي مما يمتلك ويجود بكل سخاء وبذل دون كلل أَو تمنن أنه قدم وأعطى بل كان ينظر لنفسه أنه مقصِّرٌ، هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر كان يأسى عندما يرى حال المجتمع من حوله ودائماً ما يسأل عن أحوالهم، ويتساءل عن ظروفهم ويرى أنه لا بُـدَّ ما نغير هذه الأوضاع حتى تتحسن أحوال الناس الذين كانوا محط اهتمامه، وكان دائماً يسعى لإصلاح ذات البين.
ويضيف العلماني أنهم بدأوا في شهر رمضان من العام 2011م بتأسيس ملتقى شباب ضلاع والذي توسع الملتقى إلى أن سمي ملتقى شباب همدان وكان من المؤسّسين الأوائل لهذا الملتقى مع بعض الإخوة والذين منهم الشهيد يحيى محمد حمود المصلي -سلام الله عليه- الذي فتح مجلسه كمقر الملتقى وبعد أربعة أشهر وعشرة أَيَّـام من تأسيس الملتقى كان الشهيد أول من أطلق الصرخة في قريتنا في العاشر من محرم في ذكرى استشهاد الإمام الحسين -عليه السلام- بعد أن سمع محاضرة من أحد الأساتذة الأفاضل في ذلك اليوم والذي صادف يوم جمعة، حَيثُ كان لتلك المحاضرة صدى في قلبه ووجدانه والتي عرف من خلالها أعظم مظلومية في تاريخ الإسلام وأعظم فاجعة وهي فاجعة كربلاء ولم يخف فيِ الله لومة لائم ودون سابق إنذار حتى لنا نحن المقربين منه فصرخ بكل حرقة.
ويزيد: “حينما بدأ العدوان كان مسافراً خارج اليمن للعلاج وكنا نتواصل به وكان يتشوق وبكل لهفةٍ للعودة للوطن ليشارك مع أبناء الوطن في معركة الدفاع المقدس ضد المعتدين وبعد أن سمح العدوان بدخول العالقين في الخارج كان أول المنطلقين للجبهات، فوالله إني تفاجأت بأنه انطلق وأنه قد أصبح من رجال الجبهات حينها لم أكن الّتقي به إلا نادراً وذلك بسَببِ مرابطته في الجبهات بشكلٍ مُستمرّ وحينها عرف باسم أبو أحمد القاضي وبهذا الاسم عرف الشهيد -سلام الله عليه- وقد صدع هذا الاسم في أوساط المجاهدين.
ويشير رفيق الشهيد بالقول إن الشهادة كانت أجل أمنيات الشهيد أبو أحمد بالرغم من ألم الفراق لنا نحن رفقاء الشهيد وأن الفراق يمكن أن يطول حتى نلتقي به إن شاء الله وبجميع الشهداء في ضيافة الله على دربهم ونظفر بالشهادة كما ظفر وفاز بها الأخ الشهيد هلال يحيى علي القاضي (أبو أحمد القاضي) سلام الله عليه، وعلى كُـلّ الشهداء.
وصية الشهيد:
يقول شقيق الشهيد مجد القاضي: إن الشهيد هلال أوصانا بالتشبع بثقافة القرآن وهدى الله المتمثل في دروس ومحاضرات السيد حسين بدرالدين والسيد عبد الملك بدرالدين -رضوان الله عليهم-، كما أوصى بتربية أولاده على هذه الثقافة القرآنية وعلى تربية القرآن الكريم، قائلاً: تربية الأولاد مسؤوليتكم من بعدي وأمانة أودعها في أعناقكم، ويضيف أَيْـضاً: االله الله في أولادي وعلموهم حب الله ورسول الله -صلى الله عليه وآله- وأعلام الهدى من آل محمد وثقفوهم بثقافة القرآن وربوهم بتربية القرآن.
كما يضيف أهل الشهيد قائلين: لقد أوصانا الشهيد هلال بتقوى الله والتزام طاعته واجتناب معصيته وبالصلاة وإيتاء الزكاة وبالإنفاق في سبيل الله وصلة الأرحام وحسن الخلق والتعامل الحسن مع كُـلّ الصالحين والحفاظ على مبدأ الولاية لله ولرسوله وللإمام علي ولكل أعلام الهدى من آل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-.