وكيلُ وزارة المالية الدكتور يحيى السقاف في حوار لصحيفة “المسيرة”: مدوَّنةُ السلوك الوظيفي أولى لبنات الإصلاح الإداري الحقيقي وتطبيقُها وفق متطلباتها له نتائجُ مالية واقتصادية نوعية
المسيرة _ حاوره نوح جلاس
وَضَّحَ وكيلُ وزارة المالية، يحيى السقاف، أهم الاستراتيجيات والأولويات التي يجب على قيادات الدولة والمسؤولين القيام بها للوصول إلى الأهداف المرجوة من مدونة السلوك الوظيفي؛ باعتبَارها اللبنة الأولى للبناء الإداري الحقيقي والإصلاح المالي الفعال.
وتطرق في حوار خاص مع صحيفة “المسيرة” إلى جوانبَ هامة عن مدونة السلوك الوظيفي وأخلاقيات العمل في وحدات الخدمة العامة، أبرزها النتائج المثمرة عن تطبيق المدونة، وعواقب التخلي عنها، لا سيَّما مع حملها لبنود بناء حقيقية تؤسس مداميك وثيقة ترتكز عليها الدولة اليمنية الحديثة على قاعدة الحقوق والواجبات التي يحتمي خلفها المقدم للخدمة ومتلقيها من أبناء الشعب اليمني.
وبيّن الدكتور السقاف جملة من الإجراءات التي يراها ضرورية لضمان السير بعملية الإصلاح المالي والإداري نحو مستويات متقدمة، ويتوازى معها إجراءات صارمة تبسط الخدمات وتحد من الفساد وتقطع الطريق أمام كُـلّ العابثين والمستهترين.
إلى نص الحوار:
– بداية دكتور يحيى لاقت مدونة السلوك الوظيفي إشادات واسعة من قبل مسؤولي الدولة وفي المقابل هناك تفاعل كبير في الوسط الوظيفي.. ما هي الأهداف التي تضمنتها المدونة؟ وما هو الأثر عن تطبيقها من قبل الموظف اليمني؟
في البداية نشكر صحيفة “المسيرة” على استضافتها لنا.. وبالرد على السؤال فَـإنَّ مدونة السلوك الوظيفي تتضمن عدة أهداف من أهمها تأهيل العنصر البشري؛ مِن أجلِ القيام بأداء واجباته الوظيفية بأمانة ونزاهة وموضوعية وحيادية وأن يحترم القانون والنظام ويحافظ على المصلحة العامة، كما جاءت مدونة السلوك الوظيفي للارتقاء بالموظف العام وتعزيز سلوكه القانوني في تأدية الأعمال المنوطة به؛ لأَنَّ العنصر البشري هو الأدَاة الفاعلة في تنمية أي مجتمع ولا ترتقي وتصل إلى أهدافها إلا من خلال تطوير منظومة الموارد البشرية التي تمتلك الكفاءة والمهارة والتميز حتى تحقّق التنمية الإدارية والمالية والاقتصادية لذلك كان من الأولويات الاهتمام بإصلاح القطاع المالي والإداري وبتطوير وتحسين الأداء الوظيفي في جميع مؤسّسات الدولة وتهيئة الموظف اليمني من الناحية العلمية والمهنية والمعرفية والثقافية والسلوكية في مواكبة التطورات العالمية الحديثة في الارتقاء بالوطن في جميع المجالات.
– برأيكم لماذا تغافلت الحكومات السابقة عن تطبيق مدوَّنة السلوك الوظيفي؟ وكيف كان واقع القطاع الإداري ومفهوم المسؤولية سابقاً؟
في الحقيقة عانى شعبنا اليمني طوال عقود سابقة من تعاقب أنظمة منزوعةِ القرار وفاقدةٍ للرؤية وضعيفة الإرادَة وكرّست جهودها وكلّ طاقاتها لتنفيذ أجندات دول خارجية على حساب كرامة الشعب في حالة تمثل أبشع صور الارتهان والتبعية وكان أي تصحيح في القطاع الإداري يواجه بمعارضة كبيرة من قيادة الدولة ولوبي الفاسدين ولم يتم التطرق إلى إعداد أية مدونة للسلوك الوظيفي.
وفي الجانب الآخر من سؤالك، فَـإنَّ إرثَ الماضي الثقيل قد أَدَّى لانحراف في مفهوم المسؤولية التي توجب على صاحبها أن يكونَ خادماً أميناً للشعب لا أن تكون المسؤوليةُ منصباً يوفر له حصانة لممارسة الفساد وتغليب مصلحته الشخصية على المصلحة العامة.
كما لا ننسى أن القطاعَ الإداري في اليمن كان يعاني من الضعف في التخطيط ووضع السياسات العامة والقوانين القديمة وعدم وجود إدارة فعالة للموارد البشرية والتي تتضمن تخطيط واستقطاب وتعيين وتطوير الموارد البشرية وانعدام المساءلة؛ بسَببِ ضعف أنظمة الرقابة ومكافحة الفساد الإداري وعدم وضع آلية لتحسين الأداء الوظيفي خلال تنفيذ الخطط الاستراتيجية، لذلك جاءت أولى لبنات الإصلاح الإداري وهي العمل بمدونة السلوك الوظيفي.
– ما هي ضمانات تنفيذ ونجاح أهداف برنامج إصلاح النظام المالي والإداري في جميع مؤسّسات الدولة في الوقت الحاضر وفق ما جاء في مهام وأهداف مدونة السلوك الوظيفي؟
إنَّ نجاحَ تنفيذ أهداف مدونة السلوك الوظيفي وبرنامج الإصلاح المالي والاقتصادي يتوقفُ على وضوح أهدافه باستراتيجيات مختلفة بحسب اختلاف هذه الأهداف وتحديد أولوياتها بحيث تسير هذه الاستراتيجيات وفقاً لمنهج منظم يرتبط أَسَاساً بجوهر الإدارة العامة في الدولة لا بأشكالها ومن جهة أُخرى يعتبر تطبيق مدونة السلوك الوظيفي تغييراً شاملاً وجذرياً لعناصر النظام المالي والإداري القائم وعلى رأسها العنصر البشري الذي يتخذ موقفاً من التغيير إذَا أدرك أن هذا التغيير يحقّق له مكاسب لذلك فَـإنَّه يشارك فيه ويعمل على إنجاحه.
– من خلال كلامك تبين أن هناك تأثيراً أَيْـضاً على المستوى الاقتصادي مرافق للمستوى الإداري.. فما الذي يضمن تحقيق ذلك وُصُـولاً إلى تحقيق الأهداف المرجوَّة؟
في الحقيقة فَـإنَّ لضمان تحقيق ذلك وفقاً لما جاء في مدونة السلوك الوظيفي فَـإنَّه يلزم استحداث وحدات تنفيذية في معظم مؤسّسات الدولة تتبع مكتب رئاسة الجمهورية وتكون مستقلة ماليا وإداريا ويناط بها مهمة تبني نهج التطوير المؤسّسي في عمل مؤسّسات الدولة ومراجعة لعدد كبير من هياكلها التنظيمية وتحسين وتنمية الموارد المالية والبشرية.
وبالرغم من أن الإدارة العامة في كُـلّ مكان تقوم بالإصلاحات الإدارية وتسعى باستمرار لتحسين الأداء المالي والإداري فَـإنَّ الحكومات وبفعل الثورة التقنية الحديثة دفعت إلى التفاعل وتبني مفهوم الحكومة الإلكترونية والأفكار الإدارية الجديدة كذلك فَـإنَّ النجاح المُستمرّ الذي يحقّقه القطاع الخاص بابتكار مفاهيم وتقنيات إدارية جديدة حفز المختصين بالقطاع العام إلى إمْكَانية تطبيقها في الإدارات العامة في كثير من دول العالم.
– هنا يستنتج القارئ من كلامك أن للمدونة نتائجَ مثمرةً على عدة مستويات.. في المقابل برأيك ما هي الأضرار المحتملة في حالة عدم تنفيذ أهداف مدونة السلوك الوظيفي وعملية الإصلاح المالي والإداري لا سيَّما أن بنودَ المدونة ترتكزُ على تحقيق رؤية بناء الدولة اليمنية الحديثة؟
إنَّ الجهازَ المالي والإداري لا يحتمل أي تقصير في عمله خَاصَّة في المرحلة الحالية نتيجة أجندات ومؤامرات دول العدوان في تدمير القطاع الاقتصادي والإداري في اليمن وَإذَا ما حدث هذا التقصير في تنفيذ مخرجات مدونة السلوك الوظيفي يصبح هذا الجهاز ضاراً أكثر منه نافعاً فعمله ثابت في جميع النظم السياسية سواء في الدول الكبرى أَو الصغرى ولنجاح هذا العمل يجب تنفيذ القانون بحيادية ومنطقية وتحديثه وعمل مصفوفة إصلاح قانونية تعدّل وتلغي ما تم وضعة سابقًا من قوانين خاطئة وغير ملائمة، لغرض تنفيذ إملاءات خارجية أَو مصالح شخصية فالقانون يؤدي وظيفة هامة تمس حياة المواطن وتتعلق بالسلطة.
والأضرار التي تقع نتيجة لانحرافه وخيمة العواقب وتؤثر في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن أجل تفادي هذه الانحرافات ومعالجة المشاكل التي تنتج عن قصور الجهاز الإداري اتجهت معظم الدول إلى تطبيق برامج الإصلاح الإداري التي تقوم على أَسَاس تغيير هياكل وأفراد وأساليب الإدارة استهدافاً لخدمة المواطن، وإن فهم عملية الإصلاح المالي والإداري لا يمكن أن يتم إلا بفهم أطرافها الأَسَاسية، وهم السياسيون والإداريون والمواطنون.
– تبيّن من خلال حديثكم أن مدوَّنة السلوك الوظيفي وإصلاح القطاع المالي والإداري يرتبط بوضع استراتيجية وتحديد أهداف وأولويات.. فما هي الخطوات والإجراءات لتنفيذها؟
تعتبر مدونةُ السلوك الوظيفي الإطار العام الذي ينطلق من خلاله تطبيق استراتيجية إصلاح القطاع المالي والإداري وبالرغم من إشراف القيادة السياسية على عملية تحديد أهداف الإصلاح المالي والإداري فَـإنَّ المسؤولين عن عملية الإصلاح المالي والإداري في أجهزة ومؤسّسات الدولة يلعبون دوراً كَبيراً في تحديد وتنفيذ تلك الأهداف والمفاهيم؛ لأَنَّهم يمثلون السلطة التنفيذية مما يجعل القيادة السياسية تأخذ برأيهم دون غيرهم من فئات المجتمع، وهذا ما يستدعي ضرورة إعداد وتنفيذ عملية تحديد أهداف الإصلاح المالي والإداري إلى جهة مستقلة عن السلطة التنفيذية.
لذلك قد تكون هناك ضرورةٌ للتفكير بآلية إضافية تكون أكثر صرامة وجرأة والعمل وفق استراتيجية وطنية تنفيذية لعملية الإصلاح المالي والإداري في جميع مؤسّسات الدولة واتِّخاذ إجراءات عملية تنفيذية تتضمن العديد من الإجراءات والخطوات والسياسات التي يمكن من خلالها مكافحة الفساد المالي والإداري، ومن أهم هذه الإجراءات وضع عقوبة قاسية حتى يكون هناك رادعٌ أمام بَقية المفسدين وتبسيط الإجراءات في كافة الوحدات الإدارية واللجوء إلى الشفافية في كُـلّ الجهات الحكومية التي تتعامل مع الجمهور وتطوير نظم اختيار وتعيين وترقيه الموظفين والتوصيف الدقيق والعلمي للوظائف والتركيز على الجانب الأخلاقي وتفعيل القيم الدينية والروحية المرتبطة باستقامة الأفراد والاتّجاه نحو إعداد ميثاق أخلاقي لكل مهنة وذلك وفقاً لما جاء في مدونة السلوك الوظيفي.
– إذن لا بد من عملية تكاملية بين الدولة والمجتمع.. هل يمكن التوضيح هنا ما هو دور المسؤولين ورقابة المواطنين في نجاح أهداف مدونة السلوك الوظيفي وعملية الإصلاح الاقتصادي في الدولة؟
إن تحديدَ الأهداف الأَسَاسية لمدونة السلوك الوظيفي وتنفيذها على الواقع هي عملية سياسية القصد منها خلق جهاز إداري قادر على تحمل أعباء ومتطلبات تنفيذ التغيير الشامل ونتيجة للاختلاف في تحديد الأهداف يتطلب التوفيق بين وجهات النظر المتعارضة في تحديد الأهداف، حَيثُ إن لكل المسؤولين في أجهزة الدولة أبعاداً فكريةً مختلفة وخلفيات اجتماعية واقتصادية تعزز رأي كُـلٍّ منهم في اختيارهم لأهداف مثلى للإصلاح الإداري ويتطلب كذلك التنسيق بين رؤية هؤلاء المسؤولين من جهة وبين تطلعات المواطنين من جهة أُخرى؛ لأَنَّ المواطن سواءٌ أكان من العاملين في الجهاز الإداري أَو من المتعاملين معه يجب أن يكون محوراً للإصلاح الإداري، وكذلك الأهداف التي تؤدي إلى مزيد من الرقابة وهي الأهم في تحقيق تلك الأجهزة الإدارية وتعتبر سلطة رقابة؛ لأَنَّ المسؤولين عنها وإن اختلفوا في وسائل التنفيذ إلا أن صفة الإصلاح المالي والإداري تربطهم وتجعلهم بمستوى المسؤولية، كما أن هذه الصفة لا تعصمهم من الخطأ والانحراف؛ لذلك فَـإنَّ القيادة السياسية وخَاصَّة في الدول النامية تراقب المسؤولين؛ خشيةَ استغلال نفوذهم والتسلط على غيرهم.
– هل لكم أن تطلعوا القارئ على جانب من تجارب الدول المتقدمة في إعداد وتنفيذ مدونة السلوك الوظيفي وأثرها في تطور الهيكل الإداري للدولة؟
في الحقيقة اهتمت الدولُ المتقدمة بتطبيق مدوَّنة السلوك الوظيفي في تطور وتحسين أداء العمل في الهيكل الإداري لمؤسّساتها العامة واهتمت بالإصلاح المالي والإداري إلى درجة إنشاء وحدات متخصصة فنية هدفها التطوير والتحسين على أعلى مستوى في الدولة وتلحق إما برئيس الدولة أَو بمستوى قيادي فيها وتقوم بدراسة مُستمرّة للنظم المالية والإدارية المتطورة من حَيثُ مدى ملاءمتها لأهداف السياسة العامة للدولة وعلى ضوء التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية، فالجهاز الإداري للدولة هو الأدَاة الأَسَاسية في تنفيذ السياسة العامة ويعكس فلسفة النظام السياسي الذي يعمل من خلاله ويقوم بخدمات كافة للمواطنين.
ولما كانت المؤسّسات الإدارية في الهيكل الإداري للدولة لها أهميّة؛ نظراً لأُسلُـوب ونظام العمل وللظروف المتغيرة التي تحيط بها لذا يجب أن لا يبقى انسيابها ثابتاً بل يلزم أن يتطورَ مع التطورات الحديثة لذلك اهتم علماء التنظيم المالي والإداري والهيكلي في الدول المتقدمة بموضوع التغيير المنظم أَو المخطّط للبنيان التنظيمي وهو من الموضوعات الجديدة في الإدارة العامة وتتم عملية إصلاح وتنمية الإدارة إما عن طريق بناء وحدة داخلية للبنيان التنظيمي تكون مهمتها العمل على تطوير المؤسّسة وإصلاحها وإما عن طريق الاستعانة بخبراء إداريين متخصصين.
– في ختام الحوار.. هل يمكنكم الإدلاء بتوصيات ضرورية ترونها ويراها الكثير ضرورية وعلى الحكومة اتباعها لنجاح أهداف مدونة السلوك الوظيفي في تحسين أداء العمل في مؤسّسات الدول؟
إن الإدارةَ العامة في اليمن بصفة خَاصَّة بحاجة إلى إصلاح مالي واقتصادي؛ لأَنَّ المؤسّسات الموجودة حَـاليًّا تعمل على العكس من التوجّـه الجديد، حَيثُ ازدادت من حَيثُ عدد الموظفين بدل ترشيدهم وتقادمت هياكلها ولوائحها التنظيمية وبحاجة إلى ضرورة تحديثها وتطويرها كما لا يتم العمل بمبدأ التشغيل الكامل للموارد البشرية الموجودة في مؤسّسات الدولة وعدم استغلالهم في البناء والإنتاج وفق برنامجٍ شهري يتم تنفيذُه ومتابعةُ مخرجاته بصورة شهرية للوصول إلى الطاقة القصوى من الإنتاجية في جميع مؤسّسات الدولة وخَاصَّة الاقتصادية منها وبالتالي زيارة الموارد العامة للدولة واستغلالها في الاستثمار والتنمية الاقتصادية المستدامة.
ولنجاح ذلك يجبُ العملُ على تنفيذ عدد من الأهداف الاستراتيجية تتمثل في دعم عمليات رسم السياسات العامة للدولة وصنع القرار والوصول بمؤسّسات الدولة لتقديم خدمات أكثر كفاءة وفاعلية وقادرة على تحقيق الأهداف الوطنية وإعادة بناء الهيكل التنظيمي لمؤسّسات الدولة وجعله يتسم بالرشاقة والشفافية ويعمل بكفاءة عالية وتعزيز القدرات المؤسّسية للوزارات وتكريس ثقافة الإبداع والتميز في القطاع العام والوصول إلى موارد بشرية مؤهلة وكفؤة ونزيهة تلبي الاحتياجات الفعلية لوظائف الجهاز الإداري للدولة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب.