الشهداءُ لهم عواطف كما نحن ولكنهم ذابوا في الله..بقلم/ عدنان علي الكبسي
الشهداء لم يكونوا ملائكةً اصطفاهم اللهُ كملائكة ولكن كانوا من خيرة البشر، ليسوا في واقعهم معصومين من الأخطاء ولكنهم اعتصموا بالله وحصنوا أنفسهم من الخطأ، حملوا ثقافة القرآن فتطهرت نفوسهم حتى صارت أعمالهم مستقيمة.
الشهداء لهم مشاعر وعواطف كما نحن ولكنهم ذابوا في الله، لهم آباء وإخوة وأولاد وزوجات أحبوهم بالمستوى الذي يليق بكل محبوب ولكن حبهم لله كان أكبر من كُـلّ شيء، رغبوا إلى الله، متطلعون للخير الذي وعد الله به عباده المؤمنين المجاهدين الجنة، رضوان الله الذي هو أكبر فوز، وأعظم مغنم، وأجل مكسب.
الشهداء تحَرّكوا بنفسية عالية وروحية سامية من أرضية الإيمَــان ونور الهدى، تحَرّكوا من منطلق القرآن الكريم، فحملوه ثقافة وعقيدة ومنهجاً وسلوكاً، باعوا أنفسهم من الله، هم من انطلقوا في موقفهم وجهادهم وتضحياتهم على أَسَاس الاستجابة لله سبحانه وتعالى في طريق الله، في نهج الله، لهم دافعهم الإيمَــاني العظيم، ولهم هدفهم المقدس، ولهم موقفهم وقضيتهم العادلة، لم يخرجوا باغين ولا ظالمين ولا متجبرين ولا متكبرين، ينتمون إلى مشروعٍ عظيم، وهو القرآن الكريم والإسلام العظيم.
الشهداء كان هدفهم السامي أن يصل نور الله إلى كافة عباده، تحَرّكوا بالمشروع القرآني وحملوه وجسدوه في واقعهم العملي، صدقوا مع الله تحَرّكوا في ميدان الجهاد مصدقين بوعد الله، واثقين كُـلّ الثقة بما وعد الله به عبادَه المتقين أنه حقيقة، فلم يتغيروا ولم يتبدلوا ولم يتراجعوا.
الشهداء رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأحيوا فينا مشاعر الإباء والعزة، ورسخوا فينا حب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله، تركوا وراءهم رجالاً على الحق ثابتين، ولهدى الله حاملين، يرفعون شعار البراءة من أعداء الله وهم بمنهجية القرآن عاملون.
الشهداءُ رحلوا إلى ضيافة الله مستبشرين برجال خلفهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه منتظرين وسالكين طريقهم، لم يتأثروا بمطامع التمكين، ولم يتسابقوا لاعتلى المناصب، ولم يروا أنفسهم أنهم الجديرون بالرتب، وإن حُمّلوا مسؤولية نهضوا بها وبادروا من خلالها إلى إقامة القسط وتحقيق العدل، وفي نفس الوقت كلما كَبُرَت مسؤولياتهم ازدادت نفوسهم تعظيماً لله وامتثالاً لتوجيهات الله وتواضعاً أمام الناس.
رجالٌ حملوا روحية وعطاء وسخاء وبذل وجد واهتمام الشهداء، يسعون بكل الوسائل لإقامة دين الله، وبناء النفوس والارتقاء بالأمة، همهم وهدفهم أن تحيي الأُمَّــة مشروعها القرآني العظيم، يقدمون من واقعهم نماذج قرآنية عملية.
فشهداؤنا هم النموذج الأرقى والشاهد العظيم لعظمة المشروع القرآني، ولا زال في المسيرة رجالٌ كثيرون يقدمون أرقى النماذج وأنصع الشواهد على عظمة المشروع القرآني العظيم الذي ننتمي إليه.
فمهما زُرعت العوائق ومهما توسعت المصاعب فَـإِنَّ رجال الله مُستمرّون بكل جد واهتمام لإزهاق الباطل من نفوس الناس لينزهق من واقع الحياة، رجالٌ قطعوا عهداً مع الله ومع الشهداء أن يحقّقوا الهدف السامي للشهداء وهو نصرة المستضعفين ومواجهة المفسدين وتطهير الأرض من الظلم والإجرام.
فسلام الله على شهدائنا العظماء، وسلام الله على المجاهدين العظماء والذين لا زالوا في طريق الشهداء، ولن نكون إلا في طريق الشهداء، نحمل المشروع القرآني ونتحَرّك به في واقع الناس، ومن شذ وانحرف عن المشروع القرآني ستهوي به المسيرة القرآنية في مكان سحيق.