الحربُ الناعِمةُ وهُــوِيَّتُنا الإيمَــانية..بقلم/ وسام الكبسي
أشد أنواع الحروب خطورةً وأقلها تكلفةً فآثارها كارثية على مجتمعاتنا العربية والإسلامية بالذات كونها تستهدف هُــوِيَّته الإيمَــانية والقومية وتفكك نسيجه الاجتماعي تسمى الحرب الناعمة التي لفت الانتباهَ إليها -غير مرة- قائدُ الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله تعالى- مطلقاً عليها مصطلح الحرب الشيطانية وهذه التسمية تنطبق على هذه الحرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فهذه الحرب لا تحتاج إلى ترسانة عسكرية ولا طائرات وبارجات حربية وصواريخ طويلة المدى بل إن هذه الحرب أشد علينا من كُـلّ أنواع الأسلحة حتى البيولوجية؛ لأَنَّ ميدانها هي نفوس الناس لتهدمها وتفرغها من محتواها ومن فطرتها التي فطرها الله عليها.
وللقوة الناعمة أساليب متعددة وفق خطوات مدروسة تبدأ بالاستدراج كما الشيطان تماماً وقد تفنن فيه الأمريكان؛ كونه البديل المجدي لها بعد الإخفاقات والتكاليف المالية والبشرية والمعنوية الباهظة في حروبها الصلبة وجعلتها رديفة للحرب الصلبة؛ كون أساليبها متعددة وجذابة إعلاميا وثقافيا وفكريا، ووسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها تحمل عناوين براقة كالحرية وما يسمى بالانفتاح والتطور والحداثة مهمتها مسخ القيم والمبادئ والأخلاق المتجذرة في عقول وقلوب الناس واستبدالها بمصطلحات خبيثة وشريرة ليصنعوا من الشخص المستهدف عنصراً شيطانياً خطيراً على نفسه ومجتمعه وأمته.
مصادرُ القوة الناعمة ومواردها
ومن مصادر القوة الناعمة مصانع هوليود والمدن السينمائية والإعلامية الأمريكية وفروعها من قنوات فضائية حول العالم التي تسوق للثقافة الأمريكية، ومراكز البحوث والطلاب الأجانب الوفدين للدراسة في الجامعات والمؤسّسات والتعليمية، فهم جيوشها الذين سينقلون المفاهيم والثقافة الأمريكية حين العودة إلى أوطانهم، وكذلك قطاع المال والأعمال وغيرها.
أما مواردها الأكثر تأثيراً فهي شبكات التواصل الاجتماعي المنتشرة في الفضاء الإلكتروني، وبرامج التبادل الثقافي والمؤتمرات الدولية التي ترعاهما أمريكا، ومنظمات حقوقية، وجمعيات خيرية، والشركات الاقتصادية وفي مجمل الحديث فَـإنَّ القوة الناعمة ترتكز على كُـلّ المؤثرات الإعلامية والثقافية والتجارية والعلاقات العامة، وكل مورد لا يدخل ضمن القدرات العسكرية المصنفة ضمن القوى الصلبة ومن هذا كله تسعى أمريكا لهدم نفوسنا والتحكم حتى بعقولنا من خلال تعاطينا لثقافتهم ومن ثم السيطرة وإخضاعنا لهيمنتها بغرض إحداث التفكك والوهن والارتباك وجعلنا فريسة سهلة فما لم تأخذه بالقوة الصلبة ستحصل عليه بشيطنتها الناعمة.
وقوى الشر الشيطانية تركز من خلال الحرب الناعمة على اتّجاهين في استهداف الأُمَّــة الإسلامية، فكل اتّجاه له شريحة واسعة في الأُمَّــة.
الأول: الإفساد من خلال البرامج الإباحية والأفلام الخليعة والماجنة وَشبكات التواصل الاجتماعي، والمستهدف في هذا الاتّجاه هم أصحاب الرغبات والميول والأهواء، والهدف من هذا الاتّجاه هو ضرب النفوس وتدمير الأخلاق والسقوط في مستنقع الرذيلة وإغراق المجتمع في وحل الشهوات حينها يصبح المجتمع مهيأً للإذلال والقهر ومن هذه البيئة ممن سقطوا في الرذائل بعد توثيقهم يوظف استخباراتياً لصالحه، وينفذ أجندته من خلالهم.
والاتّجاه الثاني: هو التضليل من خلال برامج دينية وثقافات مغلوطة وأعمال خيرية، والمستهدف في هذا الاتّجاه من لديهم عاطفة دينية وتوجّـه إيمَــاني فيقدم الضلال باسم الدين، ويرسخ فيه عقائد باطلة وأفكار تدميريه مقتصراً على ما يقدم له من الجهة المنحرفة، والهدف ضرب القرآن في نفوس الناس، ويستخدمه العدوّ مستغلاً التعصب الأعمى ومن هذا الاتّجاه يولد الإرهاب وبشاعته والوهَّـابية صنيعة الاستخبارات البريطانية لتوظف في التفجيرات والاغتيالات وإثارة الصراعات الطائفية والعنصرية والسلالية وتهيئة الساحة لهم.
وكل من يقود ويوجه هذين الاتّجاهين هي أمريكا الشيطان الأكبر لضرب الأُمَّــة الإسلامية من الداخل وهذا هو الحاصل بعينه.
والسؤال الأهم عن كيف نحافظ على هُــوِيَّتنا الإيمَــانية؟؟
يقول السيد عبدالملك بدرالدين -يحفظه الله- في رسالته بمناسبة مولد الزهراء -عليها السلام-:
إنّ الحفاظ على الأخلاق الإسلامية والضوابط الشرعية، ومراعاتَها في النهضة الإسلامية وحركة الحياة العامّة، والحرصَ على الاستقلال الحقيقي، والحذرَ من التبعية العمياء والتقليد الغبي للأعداء تمثّل الضمانة لفشل مساعي الأعداء في أخطر حرب يشنونها على عالمنا الإسلامي والتي عُرِفَت بالحرب الناعمة، والتي تُركّز على الغزوِ الفكري والثقافي، والاستهداف للمجتمع في مبادئه وأخلاقه وقيمه، والتي لا بدّ من التحَرّك الجاد لتحصين مجتمعنا الإسلامي وفي طليعته فئة الشباب والناشئة ذكوراً وإناثاً تجاهها، وباعتبارها أخطر بكثير وأشد ضراوةً من الحروب العسكرية، فتلك تدمّـر روح المجتمع وعقيدته وإيمَــانه، أمّا العسكرية فهي أقل خطورةً منها وَإذَا حافظت الأُمَّــة على مبادئها وأخلاقها وقيمها وعملت على ترسيخها وتفعيلها.
لقد انتصرت بلا شك في معركتها العسكرية وفي معركتها الحضارية أَيْـضاً.
ولا يفوتنا أن نُشِيدَ بمجتمعنا اليمني في حفاظهِ إلى حَــدٍّ كبير على أصالته وقيمه، والمؤمّل من العلماء والمثقّفين وحملة الوعي أن يقوموا بواجبهم وينهضوا بمسؤوليتهم في العناية بالمجتمع، والعمل الدؤوب على نشر الوعي والتبصير للأُمَّـة تجاه مكائد الأعداء للحذر منها ولتنمية القيم والأخلاق الإسلامية وتربية النشء عليها وتفنيد مزاعم الأعداء الزائفة الرامية لهدم القيم ولتعزيز الالتزام بالضوابط الشرعية الإلهية الكفيلة بصون المجتمع المسلم والحفاظ على كرامته وسلامته الأخلاقية.