مدوَّنةُ السلوك والحضارةُ المعاصرة..بقلم/ أمة الملك قوارة
ما نريده هو مجتمعٌ خالٍ من الفساد ومؤسّسات حقيقية ترضخ لضوابط العدالة وتُشجع على البناء ولعلنا قد ذُقنا الأمرين على امتداد فتراتٍ سابقة، حين طغت المحسوبيات والوساطات والضوابط غير القانونية على معظم المعاملات في خيوط تنسج على أنها قانونية، وحين أتت منظومة السلوك نتمنى أن تتجذر في واقعنا وتعاملاتنا وأن تكون هي المسار لبناء دولة ذات منهجية إسلامية وهُــوِيَّة إيمَــانية عالية المستوى، وإنما حصلت من تغيرات وأحداث رست فيها عقيدتُنا لتمثل هي المحتوى ولتنطبقَ في واقعنا وجميع معاملاتنا، كُـلّ تلك الخطى التي اتجهت إليها القيادة أشعرتنا بالأمان، وحين تتجذر تلك السلوكيات وتصبح حقيقة مطبقة فعلياً فمن المؤكّـد أن دولتنا ستكون مؤهلة لأن تصبح دولة قوية على مستوى العالم، ولا أبالغ فإذا ما وُجدت العقيدة الصادقة وأمانة التعامل وتجسيد المسؤولية فستزدهر الحياة وتصبح كُـلُّ العوامل مؤهِّلة لأن تجاريَ دولتُنا الدولَ العظمى في قوتها وحضارتها البيضاء!
إن ما تمتلكه بلادنا من ثروة لن يستغلها إلا من يملك ثروة العقيدة، ولن يستخرجها إلا شعب عرف معنى الاستخلاف القائم على منهجية العدالة والبناء والتعامل المقيد بالضوابطِ الشرعية، وحين اتجهت معظم الدول العربية والإسلامية لتتبنى قوانين وضعها البشر وتنسى القوانين الإلهية ولتحاكي بذلك دول استعظمت نفسها بجبروتها وطغيانها وإثارة الفتن في الأرض وسلب حقوق الشعوب والأوطان بينما تظهر على أنها تمشي وفق قوانين وهي لا تمت لها بصلة، كُـلّ ذلك تحت مبرّرات الاتّجاه نحو الحضارة والتطور إلا أنها حضارة لا تضمن للشخص إلا القليل من حقوقه والكثير من الظلم الواقع عليه وسلب حريته في الكثير من المواقف والأحداث وهي بذلك تجعله يعيش في دائرة الأكل والشرب والنوم دون إتاحة الفرصة لأن يكن له أي تأثير يُذكر، وفي ظل جماعات تمسك بزمام الأمور في نطاق الدول وتتجه نحو رغباتها..
لقد كشفت لنا الحضارة المعاصرة “السوداء” مدى ضعف قوانينها وانحطاط قيمها وبساطة إنسانيتها، وعمق الفجوة الحاصلة في مبادئها عامة، وما أدركه الشعب اليمني وما عاناه من المجتمع الدولي خلال سنوات الحرب وحتى اللحظة، والمنهج الذي تبناه في الدفاع عن نفسه كشف له النقاب عن ماهية القوانين الحقيقية التي يجب أن يتجسدها، والوجِهة التي يجب أن يسير إليها كما أن تلك الأحداث قد أعادته بقوة إلى عُمق هُــوِيَّته التي تضمن له حق البناء الصحيح والرفعة والكرامة والعدالة والمساواة القائمة بين أفراده، وإننا في هذه الفترة نبني دولة قل نظيرها إذَا تم الالتزام بكل ما توجّـهنا إليه القيادة، ومن منطلق مدونة السلوك فَـإنَّ وضع القوانين التي تحمي لها كامل التنفيذ مهم جِـدًّا.
والأهم من ذلك بقائها واستمرارها والتوسع في وضع السلوكيات الشاملة ضمن إطار المدونة والتفرع إلى جميع التفاصيل التي تشمل مختلف المعاملات، ولا شك في أن المدونة أحد أهم التغيرات التي حصلت والتي تدفع نحو نهضة سلوكية وحضارية نابعة من عمق الهُــوِيَّة الإسلامية فما مدى التطور والنّجاح الذي سيتحقّق بعد أن يتم الالتزام الكامل بمدونة السلوك الوظيفي؟!