لماذا الشهداءُ أحياءٌ عند الله والبقية أموات؟! بقلم/ عدنان علي الكبسي
الكل سيموتون، الإنسان سيموت، حتى المؤمن، حتى ذلك الذي بعمله الصالح ورضوان الله سيدخله الله الجنة سيموت الجميع متجهون إلى حَيثُ الفناء والموت الدائم إلى يوم القيامة، إلا المجاهد لن يموت، إذَا قُتل في سبيل الله فَـإنَّه سينتقل إلى ضيافة الله، سيبقى حياً عند الله حياة حقيقية وليست حياة معنوية، الشهداء أحياء عند الله يُرزقون وهم في فرح بفضل الله، يبتهجون بالسرور والاستبشار وكل ما يدل على الحياة الحقيقية عند الله.
لماذا الشهداء أحياء عند الله والبقية أموات؟!، لماذا فقط الشهداء أحياء في ضيافة الله دون غيرهم؟!
الشهداء خاضوا تجارة كبيرة وعظيمة مع الله سبحانه وتعالى، عقدوا صفقة بيع مع الله، باعوا أنفسهم وأموالهم من الله فأرخصوا أرواحهم في سبيل الله، خاضوا غمار الموت ليلقوا الله شهداء، أحبوا الله فذابوا في طاعته، روحيتهم هدى ونفسياتهم ذكر لله، تحَرّكوا من أرضية الإيمَـان والتقى، وعرفوا طريق الله وأصروا التضحية فيها، عرفوا أعداء الله وتفانوا في مواجهتهم.
الشهداء تحقّق في واقعهم قول الله سبحانه وتعالى: ((إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالقرآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))، اشترى الله من الشهداء ومن الشهداء الأحياء الذين ما زالوا منتظرين في خط الشهداء بضاعتهم التي عرضوها لله ليشتري أنفسهم وأموالهم، وكانت ثمن بضاعتهم الجنة، استثمروا بضاعتهم الغالية في القتال في سبيل الله، فنكلوا بأعداء الله وقتلوا شرار الخلق حتى قُتلوا في سبيل الله، فبشرهم الله ببيعهم المطلق الذي بايعوا الله به، وهنيئاً لهم هذا الفوز العظيم.
الشهداء لم يكونوا فقط رجالاً مقاتلين بعيدًا عن الإيمَـان والعبودية لله، لم يكن الشهداء فقط رجال أبطال مستبسلين بعيدًا عن الاهتداء بهدى الله والعمل بكل ما يرضي الله.
الشهداء والذين باعوا لله ذكر الله ميدان البضاعة القتال في سبيل الله، وذكر الله مواصفاتهم في الآية بعد أن قال: ((إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)) قال سبحانه وتعالى: ((التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْـمُؤْمِنِينَ)).
الشهداء كانوا رجالاً مقاتلين في سبيل الله يعيشون حالة التوبة المُستمرّة إلى الله وهم يستشعرون عبوديتهم الله، يحمدون الله أن هداهم للإيمَـان والتقوى، يسبحون في الأرض مهاجرين مع الله وفي سبيله، راكعون لله خاضعون لتوجيهاته دائماً، ساجدون بين يدي الله في المحافظة على صلواتهم، ويسجدون سجدة الشكر لله عند كُـلّ تقدم أَو إنجاز يحقّقونه في مواجهة الأعداء، آمرون بالمعروف كُـلّ المعروف وله عاملون، وينهون عن المنكر كُـلّ المنكر صغيراً أَو كَبيراً، حافظون لحدود الله، يضبطون أنفسهم عند المحرمات والشبهات.
إن قرأت في القرآن الكريم صفات المتقين فالشهداء حملوا صفات المتقين، وإن قرأت في كتاب الله مواصفات المؤمنين فالشهداء أول من اتصفوا بالصفات الإيمَـانية، وإن تلوت في آيات الله حب الله للمحسنين فالشهداء هم المحسنون، إذ أحسنوا إلى الأُمَّــة بدمائهم الطاهرة كي تحيا الأُمَّــة في عزة وكرامة، ودافعوا عن المستضعفين من العباد.
فهذا الذي جعل الله يصطفي هؤلاء العظماء شهداء أحياء عنده، وهذا الذي جعل الشهداء يستحقوا الحياة عند ملك السماوات والأرض، وهذا واقع الذين باعوا من الله، وغير ذلك فهو بيع كاذب وغير حقيقي.
الذي باع من الله هو في طريق الشهداء، وطريق الشهداء ميادين القتال لأعداء الله، الذي باع من الله هو يحمل صفات وروحية ونفسية الشهداء، الذي باع لله هو الرجل المقاتل في سبيل الله، التائب إلى الله من كُـلّ خلل أَو تقصير، العابد والحامد لله، السائح في ميادين الرضا لله المهاجر في سبيل الله، الراكع الساجد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، الذي يحفظ حدود الله، فبشارتهم من الله وعند الله يلقون بشارتهم وذلك هو الفوز العظيم.