الشهداءُ دروسٌ في البذل والعطاء والتضحية .. بقلم/ لؤي زيد الموشكي
يقولُ الله -سُبحانَه وتعالى- في محكم التنزيل عن الشهداء: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[آل عمران: 169]، تُبين وتوضح لنا هذه الآية تعظيماً وإعلاء لمنزلة الشهيد الذي يضحي بروحه ودمه لأجل إعلاء كلمة الله تعالى، ونصرة الدين والوطن.
في هذه الأيّام نُحيي نحنُ أبناء الشعب اليمني العظيم مناسبة ذكرى الشهيد والتي نعتبرها كالعادة محطة من خلالها نستلهم العطاء اللامحدود والبذل السخي الذي قدمه ولا يزال يقدمه الشهداء؛ مِن أجل إزهاق الباطل وإحقاق الحق.. ولهذا السبب الرئيسي نحتفي نحنُ اليمنيون بهذه المناسبة العظيمة لا سيَّما ونحنُ نمُر بمرحلة أقوى هجمة شرسة شُنت لِطمس وتحريف الدين والنهج الإسلامي مِنذُ الانحراف الذي حصل بعد وفاة رسول الله “اللهم صلِّ وسلم عليه وآله”
لكن بفضل الشهداء في المقام الأول والأخير استطاعوا بإذن الله وتأييده أن يحدثوا زلزالاً هز المنطقة في ثورة شبيهة لثورة الإمام زيد “عليه السلام”، ثورة أيقظت كُـلّ النيام الخانعين وحركت المياه الراكدة والجامدة وقلبت المعادلات والموازين، حتى صارت حديث الألسن وكل الأعضاء، جعلت من المستحيل، لا مستحيل..
فالشهيد الذي يستحق أن نتذكّره بجدارة، ليس فقط في هذه الذكرى، وإنما كُـلّ الأيّام وكل اللحظات، وإنما نحتفي بهذه الذكرى كما أسلفنا سابقًا، لنجعلها محطة نستلهم فيها الدروس والعبر من الوفاء والبذل والعطاء والتضحية.
لذلك وخلال هذه المناسبة المقدسة والعظيمة أحببت أن أكتب عن عظمة الشهيد والشهادة، مع أنني أخجل عندما أبدأ الكتابة عن الشهيد، لا أستطيع وصف الشعور الذي ينتابني حين أكتب عن الشهيد، لكن سأكتب بما أشعر به تجاههم، لعلي أرتاح قليلًا، فالشهيد هو من يشهد على عظمة الإسلام وحكمة القيادة وقداسة المسيرة التي انطلق فيها.. فالشهادة هي وسام رفيع وشرف عظيم يمنحه الله لأوليائه الذين يُحبهم ويحبونه، فالشهيد يقدم أغلى ما يملكه الإنسان وهو حياته يقدمها رخيصة في سبيل الله ويبيعها لله، فيشتري الله منه بيعته ويكافئه بأعلى المراتب في الجنة، التي لا تُمنح إلَّا للشهداء فقط دون غيرهم، فيفوزون فوزاً عظيماً.. إنها فعلاً لحظات لا يمتطي صهواتها إلَّا من هو واثق بيقين أنه على الحق ويشهد على عظمة دين الله ويعطيه حقه.. إنها لحظات يعجز عن وصفها البيان.. فما أعظمها من منّة وما أعظم الشهادة في سبيل الله.
فيكفيهم “الشهداء” أن الناس تموت لحظة موتها وهم يحيون لحظة موتهم، فما هي إلَّا ثوان معدودة ويجتاز الشهيد قيود وحدود الحياة فينطلق حراً بروحه الطاهرة إلى الحياة الأُخرى الأبدية التي وعدهم الله بها فيرى النعيم ما هو فوق البيان فتفتح له الجنان وترحب به ملائكة الرحمان، بينما غيرهم من الناس بمُجَـرّد موتهم ما هي إلَّا لحظات قليلة وينطلقون إلى مرحلة الانتظار.. انتظار يوم القيامة لكي يتم الحساب والعقاب، حتى الذين يجتازون مرحلة الحساب والعقاب ويكونون ممن يؤتى كتابهم بيمينهم، فصحيح فهم فازوا بالجنة لكنهم لا يحظون بالمقام الذي يحظى به الشهداء..
ولهذا نُشاهد في مجتمعنا اليمني وفي مسيرتنا القرآنية عائلة الشهيد كيف تستقبل وتفتخر بالشهيد.
كيف تستقبله أمه، أبوه، زوجته، أخته، أخوه، أقاربه، أصدقاؤه، نُشاهد كيف تهنئ هذه العائلة بوسام الشهادة الرفيع والشرف العظيم الذي ناله شهيدهم.. ولذلك أصبحت ثقافة الشهادة متجذرة في أعماق شعبنا اليمني على وجه الخصوص، فعلى مدى 8 سنوات من العدوان الإجرامي الذي تقوده طواغيت الكفر وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وأذنابهم من العملاء المتصهينين وشعبنا يقارعهم، فهم شعبنا العظيم أنهم يريدون تركيعنا وإذلالنا بشنهم أقوى هجمة شرسة كفيلة بإبادة عشرات الدول عن بكرة أبيها، هجمة أكلت الأخضر واليابس وحولت القرى والمدن إلى أطلال ودمّـرت المدارس والمستشفيات والمباني والطرقات وكل شيء.
فلا يوجد أعظم منزلةً ممّن يقدّم روحه دون أن يسأل، وهو يعلم جيِّدًا أنها روحٌ واحدة يمتلكها، لكنه يؤمن بيقين بعظمة ما ينتظره بعد الشهادة، فالشهيد يُمكننا القول إنه الوحيد الذي يثق بكلام الله تعالى دون سواه، فالشهيد برهن ثقته بروحه، فالشهيد لا يموت، وإنّما يرحل إلى الجنة فورًا.