بين يدي شهدائنا الأبرار..! بقلم/ عبد القوي السباعي
إنهم الشهداءُ تلك الأجسادُ المضرجة بالدماء، وتلك الأشلاءُ التي احترقت لنحيا سعداء كرماء، بعد أن جعلوا من أجسادهم سُلماً للرقي إلى مصاف العزة والمجد والإباء، بعد عهودٍ من الانكسار والانبطاح والذلة والخواء.. بعد أن جعلوا من عظامهم جسوراً للعبور إلى الحرية والسيادة والنماء، بعد ظلام البؤس والحرمان والاضطهاد والشقاء.
هؤلاء، سار كُـلُّ شهيدٍ منهم لا يملك إلَّا ثلاثاً، روحَهُ وسلاحَهُ وقرآنَه.. وثب حاملاً سلاحه بيمينه، وروحه على يساره، ومزج القرآن الكريم بشغاف قلبه، ومضى باحثاً عن الشهادة، وعن الحياة الأبدية، متاجراً بحياته الزائلة وعيشه المؤقت، بحياة الخلود في ملكوت رب الوجود.
إنهُ الشهيدُ ذلك الإنسانُ الكاملُ الذي أسجد اللهُ له الملائكةَ، منذُ أن بدء الخليقة، أنه الإنسان الأسمى الذي خُط مجده في التوراة، أنه الإنسان الأرقى الذي توهجت جذوة طريقه في الإنجيل، أنه لحظة التسامي فوق كُـلّ الغرائز الإنسانية، وعلا فوق كُـلّ الانعكاسات الشرطية، وحقّق وقتها معنى الإنسان الكامل العظيم، الذي تخلد ذكره في القرآن الكريم.
الشهداء هم أُولئك الأشخاص غير الاعتياديين، والذين عرفوا كيف يلجون المجهول، ويرتدون الليل، ويطوعون الصعاب، ويركبون صهوة الخطر فاتحين، وفي كُـلّ منعطفٍ بالعطاء باذلين، عرفوا كيف يزرعون في التراب المتصحر بذور الأمل، وكيف يسقون بدِمائهم الأرض لتُثمر عزة وكرامة دون كلل ولا ملل، بعد أن تركوا خلف ظهرهم كُـلّ بهارج الدنيا، قانعين، ولكل الطموحات والرغاب، عافين، ومشوا ضمن قوافل الربيين، على دربِ الحُسين.
حين نتذكر الشهداء قد يقول قائلٌ عن جهلٍ أَو غباء، أنهم في ظاهر الأمر أموات ونحن أحياء، لكن الحقيقة أننا نعيش حياة الموت، نمارس العيش المزيف، نركض خلف السراب، نتعب ونلهث، نلهو ونلعب، نضحك ونبكي، نحمل الهم على الأرزاق، ونولول على صفقاتنا البائسة التي لم تنجح، نتشاجر على حطام الدنيا ونتفاخر، نحيا كالأنعام، ونركض خلف ألف وهمٍ ووهم، وتداهمنا الرغبة واللذة والانشغال في توافه الأشياء، نعيش بضع سنين أُخرى، وفي النهاية يأتي الموت، وننتهي ونُنسى، فيما الشهداء كانوا هم الأذكياء، حين امتطوا بساط الخلود شوقاً إلى الرضوان الإلهي والحياة الأبدية في منازل السعداء.