مدرسةُ الشهداء إيمَـانيةٌ بكل المقاييس .. بقلم/ وسام الكبسي
ذكرى عظيمة بعظمة عطاء وتضحية وقداسة دماء أصحابها الشهداء الذين كانوا لنا النموذج الأرقى في مدرسة الجهاد والاستشهاد في جميع مراحل وفصول جهادهم فمن صدق الانتماء ووعي الانطلاقة وعشق المنهج زادهم البصيرة ومعينهم كوثر الهدي ودليلهم في الدرب الذي سلكوه نجوم العترة وإعلام الأُمَّــة منار السالك المهتدي وسفن النجاة قادة وقُدوة في الجهاد والاستشهاد في التضحية والشجاعة والإقدام ذودا عن الدين ونصرة للمستضعفين.
جاهدوا على بصيرةٍ من أمرهم فصدقوا مع الله في مواقفهم ومبادئهم وأخلاقهم وسلوكياتهم وكل أعمالهم الجهادية وقدموا الإحسان في أعلى صورةٍ وأرقاها كقيمةٍ إنسانية وأخلاقية وإيمَـانية ونالوا المقام الأرفع في ضيافة مليكٍ مقتدر جزاءً لما قدموه في سبيل الله.
والمتأملُ في حياة الشهداء في حركتهم الجهادية قبل أن ينالوا وسام َالشهادة سيدرك تماماً عظمة المنهج القرآني وأثره التربوي في زكاء النفس وعلوا الهمة وبعد النظر فأصبحوا رجال الله؛ لأَنَّهم يخوضون غمار المواجهة مع أعداء الله والإنسانية اليهود وأذنابهم الذين يسعون لقتل الإنسان واستعباده، فانطلقوا بثباتٍ إيمَـاني ووعيٍ قرآني وبصيرةٍ جهادية لمواجهة العدوان غير مبالين أوقعوا على الموت أم وقع عليهم الموت وهم بذلك يعون بأنهم سينالون الحياة الأبدية (بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون).
إن الصفقةَ التجارية الرابحة التي عقدها الشهداء مع الله ببيعهم أنفسهم وأموالهم له سبحانه وتعالى، فقبل الله بيعهم واشترى مواقفهم ومبادئهم ودمائهم وأنفسهم فنالوا الفوز والربح العظيم ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالقرآن، وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)).
لقد كان الشهداءُ في مراحل حياتهم الجهادية وفصول المواقف التي بذلوها يتحلون بصفات الإيمَـان وسماتِ التقوى وأخلاق العظماء من المؤمنين ذابوا في الله حباً حتى تفانوا في سبيله بعد أن تحلوا بأخلاق القرآن وتأدبوا بآدابه وتجسَّدت فيهم صفاتُ الأولياء، فكانوا كما قال الله سبحانه وتعالى: ((التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)).
عشقوا الشهادة في سبيل الله بعد أن حملوا هم الأُمَّــة وقضيتها فكانوا مدرسةً متكاملةً بكل المقاييس من الأخلاق والصفات الإيمَـانية ترفعوا عن سفاسف الأمور وحطام الدنيا ومتاعها الهين، فكانوا أبعد نظر وأرقى تفكير وأدق تصويب لتحقيق الهدف الأسمى والغاية المثلى وهو رضوان الله وجنة النعيم مع الأنبياء والشهداء والصالحين رتبةً إلهية وضيافةً ربانية وحياةً أبدية وصحبة الأوفياء.
ولنا أن نتعلم من مدرستهم صدق الانتماء والإخلاص في الاتباع وتقديم المواقف الإيمَـانية الصادقة، نتعلم من شهداءنا معنى الرجولة الإيمَـانية وشجاعة الأخيار وصمود الأباة، وثبات المؤمنين، وتفاني الصادقين، وإخلاص المتقين وإيثار المحسنين، فالشهداء مدرسةً متكاملةً في الأدوار والمهام والأخلاق والقيم، تحتوي مفاهيم عظيمة بعظم روادها وعظم ما قدموه، يتخرج منها المؤمن شامخ الرأس، عالي الهمة كريمٌ أبيٌ ثابت الإيمَـان وقوي العزيمة وصلب الإرادَة.
نتعلم من الشهداء الصبر عند اللقاء والعزيمة عند اشتداد المواقف والثبات عند احتدام الصراع، نتعلم الإيثار والإحسان منهم نتعلم الإيمَـان الواعي والبصيرة العالية والثقة بالله وتجسيد التولي الصادق لله ورسوله وأَعلَام هديه.