الشهداء.. وثقافةُ الجهاد والاستشهاد .. بقلم/ محمد أحمد البخيتي
أيا أيها الأقلام قفي، ويا أيها الحروف كفي، فهنالك بحارٌ لن تدركينها، وهنالك صفات لن تنالينها، فلا حكاياتهم تروى، ولا مواقف شجاعتهم تحكى، ولا قصص بطولاتهم وإيمَـانهم وإقدامهم وتفانيهم تكتب، فهم الأوفياء في ميادين الوفاء وهم الشرفاء في ميادين الشرف، وهم الشجعان الأنقياء الأتقياء من أثبتت شجاعتهم ميادين الوغى، وأوضحت تقواهم خواتم أيامهم، وبيّنت نقاءَهم وانتقاءَهم من بين الرجال واصطفاءهم لأعظم المكانات شهداءَ لله شواهدَ على الحق، شاهدين على جرم المجرمين وظلم الظالمين وعداوة المعتدين.
بدمائهم انتصر الحق ودحر الظالمين، وبمواقفهم وبطولاتهم؛ لانت الصعوباتُ أمام المجاهدين والأبطال الميامين، وتغيّرت أحوال المجاهدين من حالة الاستضعاف إلى حال التمكين، وبتضحياتهم أعزنا الله فلهم الرحمة والخلود تخليداً لأسمائهم وتقديساً لمقامهم وإرساءً لمكانتهم، فبذكراهم تخلد ذكرياتهم ليبقوا هم الذكرى التي تٌرسخ في أذهان الأجيال ثقافة الجهاد والاستشهاد.
كثقافةٍ ارتويناها من الدين ومن قصص من مضوا على نفس طريقهم ونالوا خاتمة كخاتمتهم الحسنة صادقين كرماء، جادوا بأرواحهم إيمَـاناً بقضيتهم المحقة والعادلة ونصرةً للمستضعفين وامتثالاً لأوامر الله وتعاليم الدين، ممن بلغوا بإيمَـانهم مرحلة اليقين، وبإحسانهم أبلغ صفات المحسنين، تاركين كُـلّ ما خلفهم من أموالاً وأزواجاً وبنين طمعاً بما عند رب العالمين، كجزاءٍ لما أثمرته دماؤهم لمن خلفهم من استتبابٍ للأمن وإقامةٍ وإرساءٍ للعدل ودحرٍ للظلم ونصرةٍ للدين وَانتصارٍ للمستضعفين.
وتجسيداً ليقين الشهداء بوعود رب العالمين، استحقوا بذلك ضيافة أرحم الراحمين ومجاورة الأنبياء والصالحين في حياةٍ يستحقونها بديلاً عن الحياة التي كانوا يعيشونها والتي أثروا إرضاء خالقهم على بقاءهم فيها قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.
لذلك تجد كُـلّ مساعي الأعداء من أباطرة الظلم والمجرمين لإبعاد الأُمَّــة العربية وعامة المسلمين عن الشهداء وثقافة الجهاد والاستشهاد، كثقافةٍ تؤرقهم وتقض مضاجعهم، وتمثل أكبر خطورة عليهم؛ لأَنَّهم يرونها السبب الوحيد الذي يدفع المسلمين لمواجهتهم والتي تسبب الانكسارات والهزائم لقواتهم؛ كونها القوة الوحيدة التي لا يملكونها والتي تثبت هشاشة عدتهم وعتادهم، وتقف عائقاً أمام تحقيق مطامعهم، وتنفيذ أجندتهم، لذلك ستبقى ذكريات الشهداء هي الذكرى التي تغيظهم، وستبقى ثقافة الجهاد والاستشهاد رغم محاولتهم تشويهها، وحرفها عن اتّجاهها الصحيح عبر مخرجات حركات استشراقهم وتيارات التطرف التي انتجتها مخابراتهم، هي الصخرة الصلبة والحجر العثرة أمام مخطّطاتهم ومساعيهم.