ابنُ سلمان والفساد.. وجهانِ لعُملةٍ واحدة
المسيرة | وكالات
يروِّجُ وليُّ عهد السعوديّة محمد بن سلمان وفريقه الحاكم بخططه ومساعيه لمكافحة الفساد، لكن الحقائق تثبت أن الرجل والفساد وجهان لعملة واحدة.
يؤكّـد ذلك المرتبةُ المتدينة للسعوديّة في مؤشر مكافحة الفساد لعام 2021م، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إذ تحل السعوديّة في المرتبة الـ52 عالميًّا بـ53 درجة في معايير الشفافية.
ويجمع مراقبون على إبراز واقع تفشي الفساد في السعوديّة في ظل حكم الفرد الأوحد وإنفاق مقدرات وثروات المملكة على مشاريع شخصية فاشلة من دون أي نوع من الرقابة البرلمانية أَو الشعبيّة.
وروج الإعلام السعوديّ مراراً إلى خطوات محمد بن سلمان في جهود مكافحة الفساد من خلال تقديم الدعم اللازم للجهات واللجان المختصة لمكافحته.
وتوالت العديد من الأنظمة والتطويرات والتعديلات، ومنها صدور الأمر الملكي في نوفمبر 2017م، بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد، وعضوية كُـلّ من رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام.
غير أن الشواهد تجمع على أنّ محمد بن سلمان يستخدم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعوديّة المعروفة باسم “نزاهة”، أدَاة لتعزيز سلطاته وخدمة نظامه الاستبدادي.
يدعم ذلك ما كشفه موقع “إنتليجنس أونلاين” الفرنسي بأن محمد بن سلمان يتستر على فساد فرعين من أسرة “آل سعود” الحاكمة في السعوديّة، بينما يستهدف فروعا أُخرى تحت شعار “مكافحة الفساد”، مشيرة إلى رجل الأعمال “عبدالله الشقير” كمثال على معايير ولي العهد المزدوجة.
وذكر الموقع أن المقربين من فرعي “مشعل” وَ”سلطان”، أخوي مؤسّس المملكة “عبدالعزيز آل سعود”، في مأمن من حملة “بن سلمان” المزعومة لمكافحة الفساد، وليس لديهم الكثير ليخافوا منه، رغم وجود أدلة على فساد العديد منهم، حسبما أورده.
وأوضح الموقع، المعني بالشأن الاستخباراتي، أن “الشقير” هو أحد المقربين السابقين من “مشعل بن عبدالعزيز”، الذي لعب دورا عائليا رائدا كرئيس لهيئة البيعة في السعوديّة، التي تتكون من أبناء وأحفاد الملك المؤسّس، وبالتالي كان له دور مهم في صعود الملك “سلمان” وولي عهده إلى سدة السلطة.
وَأَضَـافَ أن هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعوديّة، المعروفة باسم “نزاهة”، لا ترد إلَّا على “بن سلمان”، ولم تتخذ أي إجراء بحق “الشقير” رغم وجود أدلة موثقة على فساده في صفقة توريد سترات واقية من الرصاص إلى الحرس الملكي.
وتعود تلك الأدلة إلى عام 2019م، حَيثُ قدمت شركة “ديفنس تك” الأمريكية وثائق من 70 صفحة إلى “نزاهة”، تتضمن إثباتات لـ ”سرقة الشقير” الملكية الفكرية الخَاصَّة بالسترات الواقية من الرصاص.
وأوردت الوثائق أن “الشقير” مدين لـ”ديفنس تك” بـ5.6 مليون دولار بعدما لعب دور الوسيط في صفقة بيع 10 آلاف سترة للحرس الملكي، الذي دفع أكثر من 40 مليون دولار، عام 2014م، نظير الصفقة، لكنه لم يحصل في النهاية إلَّا على “سترات مقلدة رديئة الجودة”، حسبما يؤكّـد محامو الشركة الأمريكية.
وبحسب الوثائق، فَـإنَّ “الشقير” قاد مخطّطا لبيع السترات المقلدة للحرس الملكي بدلا من سترات “ديفنس تك” بمشاركة مسؤولين بوزارة الداخلية السعوديّة، بينهم “سعيد بن عبدالله القحطاني”، وَ”خالد إبراهيم اللحيدان”.
ورغم أن بعض المسؤولين الأمريكيين اعتبروا أن “ديفنس تك” قدمت أدلة قوية على فساد “الشقير”، لكن “نزاهة” لم تتخذ أي إجراء بحقه، حسبما أكّـدته مصادر “إنتليجنس أونلاين”، مشيرة إلى أن اسم رجل الأعمال المقرب من فرع “مشعل” في “آل سعود” استمر في الظهور بقضايا فساد أُخرى.
وأوضحت أن كبير المستشارين القانونيين في الشركة السعوديّة للصناعات العسكرية، “جون فينسينت لونسبيرج”، اكتشف أن بعض البنود في عقود الاستشارات بين شركات الدفاع السعوديّة وشركة “نيوتن”، المملوكة لـ ”الشقير” تعد بمثابة “اتّفاقيات وساطة”، وهو ما يحظره القانون السعوديّ.
يأتي ذلك فيما يواصل “بن سلمان” استهداف فروع أُخرى من “آل سعود” في إطار حملته المزعومة لمكافحة الفساد، ويقود عمليات “تطهير” تستهدف الوكلاء المقربين من العاهل السعوديّ السابق، الملك “عبدالله بن عبدالعزيز”، وولي العهد السابق “محمد بن نايف”.
وكانت مصادر “إنتليجنس أونلاين” قد كشفت، في 28 أُكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن السلطات السعوديّة أرسلت مذكرة اعتقال إلى منظمة الشرطة الدولية “الإنتربول”، لتعقب الأخوين “صلاح” وَ”منصور فستق”، مشيرة إلى أن “بن سلمان”، مصمم على اعتقالهما، بدعوى الفساد وسوء التصرف المالي.
وأشَارَت المصادر إلى أن “صلاح فستق” هو والد زوجة الأمير “متعب”، نجل الملك السعوديّ الراحل “عبدالله بن عبدالعزيز”، وكان لاعبا رئيسيا في إبرام عقود الأسلحة الخَاصَّة بالحرس الوطني السعوديّ لعقود.
ولا يزال الأمير “متعب” رهن الإقامة الجبرية ولا يمكنه مغادرة السعوديّة، على خلفية اتّهامات بحقه ضمن حملة “بن سلمان” لمكافحة الفساد، بحسب المصادر.
كما يواجه جميع المقربين من “بن نايف”، مثل مسؤول الاستخبارات السابق “سعد الجبري”، ورجل الأعمال “نادر تركي الدوسري”، ملاحقات قانونية مُستمرّة كتلك التي يواجها ولي العهد السابق نفسه، الذي يعاني من مشكلات صحية ولا يزال قيد الإقامة الجبرية.