شهداؤنا وحيرةُ التصنيف..بقلم/ د. تقية فضائل
من المعلوم للجميع أن التاريخَ علمٌ معنيٌّ بتدوين أحداث واقعية وَحقائقَ عاشتها الشعوب، وكذلك شخصيات كان لها تأثيرُها الكبير في الأحداث والناس، بينما علمُ الميثولوجيا وهو يُعنَى برصد الأساطير التي جادت بها قريحةُ الشعوب؛ لنيل ما طمحوا إليه ولم يحقّقه لهم إلَّا أحداث ومخلوقات أُسطورية من نسج خيالهم لا أَسَاس لوجودها، وما هي إلَّا انعكاس عن إرادَة عجزوا عن تنفيذها فلاذوا إلى عالم الخيال.
تساؤلي هنا أي العلمين جديرٌ بتسجيل سلسلة من الأحداث العظيمة التي وقعت بكل تفاصيلها، أحداث يشيب لها رأس الوليد ويحار فيها اللبيب، وَآلاف الشهداء الذين ارتقوا إلى السماء وقد منعوا احتلال بلادهم واستعباد شعبهم ونهب ثرواتهم وانتهاك محرماتهم وتدنيس مقدساتهم؟
إن اتسم التسجيل بالأمانة فستزدحم صفحات التاريخ بشخصيات أقرب إلى الخيال من الحقيقة في طهرها وإيمَـانها وشجاعتها وإخلاصها، وبأعمال خارقة للعادة أثّرت في مجريات الأحداث، فحوّلت أقوى منظومة عسكرية في العالم إلى رُكامٍ محترِقٍ ومليارات الدولارات أنفقها العدوّ استحالت حسرةً في قلوبهم، ومُرغت في التراب أنوفُ جيوش لدول عديدة تفوقهم في التدريب العسكري وَالعدة والعتاد، ولن يستطيعَ المؤرخون تفسيرَ ذلك في إطار المألوف في حياة البشر، بل سيظل التفسيرَ الوحيدَ الممكنَ أنهم امتلكوا إيمَـانَ الأنبياء وصفاتهم فأقبلوا على بارئهم بيقينِ المصدقين وإخلاص العابدين وعمل المجتهدين، فما كان من مولاهم إلَّا مساندتهم بقوًى سماويةٍ لم ترها الأعينُ بمحدودية قدرتها وإنما أدركتها العقول بآثارها الواضحة الجلية.
سيضطر التاريخُ للقول بأن غالبيتَهم كانوا في بداية شبابهم، فعزفوا عن بهجةِ الدنيا وزينتها وهبوا يتسابقون إلى ميادين المعارك بدون دافع مادي يطمحون إليه، أَو منصب يأملون في نيله أَو رتبة عسكرية يرجون الوصول إليها، تجد أحدهم رغم حداثة سنه يتصدى لمعسكر بأكمله بسلاحه الشخصي دون خوف أَو قلق وهو يردّد صرخة العزة صرخة بقاء الأكرمين.
سيسجل التاريخ أن هؤلاء الفتية غيَّروا المعادلة وَأفسدوا مؤامراتٍ حاكتها دول كبرى لإسقاط المنطقة بأسرها ولطالما نجحت قوى الشر هذه في أنحاء العالم، لكنهم كشفوا للعالم ضعف هذه الأنظمة وهشاشتها، وَعرَّوا مؤامراتها الدنيئة وماضيها المزري وحاضرها المخزي ومستقبلها الآفل قبل مجيئه.
سيكتب التاريخ أنهم حموا بلادَهم بدمائهم وأرواحهم فلم يدنِّسْ طُهْرَ أرض اليمن غازٍ حقيرٌ، ولم ينل من شعبها الكريم حاقد لئيم.
ومهما قلنا ومهما كتبنا فسيظل شهداؤنا أنجماً عالية لن يصلَ إليها أحدٌ مهما امتلك من بلاغة القول أَو قدرة التعبير.. ويكفيهم شرفاً أنهم يحيون حياةً كريمةً عند ربهم يُرزَقون.