حكاياتُ الشهداء لن تغيب!..بقلم/ عبد القوي السباعي
هنا ومن أرض الصمود والثبات، وبوابة التحدّي والتصدّي، من موطِن الإيمَـان وأرض الحكمة، التي ظن الغزاة الطامعون أنها الساحة الخصبة والبيئة الرخوة لتنفيذ مخطّطاتهم وتشييد مشاريع أطماعهم، غير أنها شهدت من الأحداث والمآثر والتضحيات الجسيمة والبطولات النادرة، على مدى أكثر من سنواتٍ سبع مضت، حين وثب لهم رجالٌ عشقوا الشهادة كعشق أعدائهم للحياة، وتراكضوا إلى مواقع النزال وساحات الوغى وميادين الاستبسال، رجالٌ ابتسموا للخطوب واقتحموا الأهوال وجاهدوا واستشهدوا بصمتٍ وعنفوان وخطّوا بدمائهم الحمراءِ القانية والمسكوبة على الأرض اليمنية، تاريخاً لن ينمحي من وجه الدهر.
هؤلاء الشهداء الأبرارُ هم الصفوة الذين اختارهم الله، وهم أهلُ النخوة والحمية والوفاء، فجمعوا بين المبدأ والمثال، مبدأ التصدي لقوى البغي والعدوان والدفاع عن الأرض والذود عن العرض، فكانوا مثالاً عمليًّا يُحتذى به وقُدوةً لمن لم يلحقوا من بعدهم من الذين “وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”، ولم يكن همّهم أن تعلق صورهم وأن تكتب عنهم الأبحاث وتنتج عنهم البرامج والأفلام؛ لأَنَّ ذلك لا معنى ولا قيمة له في ميزان طموحاتهم، في الفوز برضوان الله والحياة الأبدية.
غير أننا معنيون بالاهتمام بمآثرهم، وحفظ سيرتهم ليس في أُمهات الكتب والصحف والمجلات والأفلام الوثائقية فحسب، بل وفي نفوسنا وسلوكنا الوجداني وأن نقدّمها للأجيال في قصصٍ أَو حكاياتٍ تجمع بين جمال الأُسلُـوب والسرد وصدق التوجّـه والمسلك الذي عبروه، وفق تسلسل الأحداث التي عايشوها، إذ لم يكن الوفاء لتضحيات الشهداء أن تدفن مع رفاتهم وينسى الناس مآثرهم، وما القول: “اذكروا محاسن موتاكم” إلَّا إدراك لعقوق الأحياء، فما بالُكم إذَا كان هؤلاء هم شهداء عظماء بعظمة مشروعهم وعظمة قضيتهم؛ لأَنَّ مِن عادة الزمان السيئة أنه لا يتوقفُ ولا ينظُرُ إلى الوراء فتغيب عن الأجيال اللاحقة أسماء الشهداء وأسماء المواقع والأماكن التي تذكّر ببطولاتهم.
يجبُ أن تظلَّ أخبارُ وقصصُ شهدائنا الأبرار حيّة في مخيّلة الأجيال وفي حياتهم، إلى الأبد، وليس بالضرورة أن يتخللها من المبالغات التي قد تفقدها القيمة التاريخية؛ لأَنَّ طبيعة الرواة قد تفرض نوعاً خاصاً من تضخيم الوقائع، إلَّا أن تسجيل تلك اليوميات باتت من الأمور الضرورية، وعلينا الوصول إلى ما يمكن أن يكون قد دوّنه أحد المجاهدين في دفترٍ صغير قبل أن تتداوله الأيدي ولم تدرك أهميّة الحفاظ عليه فيضيع قبل أن تتحول الرواية إلى حكايةٍ تهتم بالحقيقة التاريخية لهذا الشهيد أَو ذاك.
في هذا السياق يشدّد السيد القائد في أكثرَ من مناسبة على الاهتمام بتدوينِ قِصَصِ الشهداء وإبراز حكاياتهم بقوله: “وراء كُـلِّ شهيدٍ حكاية”، وهي مناسبةٌ لكل الكُتَّاب والمهتمين إلى تدوينِ كُـلِّ ما يقعُ في أيديهم من قِصَصِ شهدائنا العظماء، ليس في الذكرى السنوية للشهيد فحسب، بل على مَدارِ العام، والعمل على نشرها في أية وسيلةٍ كانت، كواجبٍ ديني ووطني وأخلاقي، تجاه من وهبوا أرواحَهم واسترخصوا دماءَهم؛ لكي ننعَمَ بالأمن والأمان والعزة والكرامة والحرية والاستقلال.