بين المسؤولية والسؤال “١”.. بقلم/ عبد الحميد الغرباني
كَثيراً ما ناقشنا مع مسؤولين تردِّي وَضْعِ مؤسَّسات الدولة، وَتحسَّرنا على غِيابِ التحوُّلِ المنشودِ في مجالاتٍ كثيرةٍ على رأسها المرتبطة بالخدمات العامة، وفي المقابل دائماً ما تكرّرت إجَابَةٌ واحدةٌ وإن اختلفت المفردة تعزو سببَ ما نشكوه إلى محدوديةِ الإمْكَانات وضعفِ الكوادر وقيود القوانين، وأن كُـلَّ ما يتصلُ بهذه الثلاثية، يطيلُ التعثرَ ويعمِّقُ رواسبَ وَتركة الماضي وَيزيد وطأة تداعيات وآثار العدوان والحصار، اليوم وقد بلغ السيلُ الزُّبى كما دلَّ على ذلك توصيفُ السيد قائد الثورة وضعَ مؤسّسات الدولة بالمُزري، يمكن طرحُ متطلبات السير نحو التغيير والتحول عن هذا الوضع إلى واقع أفضل.
ماذا نحتاج؟
دورانُ عجلة خلاص البلاد من الوضع المزري يطلبُ تمكينَ ذوي الكفاءة مكانتهم وإعادةُ النظر في التشكيلة الممسكة بتلابيب القرار في مؤسّسات الدولة كلها، بدايةً من الحكومة المزدحمة جِـدًّا بأسماء تفتقرُ لما تقدمه ولا تملكُ مبادرةً حقيقية للبناء وَالنهوض بالمؤسّسات، أكثر الحقائب الوزارية يشغلها وزراء لا ينتمون لاختصاصاتها جلبهم إليها منطقُ المحاصصة فيما هي تحتضن عقولاً نيرة وقدرات وطاقات مهدورة مَقصيَّة لم تجد بعدُ فرصتَها لمراكز القرار والإدارة، وشهراً تلو آخر ومرحلةً إثر أُخرى حواجز الواسطة وغيرها تعترضهم، بلدُنا في وفرةٍ من هذه الفئة وفقط لم يكتشفهم متخذو القرار في ظل سياسات تعيين مختلة تراكم معيقاتٍ تنمويةً وتطورية.
لا بل لم يُبحَثْ عنهم، فيما البحثُ عن الشخصيات القادرة في مظانها الخطوة الأولى للتغيير وَسيكتشفهم الباحث من نتائج لافتة لعمل ما زاولوه أَو تجربة طوّروها أَو سُمعة لامعة تركوها أَو كفاءة مشهودة، وثمة منهم فئةٌ يتشاطرون مظاهرُ عيانية عديدة ليس من بينها امتلاكُ الفلل والعقارات والحسابات البنكية، وَيعبّر عن بعضهم بساطةُ الملبس وَالمأكل وَالحركة عبر العام من المواصلات أَو ما توفر من سيارات غير فارهة، وثمة من تقدمهم أُطروحاتُهم تجاه التصحيح ولوازمه والبناء وعوامله، ويستدل على آخرين بما لازموه من شفافية وَنزاهة تجاه المال العام وحُرمته بالنسبة لهم، فلم يحتال عليه تحت عنوان التخطيط وَالإعداد والتحضير للمشاريع والنفقات التشغيلية الباهظة والنثريات المبالَغ فيها والمكافآت وبدل التنقل و… إلخ.
الكوادرُ النقية موجودةٌ وَكثيرةٌ والمهمُّ اكتشافُها وإن كانت عدمُ الوصولية في أنفسهم لا توصِّلهم، وإن لم تزاحم مِلفاتُهم مِلفاتِ الوصوليين وإن طوت هذه الملفات خبراتَهم ودرايتَهم.
وكيف يمكن الوصول إليهم فيما ما تزال آلية الترشيحات لهذا المنصب وذاك الموقع وهذه المؤسّسة وتلك الوزارة من فلان وَعلان وفي إثرها يتم التعيين وإصدار القرارات، هذه الآلية فاسدةٌ وَوسيلة نفوذ وطريق لتثبيت وتعميق آخر وفي نفس الوقت لا تستنقذ الجهاتُ والمؤسّسات والمحافظات موضعَ التعيين والتغيير، أما لماذا؟ فلأَنَّ حسن اختيار الأشخاص وَتعيينهم يضمنُ القضاءَ على كُـلِّ تأخُّر وَيجتازه بشكل لافت فيما سوءُ الترشيحات والتعيين يُعمِّرُ التعثر ويستولد السخط.
يجب الحذرُ من الشللية التي يوقع فيها البعضُ بفعل الغير وإن كان بثوب الناصح أَو يقع فيها آخرون باستبساط الأمور وَتساهل تداعيات ذلك، الشللية بدائيةٌ تشكل حاجزاً أمام التغيير ولا بُـدَّ من قَصْمِ ظهرها ويجب أن نبحثَ عن الكوادرِ الكفؤةِ وَالمقتدرة والمؤمنة من كُـلّ الشعب، من الخطأ أن نحصرَ هؤلاء على جهة أَو نبحثَهم في محافظة، إن الاقتصارَ على عدد معيّن من الناس أَو نمطٍ واحدٍ يغرسُ شعورًا لدى الكثير أن لا دور لهم وأنَّ القوةَ الوافدةَ لا تختلفُ عن السابقة.
إنَّ كُـلَّ مَن نعلمُه يتفانى في ترتيباتٍ ضامنةٍ لمستقبلِه وأُسرتِه لا يخدُمُ المرحلةَ ولن يخدُمَ الشعبَ في أية مرحلة، التفاني في المصالح الخَاصَّة يقيِّدُها عن العموم فيما السعيُ الدؤوبُ في المصالح العامة يخدُمُ كُـلَّ اليمنيين وينفعُهم جميعاً، وهذا نهجٌ لمن يتحلون بالمسؤولية ويتملَّكُهم الإخلاصُ في ما يوكل إليهم من الأعمال وتسيرُ إليهم مقاليدُ الأمور هنا وهناك، إن هاتين الصفتين كافيتان لاختيارِ البعض وتعيينهم، ثم في طريق المزاولة العملية ستتعاظمُ القدرةُ وتتطوَّرُ لديهم، وكُلُّ هؤلاء وَأينما كانوا يشكلون حيزاً كَبيراً من كادر التغيير المطلوب، لكن ثم سؤال آخر: ما المطلوب؟ تستوقفُ عنده سطورٌ أُخرى.