الصحافة الأمريكية تطلق العد التنازلي لانهيار المملكة، والنخبة تطالب بالبحث عن البديل لآل سعود
في حين تسعى السعوديةُ لتفعيل اللوبي الخاصِّ بها في الولايات المتحدة، تتصدَّرُ الصحافةَ الأمريكية عناوينُ موجَّهةٌ، تدعو فيها حكومة الولايات المتحدة إلَى الاستعداد والتحضير لمرحلة ما بعد انهيار النظام السعودي، في إشارةٍ واضحةٍ منها، أن الوقت قد حان للبحث عن البديل الاستراتيجي لآل سعود.
حسين الجنيد
من المعروفِ عن اللوبيات في الولايات المتحدة، قُدرتُها على التأثير في القرار الأمريكي، وهذا ما دفع النظام السعودي لإنشاء لوبي خاص به في واشنطن على غرار اللوبي اليهودي من حيث التوجهات والأهداف من جهة، ومن جهةٍ أخرى تحسين صورتها في ذهنية المجتمع الأمريكي الذي بات يدرك حقيقة هذا النظام، أنه الممول الأول والأَكْبَـر للتنظيمات الإجْـرَامية والمصدّر الأوحد للفكر الديني الوهابي المتطرف الذي أسهم بشكلٍ أساسيٍّ في نشأة تنظيمي القاعدة وداعش.
وفي الوقت الذي تكثّف فيه السعودية جهودها لتفعيل أدوات هذا اللوبي وتوسعة أنشطته، يحتدم الجدال في الدوائر السياسية والاستراتيجية الأمريكية حول مستقبل العلاقات الأمريكية- السعودية، حيث تباينت فيه المواقف بين من يدعو للتدخل الفوري لإنقاذ السعودية من المأزق الذي أقحمت نفسها فيها، وبين من يدعو لسحب الغطاء عنها لعدمية الجدوى من استمرار الدعم الأميركي لها؛ كون واشنطن لم تعد بحاجةٍ ماسةٍ إلَى الرياض كما سبق في العقود الماضية، سواء على المستوى الوظيفي كمنفذةٍ للسياسات الأميركية في المنطقة العربية، أو كموْردٍ أول للنفط بصفتها الدولة الأَكْثَـر إنتاجاً ومخزوناً لهذه السلعة الاستراتيجية الهامة، والذي أصبح يكلف الولايات المتحدة ثمناً سياسياً باهظاً طيلة العِقديين، الجاري والماضي، خاصةً وأنَّ الولايات المتحدة تتجهُ لتدعيم صناعة النفط الصخري والانسحاب التدريجي من منطقة الخليج بعد الاتفاق النووي الإيراني، وتركيز التواجد العسكري في منطقة جنوب المحيط الهادئ لمحاصرة النفوذ الصيني هناك.
الأمر الذي استرعى اهتمام الكثير من المراقبين والمهتمين بهذا الشأن، هو قيام الصحافة الأمريكية بفتح أبواب هذا الجدل على مصارعها، وذلك بنشر تقاريرَ ومقالاتٍ للعديد من قادة الرأي ونخبة الإنتلجنسيا في الولايات المتحدة والتي تصدّرت عنوانين تلك الصحف وافتتاحيتها، وتلخصت بتوجيه رسائلَ واضحةٍ تدعو فيها الإدارة الأمريكية لإعداد العُدة والبدء في عمل الخطط اللازمة ودراسة كافة السيناريوهات المحتملة لاختيار البديل النافع عن هذا النظام المتهاوي.
رويترز: جدوى الاستمرار في دعم حليف غبي ومتهور
وفي سياق هذا الجدل الذي سلطت الصحافة الأمريكية الضوء عليه، نشرت وكالة رويترز الأمريكية على موقعها الرسمي مقالاً لجوش كوهين، المدير السابق للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو. إس. آي. دي) تحت “عنوان الحليف الغبي المتهور”، تناول فيه دواعيَ استمرار دعم الولايات المتحدة للسعودية في ظلِّ دأب الأخيرة على سياسة التهور والإفساد في المنطقة وزعزعة الاستقرار فيها، وهو ما يتعارض في وجهة نظره مع السياسات الأميركية الحالية الرامية إلَى احتواء الفوضى في الشرق الأَوْسَط حسب تعبيره.
وقال كوهين في مقاله “يجب علينا ألا نغفل عن تنظيم “داعش” الذي يعد أحد أخطر تداعيات تلك السياسات المتهورة، والذي أصبح يشكل تهديداً عالمياً، في حين كان هذا التنظيم لوقتٍ قريبٍ أداةً في يد الاستخبارات السعودية”. ليختتم كوهين مقاله بقناعته المطلقة، “إن على الإدارة الأميركية الاعتراف بحقيقة أن السعودية أصبحت حليفاً ثقيلاً، ومصدراً للمشكلات، فما جدوى الإبقاء على المظلة السياسية الأميركية لهكذا حليف؟”.
ديفانس ون: الاستعداد لسقوط آل سعود
أما صحيفة ديفانس ون، فقد نشرت تقريراً بعنوان “استعدوا لسقوط آل سعود”، اعتبرت في سياقه، أنّ السعودية ليست دولة، إنّما هي “مشروع تجاري غير مستقر وفاسد”، مشبهةً إياها بـ” منظمةٍ إجْـرَامية”.
وَأوضحت الصحيفة في تقريرها الذي أعدّه “أليكس دي وال”، و”ساره تشيس” المعروفان بمدى قُربهما من المطابخ الاستراتيجية الأمريكية، أنّه “يجب على الولايات المتحدة أن تستعدَّ للأيام المقبلة واختيار البدائل”، وجاء في التقرير أنّ النُّخبةَ الحاكمة في السّعودية تتصرّف كـ “مشروعٍ إجْـرَاميٍّ متطور”، مشيراً إلَى أنّ السّعوديةَ “على مدى نصف قرن، مثّلت محور سياسة الولايات المتحدة في الشّرق الأَوْسَط”. وبيَّنت أنّ أميركا “اشترت إمداداتٍ مضمونة من النّفط، مقابلَ إمدادات مضمونة من الأمن”، متجاهلةً بذلك “الممارسات الاستبدادية، وتصدير التّطرف الوهابي”.
واعتبر التقرير أنّ الإدارة الأمريكية، تعاند في وصف حليفتها السعوديّة بـ “المعتدلة”، وأنّ “ثقة الشّركات الأميركية الخاصّة لا يعنيها ما إذا كانت عائدات النّفط السعودية تشكّل صندوقاً لمكافحة الإرهاب، فقط هي تهتمُّ للأرباح التي ستجنيها من المملكة السعودية”.
ورأت الصحيفة أنّ “السّعودية ليست دولةً على الإطلاق”، مشيرةً إلَى “طريقتين لوصف السعودية، أولاً هي نموذج لمشروع سياسي ذكي، لكنه عمل غير مستدام في نهاية المطاف”، وثانياً “هي مشروع فاسد يعمل كمنظمة إجْـرَامية متكاملة عمودياً وأفقياً”، معتبرةً أنه “وفي كلتا الحالتين، فإن السعودية لا يمكن أن تستمر”، مؤكدةً إلَى أنّ “صنّاعَ القرار في الولايات المتحدة، بدأوا منذ وقت، التّخطيط لمرحلة ما بعد انهيار السعودية”.
وفي هذا الاتّجاه، أوضَحَ التقريرُ إلَى أنّ الملك سلمان، يمثّل بحد ذاته “رئيس مجلس إدارة أعمال العائلة، التي تحوِّل عائدات النفط إلَى رشاوي تشتري بها الولاء السياسي”، وذلك وفق نموذجين: على شكل “معونات نقدية وامتيازاتٍ تجاريّةٍ لأَبْنَـاء الأسرة الحاكمة، وقدرٌ من المنافع العامّة وفرص العمل لبعض العوام”.
كما جاء في التقرير أن “الولايات المتّحدة أحصت، منذ فترةٍ طويلةٍ، خزائنَ هائلةٍ تخص الأسرة الحاكمة، لاستخدامها في شراء الولاءات والمصالح الخاصّة. حتى مع حسابِ انخفاض أسعار النفط في الفترة الحالية، يكثّف المسؤولون السعوديون من شراء الأسلحة و(القيام) بمغامرات عسكريةٍ في اليمن وأماكن أخرى”، لافتاً الانتباه إلَى أنّ الرياض بدأت تنفد منها الأموال.
وأشار التقرير إلَى “أن الملكَ سلمان ينفقُ ببذخٍ لضمان ولاءات العديد من الوجهاء، الذين تعهد بهم الملك الراحل عبدالله، رابطاً هذا البذخ بما جرى في جنوب السودان، حيث قامت النخبة الجشعة فيها، بتحويل أموال النفط في البلاد إلَى جيوبٍ خاصةٍ، أدّت في نهاية المطاف لنفاد ثروتها ودخلت في الفوضى العارمة”، في تلميحٍ واضحٍ بالنهاية الشبيهة التي تتجه نحوها المملكة.
وفيا يتعلق بالوضع الداخلي للمملكة، أوضح التقريرُ “أنّ النُّخَبَ السياسية تحتكر السّلطة، وأنّ أموال الدّولة تذهب إلَى الخارج على شكل استثماراتٍ خاصّةٍ، فيما يطالب المواطنون السعوديون بأبسط المطالب”، مشبّهاً الحكام السعوديين، بالرئيس الأوكراني السّابق فيكتور يانوكوفيتش، الذي انتهى به المطاف للسقوط السياسي والفرار إلَى روسيا.
ولفتت الصحيفةُ في تقريرها، إلَى أنّ الضّغطَ على الرّياض، خفّفه على مدى عقود، تصديرُ المنشقين المتطرفين مثل أسامة بن لادن، الذي خدم الإدارة الأمريكية بنشر التّطرُّف في جميع أنحاء العالم الإسلامي، مشيراً إلَى أنّ “هذه الاستراتيجية، يمكن أن تعودَ بنتائجَ عكسية على السعودية، حيث انهالت الانتقاداتُ عليها من قبل العرب والعالم”، واعتبر أنّ الملك سلمان أقل براعةً في الحكم من أخيه غير الشقيق الملك عبدالله، موضحاً أنّ “حكم سلمان شهدَ تنفيذاً لأحكام الإعدام بحق المعارضين، وحروباً خارجية، وتأجيجاً للصراعات الطائفية؛ بهدف تشويه المطالب الشّعبية للأقليّات، وزيادة ولاء الأَكْثَـريّة”، مؤكداً أن كُلَّ ذلك ستكون عواقبه وخيمةً على نظام الحكم في السعودية.
واختتم الصحيفةُ تقريرَها بتناوُلِ مسألة صراع الأجنحة داخل العائلة الحاكمة، مع ارتفاع كلفة الولاء، في حين تواجه السعودية خصماً قوياً في سوريا واليمن، وخطراً جرّاء التصعيد مع إيران، وتعرقل الحلول للكثير من المشكلات الإقْليْمية، واعتبر أنّه على “صُنَّاع القرار في الولايات المتحدة تحمّل هذا الخطر”، بالإضافة إلَى توقّع “سيناريو انتفاضة سلمية أو جهادية داخل البلد”. وأنّه “على الولايات المتّحدة تنفيذ عمليات التخطيط الّدقيق، لكلّ من هذه السيناريوهات المختلفة، واختيار البدائل عن نظام آل سعود”.
فورين بوليسي: على أمريكا الشعور بالقلق من قرب الانهيار السعودي
وتحت عنوان “آن الأوان للولايات المتحدة الشعور بالقلق من انهيار سعودي”، جاءت افتتاحية مجلة فورين بوليسي الأمريكية والتي قام بتحريرها “جون حنا” أحد أشهر قادة الرأي في الولايات المتحدة، وكبير زملاء مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، ومستشار نائب الرئيس السابق جورج بوش للأمن القومي، حيث استهل افتتاحية المجلة بسرد مجموعةٍ من المشكلات والتي تمثّل تهديداً لنظام المملكة قد يقودها إلَى الانهيار الكامل.
وأعرب حنا في افتتاحية المجلة عن سخطه مما تقوم به السعودية من إحداث العديد من المشاكل والأزمات في منطقة الشرق الأَوْسَط في ظل سياساتٍ غيرِ ناضجة، حسب وصفه، وبدا ذلك واضحاً في قوله: “كما لو أن الشرق الأَوْسَط لا يحتوي مشاكل كافيةٍ للشعور بالقلق، حتى تتجه السعودية من مأزقٍ نحو آخر، فإذا لم يتم تداركها بالشكل الملائم، قد تلتحم تلك الأحداث في نهاية الأمر لتكون عاصفةً مكتملةً، تزيد من مخاطر عدم الاستقرار داخل هذه الدولة الذاهبة نحو الانهيار، فتقودنا لعواقب لا تعد ولا تحصى على سوق النفط العالمي وأمن الشرق الأَوْسَط، لهذا ينبغي على الإدارة الأمريكية الشعور بالقلق من الآن لهذا الانهيار”.
الانكماش الأمريكي
وفي ظل التدخل الروسي في الملف السوري، الذي أظهر جلياً مدى التحجيم الحاصل للنفوذ الأمريكي المتقلص بوتيرةٍ متسارعةٍ منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني، تسودُ حالةٌ من الذعر في أروقة قصر اليمامة؛ لإدراكهم التام بتداعيات انحسار النفوذ الأمريكي في المنطقة؛ كونه الضامن الفعلي لبقاء المملكة في الوقت الراهن، كما ضمن بقاءها طوال السبعة عقودٍ الماضية.
ومن جهةٍ أخرى تدورُ في خلد الكثير من المحللين السياسيين السعوديين العديدُ من التساؤلات، فيما إذا كانت إدارة أوباما قادرةً على التعافي من الفوضى الجيوسياسية التي أطلقتها لتنفيذِ مشروعها الكبير في المنطقة؛ لتقومَ بواجبها كحليفةٍ استراتيجيةٍ للمملكة ومساعدتها في الخروج من مآزقها، والفوضى التي أقحم الحكام الجدُدُ مملكتهم فيها، ليجيبَ على هذه التساؤلات جون حنا، حين اختتم افتتاحية مجلة الفورين بوليسي بقوله: “مع الأسف الشديد، لا يوجد بالتأكيد أي سبب للاعتقاد بأن الإجابة على أي من هذه الأسئلة بالإيجاب. وفي هذه الحالة، سوف تستمر المخاطر بالنمو على قمة كُلّ هذه الكوارث الأخرى التي سيورثها أوباما إلَى خليفته، وقد يزيد عليها واحدة: وضعٌ من عدم الاستقرار قابل للتفاقم ومحفوف بالمخاطر في السعودية، أَكْبَـر مصدرٍ للنفط في العالم، وموقع أَكْثَـر الأماكن الإسلامية قدسيةً، وبلد يغصّ بشكلٍ متساوٍ بالأسلحة الأميركية المتطورة والوهابيين الغاضبين.