وكيل وزارة التربية والتعليم لقطاع المناهج والتوجيه أحمد النونو في حوارٍ لـ “المسيرة”: الوزارةُ تعمل برؤيةٍ مستقبلية تنطلقُ من مفهوم ربط التعليم باقتصاد المعرفة

 

المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي

 

– بدايةً أُستاذ أحمد.. ما الحاجة اليوم لتطوير المناهج والحديث تخصيصاً عن أهميّة تطوير مواد العلوم، الرياضيات، اللغة الإنجليزية والعربية؟

بدايةً.. وفي هذا المقام نتوجّـه بجزيل العرفان لقيادة الوزارة ممثلة بالسيد العلامة يحيى بدر الدين الحوثي -وزير التربية والتعليم- لما يوليه للعملية التعليمية من اهتمام ومتابعة وإشراف مباشر ومُستمرّ للخروج بتطلعات منشودة لرفعة الوطن وإعلاء شأنه؛ باعتبار التعليم والتعلم بوابة مهمة لبناء أي مجتمع، وبه يقاس تقدم الأمم في عصر التقدم المعرفي والتكنولوجي، فالنجاح الذي تحقّق للدول المتقدمة يرجع أَسَاسه إلى التطور في التعليم، ولقد أولت وزارة التربية والتعليم جلّ اهتمامها في طرح التحديات من خلال الواقع، والخروج برؤى تخدم العملية التعليمية /التعلُمية، وتعمل في ضوء التوجّـهات الحقيقية لبناء المشروع النهضوي للأُمَّـة، حَيثُ تم تشكيل فريق من الخبرات التربوية الأكاديمية والإدارية لتشخيص واقع العملية التعليمية وفي مقدمتها تطوير المناهج الدراسية والعناية بالمنهج وذلك لحاجتنا إلى:-

– بناء مناهج يمنية وفق ثوابت قرآنية، تبين مرتكزات أَسَاس المنهج القرآني، والقيادة الحقة، والأمة بمفهومها الجامع، مع ضرورة العناية بالمسؤولية، والمقدسات ودلالتها، وأبعاد الصراع مع الأعداء الحقيقيين للأُمَّـة.

– التأسيس لمشروع نهضوي لبناء الأُمَّــة، والعناية بأسسه ومرتكزاته، من حَيثُ العناصر الأَسَاسية لبناء المنهج العلمي وفق عمليات العلم الأَسَاسية.

– بناء مواد تعليمية تمكّن المتعلم من الاستفادة منها في سوق العمل، مع وعيه بالمتغيرات، وارتباطه القوي بدينه، وثوابته الدينية والوطنية.

– تشكيل مساحة معرفية وخبراتية قائمة على النشاطات المعرفية والخبراتية، والممارسة الفاعلة، والتفكير الناقد للمتغيرات والظواهر مع القدرة على استيعابها، وتحليلها، وتفسرها.

– توظيف البحث العلمي في مناهج التعليم العام، بحيث يستطيع المتعلم معرفة الأشياء من خلال تتبعها في ضوء موجهات علمية.

– وضع مناهج تُعنى بالتعليم المهني والتقني في ضوء تنويع مسارات التعليم الثانوي، وربطه بالواقع الذي يعيشه المتعلم.

– ربط المتعلم بالموروث التاريخي المنسجم مع هُــوِيَّته الإيمَـانية اليمانية الجامعة بكل تفاصيلها، ومدلولاتها الأخلاقية والمعرفية.

 

– يقال: إن المناهج لم يتم تحديث بعضها منذ عقدين من الزمن أي منذ حوالي عشرين عاماً.. هل هذا صحيح؟

هذه هي الحقيقة والتي لا يمكن تغافلها مناهجنا الدراسية مر على بعضها أكثر من عقدين وعلى سبيل المثال منهج اللغة الإنجليزية من بعد العام 1962م إلى نهاية السبعينيات تم تدريس السلسلة المصرية English for Use (الإنجليزية للاستخدام)، واستمر تدريسها حتى مطلع الثمانينيات، ثم ظهرت سلسلة جديدة English for Yemen (الإنجليزية لليمن)، واستمر تدريسها، وبعد الوحدة في عام 1990م، تم تدريس مناهج موحدة لمادة اللغة الإنجليزية (مناهج الكريسنت Crescent البريطاني) في الجمهورية اليمنية، وكانت تلك المناهج قد تم استخدامها في بعض الدول العربية المجاورة، ولكن تلك الدول طورت مناهج جديدة لمناهج اللغة الإنجليزية، وبالتالي تم ترحيل واستخدام مناهج الكريسنت البريطانية في مدارس الجمهورية اليمنية بعد إدخَال بعض التعديلات الطفيفة من قبل المؤلفين البريطانيين وقد استمر تدريس هذه السلسلة من بعد قيام الوحدة حتى الآن، أي ما يقارب من ثلاثة عقود.

 

– مع إسناد المهام المتصلة بإعداد المناهج الدراسية وتجريبها وتطويرها وتقويمها لإدارة تطوير المناهج ومركز البحوث والتطوير التربوي.. ما المهام التي قامت بها هذه الجهات لتطوير المناهج؟

هذه المهام مسندة للإدارة العامة للمناهج كونها الإدارة المختصة بالشراكة مع مركز البحوث والتطوير التربوي والإدارة العامة للتوجيه تحت إشراف اللجنة العليا للمناهج.

من منتصف العام 2015م أوكلت قيادة الوزارة مهمة تطوير مناهج التعليم العام في الجمهورية اليمنية إلى (الإدارة العامة للمناهج) بالقرار الوزاري رقم (293) لسنة (2015م) والصادر بتاريخ 22/6/ 2015م بتشكيل لجان للمراجعة والتصويبات للمواد لإزالة الأخطاء اللغوية، والخلافات المذهبية التي كانت في الكتب الدراسية، ومحاولة ترميمها، واستمر العمل في المراجعة والتصويب حتى مطلع عام (2017م)، وخرجت كتب تلك المرحلة إلى الميدان التربوي والتعليمي، ثم انتقل العمل في تطوير المناهج إلى التطوير الشامل بحيث يتم مراجعة الوثائق لكل مادة من قبل الاختصاصيين، وَالبناء على تلك المتغيرات.

 

– مركز البحوث وتطوير المناهج.. هل يفتقرُ كادرُه إلى التأهيل المُستمرّ والعالي مع حديث بأن إهمالا لعقود لحق بالمركز؟

يعتبر كادر مركز البحوث والتطوير التربوي من الكوادر المؤهَّلة علمياً ومهنياً، حَيثُ لا يمكن تجاهلها ويعد المركز الرافد الرئيسي لوزارة التربية والتعليم في مجال بناء وتطوير المناهج وإعداد الدراسات والبحوث التطويرية، حَيثُ تعمل وزارة التربية والتعليم بمختلف قطاعاتها في منظومة شبكية متكاملة بتكامل جوانبها العملية التعليمية.

 

– ألا يرتبط تطوير مناهج العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية بتطوير الوسائل التعليمية وتأهيل الكادر التعليمي…، وهذا ما يعني الحاجة لميزانية تعليمية “كبيرة” لتطبيق الجديد بكل تفاصيله؟

أركان العملية التعليمية المتجسدة في: المتعلم، والمعلم، والمنهج المدرسي والأنشطة والوسائل المصاحبة له، والإدارة المدرسية، وتمويل التعليم، والخطط الدراسية، والاختبارات، والبحوث العلمية المتعلقة بالتعليم وآلياته تحتاج من القائمين عليه إلى إعادة النظر مليًّا في (الواقع التعليمي)، وما تصاحبه من تحديات وهذا ما يستدعي البحث عن حلول، ووضع معالجات لتلك الإشكالات، ولهذا فَـإنَّ الوزارة تعمل برؤية مستقبلية تنطلق من مفهوم ربط التعليم باقتصاد المعرفة لإعداد الأجيال المتعاقبة إعداداً متكاملاً، وتأهيلهم لتحمل المسؤولية، وقيادة المجتمع والأمة على طريق الحق والخير والعدل والمساواة.

 

– مناهجنا لا زالت تعتمد على الحفظ والتلقين بعيدًا عن الإبداع والابتكار مع أن هذا لا يعني تجاهل جوانب الحفظ والتلقين الهامة في شقٍ من المعرفة.. ولتلافي هذا الخلل كيف يمكن الأخذ بهذه العناصر عند تطوير المناهج؟

قصور مناهج التعليم العام في الجمهورية اليمنية عن متطلبات العصر، واحتياجات متعلم الغد حاضر وبقوة، فقد اهتمت المناهج التعليمية بالمعرفة، ولم تسهم في بناء المهارات المتعلقة بالتفكير والإبداع والتميز، كما أنها لم تجعل المتعلم قادرًا على مواجهة التحديات وأخطارها، وطغيان الثقافة اللفظية والسبورية على الممارسات التدريبية فأغلب تلك المناهج إما أنها بنيت وفق تطلعات، واعتمدت على المانح جملةً وتفصيلاً، فظهرت صعوبات متعددة تواجه العملية التعليمية في مدخلاتها وعملياتها ومخرجاتها، بعضها إرث الماضي في مدخلات التعليم، ومن ذلك: التسرب، وإعداد وتمهين المعلم، والاختبارات وآليات القياس والتقويم… إلخ، ومنها ما يتعلق بالعمليات في استخدام استراتيجيات تدريس تقليدية، أَو بيئة غير جاذبة أصلاً، ومنها ما يتعلق بمخرجات التعليم وعلاقتها بسوق العمل.

بينما يعد الكتاب المدرسي وثيقة تربوية وتعليمية، يتم إعدادها بطريقة علمية وعملية منظمة، لترجمة الأهداف في إطار المفاهيم والمبادئ والحقائق والنظريات… إلخ، ومن خلال الأنشطة والأساليب الموجهة، وهو في ذاته ترجمة إجرائية منظمة على صورة وحدات تعليمية ودروس، ويكون بلغة ميسرة ومبسطة ومفهومة تتناسب وخصائص المتعلم ومستوى خبرته، وطبيعة تلك الخبرة التعليمية والتعلمية.

ولذلك، نسعى إلى تحقيق وظائف الكتاب المدرسي، والتي منها:

– تحقيق أهداف الصف الدراسي المعد له.

– تقديم المحتوى التعليمي بصورةٍ مناسبة.

– تنمية المهارات المتعددة والمصاحبة للمحتوى، وتوظيفها.

– الدفع بالمتعلم نحو التعلم الذاتي، ومساعدته على التفكير السليم، وتنظيم التعليم المتدرج… إلخ.

 

– تدني مستوى القراءة والكتابة في لغتنا العربية –اللغة الأم– في المستويات الدراسية العليا يظهر ضعف المحتوى والمنهج عامة.. هل يمكن تخطي هذا بتكثيف المحتوى أم ماذا، إذَا ما أخذنا بالاعتبار أن “الكُتَّاب” ودور وحلقات العلم كانت تصنع علماء كباراً؟

التعليم نظام يتطور باستمرار؛ لأَنَّه نسق متكامل يتأثر بالأبعاد العالمية والمجتمع المحلي، فهو بحاجة إلى مواكبة التطورات في مجال التربية وعلم النفس، مع المتغيرات والأبعاد المحركة للعملية التعليمية ذاتها، وقد حرصت دول العالم على العناية بالعملية التعليمية وقضاياها، ووضع آليات لضمان مناخات تعليمية للأفراد بما يحقّق تكافؤ الفرص بين مكونات المجتمع المختلفة، لبنائه في ذاته كفرد، وتلبية متطلبات المجتمع والأمة.

وتوضح المؤشرات الدولية إلى تدني مستوى التعليم بصفةٍ عامة في الوطن العربي، إلَّا ما كان في بعض الدول، وقد ترجع أسبابه إلى أمور أُخرى، أَو إنها لا تمثل أبعادًا حقيقية في التعليم، والتدني في مستوى التعليم يدق جرس الإنذار لمستويات التنمية الأُخرى لأي بلد، بل وينذر بخطر الجهل والأمية في عصر العولمة المتسارع، ويعمل على إعاقة الإنتاج الوطني، وقد أولت اليمن -منذ وقتٍ بعيد- التعليم أهميّة كبرى، فقد كان يتم بصورةٍ غير نظامية، إلَّا في مدارس محدودة، حَيثُ كان موجهًا توجيهًا محدودًا لمتطلبات مقصودة (قبل 1962م)، ثم تحول إلى الصفة النظامية بصورة عامة، لمسايرة عالم اليوم من حيث: النظام التعليمي، المقرّرات، الاختبارات.

ومع ما تشير إليه التقارير الدولية والإقليمية من تَدَنٍ لمستويات التعليم في اليمن: التقرير القطري لـ OOSCI (2014م)، وتقرير اليونسكو المساءلة في مجال التعليم (2017م)، والتقويم الوطني (2018م)…، ويتضح حجم التحديات الموجودة في الواقع التعليمي، والتي يكاد أن يتماهى الجميع في النتائج، وقد يتشارك –الجميع- في أغلب الآراء والاقتراحات التي تعمل على تحسين جودة التعليم، وكل هذا يعزى لاتساع الفجوة بين عناصر العملية التعليمية وأبعادها، وكذلك وجود الاختلالات في المنظومة التعليمية بصفةٍ عامة إما من خلال الأبعاد التحليلية لنتائج أدوات القياس المستخدمة، أَو من خلال المُخرَج التعليمي، أَو المحكّات العالمية التي شملتها الدراسات المسحية الدولية.

 

– أشار المؤتمر العلمي الأخير إلى وجود مشكلات في المحتوى المعرفي للعلوم والرياضيات وفقاً لنتائج الاختبارات الدولية ومنها اختبارات TIMSS ما فحوى هذا الدراسة؟ ما الذي خرجت به؟ وكيف تمت اختبارات TIMSS؟

يعد ظهور التقييمات الدولية والمحلية للوضع التعليمي، والتي أظهرت تدنياً ملحوظاً في الدول العربية غالبًا، وبلدنا خَاصَّة، فقد أظهرت نتائج الاختبارات الدولية TIMSS في الرياضيات والعلوم في الفترة (2005 – 2008م) تدنيًا غير مَرْضِيّ عنه، وكانت اليمن قد شاركت في تلك الاختبارات الدولية منذ عام (2003م) وحتى (2006م)، وأظهرت مشكلات، منها:

– وجود مشكلات في المحتوى المعرفي للعلوم والرياضيات (المواد التي يجري فيها الاختبار).

– وجود تدنٍ في مستوى القراءة والكتابة، حَيثُ أظهرت نتائج اختبار TIMSS أنّ الأسئلة القرائية -لمن طبق عليهم الاختبار– ضعيفة جِـدًّا، وظاهرة ضعف القراءة بصورةٍ عامة منتشرة حتى في المستويات العليا، كما أظهرت بعض الدراسات وجود ثغرات قرائية وكتابية تمتد إلى الجامعة والدراسات العليا، وهذه الإشكالية يفترض أن يتم تجاوزها في الصفوف الأربعة الأولى، فمدارسنا لم تنجح في إجادة المهارات الأَسَاسية: القراءة، والكتابة، والحساب.

كما أظهرت اختبارات التحصيل الوطنية -الصادرة عام (2012م)- تدنيًا ملحوظًا في تحصيل الطلبة تجاوزت حَــدّ الوصف (خارج التقييم).

وأظهرت نتائج التقييم الوطني لتلامذة نهاية الحلقة الدراسية الثانية (4- 6) من التعليم الأَسَاسي في المواد (اللغة العربية – رياضيات –العلوم) سنة (2017م) الصادر من مركز البحوث والتطوير التربوي تدنيًا ملحوظًا في المواد السالفة الذكر.

 

– تم تكليف فرق علمية وأكاديمية متخصصة في تطوير المناهج من جامعة صنعاء ومركز البحوث والتطوير التربوي لتنفيذ هذه المهمة الوطنية… ما المدة التي أنجزت فيها مهام التطوير المكلفة بها؟

الفرق شكلت بتوجيهات معالي وزير التربية والتعليم والتي نفذت خلال الفترة الماضية ولمدة تسعة شهور من الفترة فبراير 2022م وحتى نوفمبر 2022م وكانت مخرجات هذه الفرق إلى جانب (11) دراسة وبحثاً في إطار المشاركات العلمية التي قدمت من الباحثين والخبراء التربويين سواء من الجامعات أَو المجال التربوي والتعليمي كانت هي مدخلات عقد المؤتمر الوطني الأول لتطوير المناهج وتنويع مسارات التعليم.

 

– ما الذي ستضيفه هذه الفرق على المناهج الدراسية؟

إننا هنا نتحدث عن إضافات وإسهامات الدراسات التي نفذتها هذه الفرق والتي نتطلع من خلالها إلى:

-الإسهام في تحقيق أهداف الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة في مجال التعليم والابتكار والإبداع والمعرفة والبحث العلمي.

-الوقوف على مستوى تطور المناهج الدراسية في ضوء الأسس العلمية والثوابت الدينية والوطنية والهُــوِيَّة الإيمَـانية.

-السعي إلى تقديم رؤية عامة لتنويع مسارات التعليم العام في الجمهورية اليمنية.

-الاهتمام بتجسير العلاقة بين مكونات النظام التعليمي (العام، الفني والتقني، العالي).

-إيجاد رؤى تطويرية ذات منهجية علمية من خلال ما سيقدم من دراسات علمية في فعاليات المؤتمر الوطني الأول لبناء مناهج دراسية واقعية مبسطة لصالح المتعلم وبما يحقّق مصلحة الطلاب.

-الاهتمام بالعلوم التطبيقية وأحداث ثورة علمية في جميع المواد العلمية، وكذلك اللغة العربية والوصول إلى منهج يستطيع الطالب من خلاله تحقيق ذاته وتطلعات وطنه.

 

– أنتم في قطاع المناهج والتوجيه هل اطلعتم على دراسات وتجارب عربية وعالمية في مجال تطوير المناهج.. بحيث نبدأ من حيثُ انتهى الآخرون؟

كانت توجيهات معالي وزير التربية والتعليم واضحة في هذا المجال لمنطلق الرؤى التطويرية في أهميّة الاطلاع على الدراسات والتجارب العالمية في مجال تطوير المناهج وذلك ما عملت عليه كافة الفرق في إعداد الدراسات المقدمة بالاطلاع على تجارب مختلف دول العالم -خَاصَّة الدول الأكثر تقدماً- إلى تطوير المناهج بشكل عام، واستعراض أهم المبادرات والتجارب العالمية في كُـلٍّ من: (سنغافورة، وفنلندا، واليابان، وكوريا الجنوبية- إضافةً إلى الجزائر والمغرب).

 

– ما أبرز ما اطلعتم عليه.. وكيف يمكن الاستفادة منه؟

التجارب الدولية متعددة وهناك نجاحات كبيرة ولعل ما تتميز به التجربة السنغافورية في التركيز على العلوم والرياضيات والمواد التقنية وتنويع مسارات التعليم وإقامة المدارس المهنية والتقنية والتجارية لتوفير أيدٍ عاملة قوية لخدمة التصنيع واحتياجات سوق العمل.

كل هذا لم يأتِ مصادفة أَو من فراغ وإنما كحصيلةٍ لجهود مضنية، ومناهج متكاملة ومتطورة، وهيئات تدريس عالية الكفاءة، وسياسات تربوية حكيمة، الأمر الذي جعل الناس حول العالم مشدودين ومهتمين بمعرفة أسرار تفوق السنغافوريين وخَاصَّة في الرياضيات، وحينما أدركوا أن بعض السر هو في المنهج تحديدًا، ذاعت شهرة هذا المنهج وصار يعرف باسم “الرياضيات السنغافورية”، وهذا أَدَّى بدوره إلى نشوء رغبة في معرفة أسرار المناهج التعليمية الأُخرى في تلك البلاد على افتراض أنها هي الأُخرى متقدمة ومتميزة -وهي كذلك- وهكذا ظهرت مصطلحات، مثل: الفيزياء وفق الطريقة السنغافورية، والإنجليزية وفق الطريقة السنغافورية، ويكمن السر في نجاح التعليم في سنغافورة إلى عدة عوامل:

العامل الأول: وجود فهم مشترك بين عناصر مجتمع التعليم المهني –وزارة التعليم، والمدرسة والمعلمين والباحثين- على أن تغيير التعليم عملية تطويرية تحتاج إلى التكيف والتعديل، ولضمان نجاح مثل هذه التغييرات كان هناك تحالف استراتيجي وشراكة وتآزر واستجابة للاحتياج وحوارات متبادلة ومُستمرّة بين عناصر التغيير الرئيسة وأصحاب المصلحة، فالعلاقة بين الثلاثي: وزارة التعليم، المدارس، الجامعات هي حجر الأَسَاس في نجاح التحول في التعليم السنغافوري.

العامل الثاني: طبيعة العلاقة بين البحث والممارسة، والقرارات، وهي علاقة متبادلة ومُستمرّة فالبحث يغذي القرارات والممارسات، والقرارات تتحول إلى ممارسة، والممارسة تؤثر وتقود إلى قرارات كما تغذي البحث، وتقوم المؤسّسة الوطنية للتعليم بدور محوري في تسهيل علاقة الجهات الثلاث مع بعضها البعض.

العامل الثالث: عمل المسؤولون في سنغافورة على هدفٍ أَسَاسي أسهم في إرساء قواعد جيدة للتعليم إلى أن أصبح من أفضل نُظُم التعليم عالميًّا، هذا الهدف يتمحور في اكتشاف مواهب كُـلّ طالب على حدة، ثم يتم اختيار برنامج تعليمي له يهدف إلى تنمية هذه الموهبة للوصول إلى ذروتها، وخلق حلقة من الشغف والحب تظل ملازمة للطلاب طوال حياتهم لتطوير مواهبهم.

العامل الرابع: التطوير المُستمرّ في السياسات والأبحاث الخَاصَّة بصياغة المناهج وتطبيقها وإدارة البيئة التعليمية، والالتزام الصارم لعشرات الآلاف من المدرسين المدربين تدريباً عالياً والمقبلين على عشق مهنتهم كواجبٍ وطني وليس كمُجَـرّد وظيفة مدرة للدخل، وقد اختصر وزير التربية السنغافوري ذات مرة أهداف وزارته في: التواصل مع العالم، والتركيز على مادتي الرياضيات والعلوم، وخلق المعرفة، وتأسيس بيئة تعليمية تشجع على الإبداع.

العامل الخامس: منهج الرياضيات السنغافوري ليس من إعداد مجموعة من البيروقراطيين في وزارة التربية، وإنما نتاج مسابقات ومساهمات تشترك فيها المؤسّسات العلمية والاقتصادية الخَاصَّة، والتي ستحتضن يوماً ما خريجي المدارس والكليات وتوفر لهم الوظائف القيادية، وهذه بطبيعة الحال ما تجعلنا معنيين بتقدم تصورات لمناهج تستوعب الأحدث ابتكاراً والأكثر قدرةً على سبر أغوار العقول وتنشيطها؛ مِن أجل خلق كوادر علمية تنافس بها الآخرين.

 

– ما أبرز مكامن الخلل في المناهج العلمية وكيف تم وضع رؤية تطوير المناهج في ضوء المنطلقات التي حدّدتها الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة؟

لقد كانت (الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة 2019م) هي القاعدة الأَسَاس للتطلعات، ويعد القانون العام للتربية والتعليم (45) لسنة 1992م هو الأَسَاس للقراءة عن واقع التعليم في اليمن؛ لأَنَّه ما زال ساريَّ المفعول، وما بين الرؤية والقانون يتضح الواقع، فكأن (التعليم في اليمن بين الواقع والتطلعات.. التحديات والمعالجات المقترحة) حلقة شبكية تترابط فيما بين جزئياتها، لتشكل واقع التعليم بأبعاده المتعددة، وقد تضمنت الرؤية محاور مختلفة تشمل قطاعات الدولة، وقد جاء التعليم في المحور الثامن (57- 59)، حَيثُ تضمن الغاية، والأهداف الاستراتيجية، والمؤشرات، وأهم المبادرات، وقد وضعت (9) أهداف استراتيجية يمكن أن تشتق منها أهداف كثيرة تعمل على النهوض بالقطاع التعليمي في مستوياته كافة؛ لأَنَّه شمل أبعاد التعليم وعناصره المتعددة، وآلية الارتقاء به في النهضة التعليمية.

 

– ما جوانب القصور التي أظهرتها نتائج دراسة تقويم المناهج؟

ركزت دراسات تقويم مناهج (العلوم -الرياضيات –العربي –اللغة الانجليزية) في الجمهورية اليمنية، للتعرف على مدى توافر مجالات ومؤشرات قائمة تحليل المحتوى للصفوف من (1 – 12)، واعتمدت الدراسات على المنهج الوصفي التحليلي، واستخدمت قائمة تحليل المحتوى للتحليل، وتكونت عينة الدراسة من: جميع كتب المواد للصفوف من (1 – 12) طبعة 2020/2021م، وبمشاركة (372) مشاركاً يمثلون: أكاديميين من جامعة صنعاء والجامعات الأهلية، باحثين من مركز البحوث والتطوير التربوي، موجهين، معلمين ومعلمات، ممثلين عن الطلاب والطالبات في أمانة العاصمة.

وتتلخص نتائج الدراسات بآلاتي:

-ضعف توافر مهارات القرن الحادي والعشرين وتدني تضمين التطبيقات التكنولوجية الحديثة ومواكبة التغيرات المتسارعة.

-توافر مهارات التفكير بأنواعها لمراحل التعليم العام بدرجة قليلة، وتركيز التقويم في المحتوى على المجال المعرفي وإهمال بقية المجالات، مع ضعف تضمين المحتوى لخلاصات علمية توضيحية للطلاب وأولياء الأمور.

-ندرة توفر الأدوات والمواد والأجهزة العلمية لتنفيذ الأنشطة والتجارب العملية المحتوى، حَيثُ لا يلبي احتياجات المجتمع وسوق العمل.

-ضعف جودة الإخراج الفني للكتب الدراسية وضعف جودة الصور والأشكال التوضيحية من حيث: دقة الألوان والحجم.

-كثافة الأنشطة في المحتوى بما لا يتناسب مع الزمن المخصص لتنفيذه، مع وجود بعض الأخطاء العلمية والطباعية.

 

– كيف أن المناهج الحالية لا تلبي متطلبات الواقع والتجارب والنماذج العالمية والتحولات التي يشهدها العالم في المجالات المختلفة، من أي الزوايا يظهر القصور؟

بسبب تدني توافر مجالات المحتوى العلمي والأنشطة، تظهر النتائج تدني توافر مهارات التفكير العلمي الناقد والمهارات الحياتية، ومهارات الإبداع والابتكار، ومهارات البحث والقدرة على الاختراع، وأن المحتوى الحالي يكاد يخلو من مهارات القرن الواحد والعشرين، ولا يراعي الحداثة والتغييرات المتسارعة، كما لا يحقّق التنمية المهنية للمتعلم، ولا يلبي حاجات سوق العمل، ولا يساعد المتعلم على حَـلّ المشكلات، ويُعزى كُـلّ ذلك إلى تقادم المنهج الذي لم يحظَ بعملية التحديث والتطوير.

 

– جرى الحديث أنه منذ ما يقارب عقدين من الزمن تعاني المناهج الحالية قصوراً في تنمية القيم الدينية والوطنية والمجتمعية بما لا يتوافق مع المجتمع اليمني وثقافته.. كيف ذلك أُستاذ أحمد؟

إننا بحاجةٍ ماسة لإعادة النظر في جوانب العملية التعليمية، بحيث تشمل مسارات المنظومة التعليمية، وتواكب الاتّجاهات العالمية المعاصرة في مجال التعليم والتعلم بما لا يخالف ثوابت وقيم الأُمَّــة وهُــوِيَّتها، وَيلبي التحرّر من الوصاية والتبعية للأعداء، وبما يضع الخطوات الصحيحة التي تؤدي إلى النهوض بهذه الأُمَّــة وازدهارها، بخطى ثابتة تحقّق للمجتمع التمكين والعزة، ومع ظهور جوائح عالمية قد تربك المشهد في المجتمع المحلي، ومن ذلك جائحة (كوفيد – 19) وما جاء عنه، فعلى المؤسّسة التعليمية (الوزارة والمكاتب التعليمية) السير بحذر وبصيرة تجاه كُـلّ تلك الظروف، مع ما يمر به البلد من وضعٍ مأساوي (العدوان والحصار).

إن إعادة النظر في تلك المشاريع التي تمت في الفترات السابقة أصبح ضرورة ملحة في إطار شعار المرحلة “يد تبني ويد تحمي” ورغبة البلد في النهوض، والتطلعات المُستمرّة لتبني مشروع نهضوي في المجالات كافة، فهذا كفيل بأن يحاول القائمون على التعليم –مهما أمكن- أن يضعوا كُـلّ تلك التصورات في حدود القدرة، والإمْكَانات المتاحة، وبجهودٍ ذاتية، وآليات متابعة بصدقٍ وشفافية.

إن التشخيص الواقعي وقراءة المعطيات الكمية والنوعية للعملية التعليمية يحتاج من القائمين والمسؤولين على الوزارة العمل وبذل الجهد في إيجاد الخطوات الحقيقية لتعليم وتعلم نافعين ومحقّقين للطموحات، وأن يتيقنوا أن العملية التعليمية شبكية المعمار، متداخلة في ذاتها، لتتوحد مع سائر مؤسّسات الدولة في النهضة والبناء والتنمية، وأن تكون الغاية إيجاد جيل متسلح إيمَـانيًّا، متحَرّك عمليًّا، يرتقي بوطنه وأمته.

 

– على أية مرجعيات ستتم عملية تطوير المناهج الدراسية؟ وما حاجتكم في قطاع المناهج للمزيد من الدراسات والأبحاث والإمْكَانات لمواكبة التطورات المتلاحقة؟

القانون العام للتربية رقم (45) لسنة 1992م المادة 49 يؤكّـد على التالي: “تخضع المناهج التعليمية والكتب المدرسية للمراجعة الدورية بالتنقيح أَو التحديث لتواكب التطورات العلمية والتكنولوجية وتتبع الجديد في نظرية التربية وعلم النفس”، حَيثُ إن تقادم مناهجنا الدراسية وعدم مواكبتها للتطورات العلمية والتكنولوجية.. لا زالت بعيدة عن متطلبات العصر، واحتياجات متعلم الغد، فقد اهتمت المناهج التعليمية بالمعرفة، ولم تسهم في بناء المهارات المتعلقة بالتفكير والإبداع والتميز كما تستند على المرجعيات التالية (الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة -فلسفة التربية والتعليم في الجمهورية اليمنية -الوثائق والكتب الدراسية لمواد اللغة العربية، الرياضيات، العلوم، اللغة الإنجليزية -الرؤى التطويرية التي خرج بها المؤتمر الوطني الأول لتطوير المناهج وتنويع مسارات التعليم -التجارب الدولية الناجحة في المجال التعليمي).

 

– ماذا عن تطوير مسارات التعليم، ما الذي يمكن أن يتطور في هذا الاتّجاه في ظل غياب إرشاد وتوجيه مدرسـي ومهني للطلبة لتوجيههم إلى التخصـصـات المناسبة لقدراتهم وميولهم ولحاجات السوق؟ وما الذي تسعون إلى تغييره أَو تطويره في مسارات التعليم الأَسَاسي والثانوي؟

إن أحد أهم أسباب ضعف مخرجات التعليم الثانوي في معظم الأقطار العربية ومنها الجمهورية اليمنية يعود إلى حالة الانفصام القائمة بين مؤسّسات التعليم وقطاعات سوق العمل الإنتاجية والخدماتية، كما أن برامج ومناهج التعليم الثانوي العربية تركز على توجيه الطلبة نحو التكوين الجامعي الأكاديمي على حساب التعليم التقني والمهني، مما أَدَّى إلى عدم مواءمة هذا النوع من التعليم لاحتياجات سوق العمل المتغير والمتجدد، وحتى تستطيع هذه الدول تجاوز مثل هذه المشكلات وتحدّد معالم استراتيجية تنميتها، يجب أن تجعل من أولويات عملها في المجال التربوي والتعليمي تحقيق الهدف المعلن وهو ربط التعليم الثانوي باحتياجات التنمية وسوق العمل؛ لذا لا بُـدَّ من التركيز على النوعية والتعليم المتكامل الكفيل بإيجاد شخصية قادرة على التكيف مع متطلبات التغيير المُستمرّ في المهن المختلفة، وتُعد مرحلة التعليم الثانوي من أكثر المراحل التعليمية التي تتنازعها الاتّجاهات التربوية المتصارعة في تحديد أهدافها وأنماطها ومناهجها، وتأثر التجديد في التعليم الثانوي إلى حَــدٍّ كبير بهذه الصراعات، واتجه إلى إحداث التكامل والتوازن بين النشاطات التربوية والأكاديمية والمهنية والاجتماعية، وهذا ما سيحقّق فاعلية التوجيه والإرشاد المدرسي المهني ليؤدي دوره في تحقيق التكامل بين العلم والعمل وسد احتياجات الدولة ومشروعاتها التنموية، والإسهام في تقدم المجتمع.

ومن أجل التعمق أكثر في مجال تطوير التعليم الثانوي وتنويع مساراته، (تشعيباته)، من خلال الاطِّلاع على مجموعة من تجارب بعض الدول وهي: (الأردن، ماليزيا، اليابان، ألمانيا، فنلندا، سنغافورة، الصين، المغرب، الجزائر، كوريا الجنوبية)، اقتراح عدد من مسارات التعليم الثانوي ستعمل الوزارة على تطبيقها في المدارس المحورية بالمحافظات والمديريات كمرحلةٍ أولى لتهيئة الطلبة وأولياء أمورهم والهيئات التعليمية والإدارية بالمسارات التخصصية، سيتم في هذه المرحلة جمع المعلومات عن المدارس ومدى جاهزيتها، ومعلومات عن المنطقة المحيطة بها وتحليلها وتلخيصها، وتطبيق ضوابط فتح المسارات في المدارس المحورية، وتهيئة المدارس المحقّقة للضوابط العامة والخَاصَّة لاستقبال المسارات الجديدة، وتطبيق المرحلة الأولى والثانية عند الترشيح لفتح مسار معين في المدرسة، بينما المرحلة الثالثة تطبق سنويًا لتقييم المسار المفتوح للحكم على مدى استمراريته أَو إغلاقه أَو ضمه، وبذلك تكون دورة سير العمل وفق ضوابط ومعايير تضمن الاستمرارية والفاعلية لهذه المسارات.

 

– ماذا عن إلزامية المقرّرات الدراسية، حَيثُ لا توجـد مـواد اختيارية وذلك ما يظهر وجود العديد من الفجوات المتمثلة في بروز الثنائية القائمة على تقسيم المرحلة الثانوية، وغياب قنوات التجسير بينما لا يتم مراعاة الميول والقدرات والاتّجاهات للطلبة في التعليم الثانوي في الوقت الذي تتناقص فيه أعداد الملتحقين في القسـم الأدبي؟

من خلال نظام الدراسة والخطة والمقرّرات الدراسية المقترحة لكل مسارٍ من المسارات المقترحة سواءً (مسار العلوم الطبيعية والرياضيات -مسار العلوم الصحية والبيئة -مسار الهندسة وتقنية المعلومات -مسار الاقتصاد والعلوم الإدارية –المسار الزراعي -مسار العلوم الإنسانية والشرعية)، بإذن الله تعالى سنتجاوز كُـلّ تلك الفجوات المتمثلة في بروز الثنائية القائمة على تقسيم المرحلة الثانوية، وغياب قنوات التجسير وعدم مراعاة الميول والقدرات والاتّجاهات للطلبة في التعليم الثانوي وتدني أعداد الملتحقين بالقِسم الأدبي والاهتمام بتعليم الحاسوب واللغة الانجليزية والتعلم الذاتي.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com