في خضمِ النور الإلهي..بقلم/ كوثر العزي
في غسق الدجى نورٌ من السماء هبط واستقر في فراش أحدهم ليستيقظَ من السبات والالتجَاء لمحراب الرجاء، يفتح إحدى عينيه تدرجاً لشدة سطوع تلك الأنوار، ما إن ينهض قليلًا ويستقيم حتى ينظر للسماء ليرى نوراً إلهياً، بهمسٍ ينادي هلُمَّ إن كنت أهلاً للفداء، فيبتسم فرحاً أن هداه الله لطريق الجهاد واصطفاه أن يكون أهلاً لنصرة الحق في بداية البزوغ، نهض يتوضأ وفرش السجاد ليسجد لله حمداً وشكراً.
قلبه يهمس له قائلاً إن اترك متاع الدنيا واذهب لخضم المعارك، فيأتي صوتٌ آخر يقول له لا فأنت تنعم في دارٍ يحفها الحب والإخاء والدتك حنونة وأباك كذلك مَا الذي يدعك أن تذهب فيقاطع ذلك الصوت قائلاً: لا، لقد اخترت طريقي، والله تعالى يقول في محكم كتابه: “انفروا”، ماذا سيكون جوابي إن سألني أين كنت يوم نادتكَ آياتي أن تهب للجهاد؟ لما التثاقل، كُثر النقاش بين العقل والقلب فحسم الأمر وعلت كلمة الله بقلبه وسقط مراد الشيطان.
حينها ينطلق بلا تردّد لساحة القتال في ركب ابن البدر شد الرحال رغم شح الإمْكَانيات وتسلط الدولة الظالمة لم يأبه بذلك فالمنادي هو الله من قال في مُحكم كتابه: “وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”، وقال عن كيد الشيطان إنه كان ضعيفاً.
في تلك المرحلة وخوفاً على الأبناء تم التشديد من قبل الأسر ومنعهم من الذهاب لقتال شباب في مقتبل أعمارهم ما بين الـ 18 وَالـ 19 في ريعان صغرهم ماذا إن ألقت الدولة الظالمة آنذاك القبض عليهم حتماً سيضيعون ويصبحون في عداد الموتى، هكذا كان تفكير أهالي المجاهدين السابقين، حينها انطلق العديد من المجاهدين من مدينة ضحيان رغم حقد المجتمع وغيض الدولة وترسانات الدعم الأمريكي مضوا واثقين بالله.
وهنا أحكي لكم عن أحد المجاهدين الأبطال الذين جاهدوا في الله حق الجهاد، رغم كُـلّ المعوقات في طريقهم إلَّا أنهم لم يستسلموا.
الاسم: محمد حميد العزي.
مواليد: محافظة صعدة – ضحيان.
تاريخ الاستشهاد: في الحرب الثانية.
مكان الاستشهاد: نشور العصائد.
ولد وترعرع الشهيد في بيئةٍ مُحافظة ملتزمة بالدين القويم، بمدينة العلم والعلماء “ضحيان” كان الشهيد ذو رصيدٍ عالٍ من الوعي، حيثُ إنه قيل عنه منذ الصغر يبكي خشيةً من الله متبتلاً، انطلق الشهيد مُنذ أول خطاب للشهيد القائد ولبى النداء تحت لواء القيادة، جاهد واستبسل حتى نال ذلك الوسام العظيم، والرفعة السامية، سُجن الشهيد في المنطقة بداية الانطلاقة وقبل الحروب التي شنت على محافظة صعدة، تم إخراجه من السجن آنذاك وما إن تم إخراجه من السجن حتى انطلق كالسهم لبالغ الهدف، جعل من جبال مران مسكناً ومن الحسين معلماً وقائداً، ومن مدرسة الهادي تعلم كيف ينال الشهادة الأبدية.
كان الشهيد من ضمن السجناء الذين تم سجنهم؛ بسَببِ الصرخة في الجامع الكبير بصنعاء، بعد الخروج والتعهد للدولة بأن لا يصرخ مرًة أُخرى، حينها لم يمكث الشهيد بين أهله وذويه ما يقارب الشهرين إلَّا ويعاود الانطلاقة لجبال مران منتظر منهم توجيه وتحميلة أمانة نصرة لتلك المديرية، اتجه الشهيد لمحطته الأخيرة “نشور العصائد” هناك التقت الروح ببارئها وعانقت النفس المجد وارتقى شهيداً، فقد الجثمان كـ جده زيد بلا ضريح سلامٌ عليهم يوم جاهدوا في الله حق الجهاد.
كيف استشهد.!
تـم محاصرتهم في منطقة تسمى بـ”العصائد” تمكّن العدوّ منهم، منهم من استشهد ومنهم من جرح، لم يهدأ حقدهم هنا وكفى، بل تقدموا بالدبابات وتم دهسهم بتلك الآليات حتى اختلط العظم بالرمل ليحكي قصص العظماء.
فسلامٌ سلام عدد العطاء وتضحيات العظماء.