الوجهُ الآخرُ للمنظَّمات..بقلم/ صلاح الجوحمي
لا يخفى على أحد الدور الخبيث الذي تلعبه المنظمات العالمية المدعية بإنسانيتها كذباً ونفاقاً وخداعاً للمجتمعات أَو الشعوب التي تستهدفها أثناء الحروب والصراعات منذ تأسسها.
وللتوضيح فَـإنَّ المنظمات عادة ما تستهدف الشعوب التي تعاني من الصراع حيثما كان بادِّعاء نجدتهم والحفاظ عليهم من الاستهداف المباشر من أطراف النزاع المتصارعة ومساعدتهم والعمل على رفع معاناتهم بشتى أنواعها وعلى رأسها المعاناة الاقتصادية.
ولكن ما يثير حفيظة الكثير من المراقبين على الصعيدين العالمي والمحلي أي (على مستوى الدول المستهدفة عسكريًّا وإغاثياً في آن واحد) وأعني بالمراقبين هنا من يتسموا بالحيادية والمصداقية خلال مشاركاتهم الإشرافية والرقابية أَو حتى الرقابة عن بعد، هو ذلك الدور السلبي والفاضح لتوجّـهاتها وأهدافها، فقد لاحظوا خلال متابعتهم لأنشطة المنظمات المنعوتة إنسانياً والممقوتة واقعاً عمليًّا، سواء كان ذلك خلال الحروب والصراعات الأخيرة من القرن الماضي وما نتج عنها خلال العقدين المنصرمين من هذا القرن، فقد أكّـدوا على كذبها وزيف إنسانيتها.
إضافة إلى دورها وعملها الدؤوب على استهداف ضحيتها والذي عادة ما يكون ذلك الشعب المعاني من ويلات القتل والجوع والدمار والخراب الناتج عن تلك الصراعات والحروب.
حيث يؤكّـد الكثير منهم على أنها تسعى بل وتعمل جاهدة خلال دعمها اللوجستي لمنكوبي مناطق الصراع إلى عدة أعمال خبيثة أثناء نزولها ومسوحاتها الميدانية ومنها:
– جمع المعلومات عن طرفي النزاع والتركيز بشكل كبير على الطرف المستهدف والذي غالبًا ما يكون المجتمع المغلوب على أمره فيما لو كانت تلك الحرب تمرداً داخلياً، أَو حتى نظاماً لدولة معينة تم الاعتداء عليها من قبل دولة أُخرى هي الأقوى منها عسكريًّا فتنال القصد الأوفر من المعاناة الإنسانية والقهر والإذلال.
– تزويد الطرف الأقوى بالمعلومات لتشجيعه على التمادي في التدمير والقتل والتجويع.
– توثيق الانتهاكات التي قام بها الطرف الأقوى للاستفادة منها لاحقاً فيما لو تم محاسبته على جرائمه وانتهاكاته مستقبلاً.
– نشر الشائعات بين الأطراف المتنازعة والعمل على توسيع الفجوة بينهما.
– التشجيع على التحلل والتفكك الاجتماعي فكرياً وثقافيًّا والترويج للشائعات بجميع أنواعها وألوانها المختلفة والمتعددة والتي من شأنها إضعاف المجتمع وتمكين العدوّ منه ومن السيطرة عليه على المستويين الشعبي أَو حتى نظام الدولة بعينها.
– إضعاف المجتمع أَو النظام نفسه عسكريًّا واقتصاديًّا وعدم قدرته على الوقوف على قدميه دون الاستعانة بالمنظمات وهذا من أهم الأسباب التي تسعى إليه لتحقيق الأهداف الذي جاءت مِن أجلِها إرضاءً للقوى الكبرى عالميًّا.
– بث السموم واستهداف المجتمع قيمياً بكل ما تعنيه الكلمة وفي مقدمتها الفساد الأخلاقي بجميع أنواعه وآفاته الخطيرة والقاتلة.
إضافة إلى الكثير والكثير جِـدًّا من الأعمال التخريبية والموجهة ضد ذلك المجتمع أَو تلك الدولة، حَيثُ لا يتسع المجال لذكر أعمالها كاملة في هذه العجالة القصيرة.
بمعنى أنها تعمل على إهلاك الحرث والنسل أينما حلت ونزلت على مدى تاريخها الأسود، الملطخ بدماء الأبرياء والشاهد على مسغبة الجوعى وخراب البلدان.
والشواهد على ذلك كثيرة ومنها ما حصل أثناء الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك من قبل صربيا والتي كان آخرها ما حصل بين عامي 1995-1992م، حَيثُ وصل الضحايا الذين كان معظمهم من البوشناق إلى ما يقارب مئتي ألف ضحية.
ونتيجة لتلك المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية فقد اكتفت المنظمات الرقابية والإحصائية بكل برودة وعلى رأسها الأمم المتحدة والمحكمة الدولية عن الإعلان بأن ما حصل من جرائم حرب وقتل قام بها الصرب بحق البوسنيين قد (ترقى إلى جرائم حرب) ليس إلَّا.
حَيثُ أعفت الجناة الصرب عن تقديمهم إلى المقاضاة لمحاكمتهم وعلى رأسهم القائد العسكري (راتكو ميلاديتش) الذي جاوزت أفعاله الإجرامية معنى مصطلح الإسراف بحق البوسنيين.
وما حصل من ضحايا حرب العراق لإيران هو مثال آخر على زيفها، تلك الحرب التي فاق عمرها الثمانية أعوام من الاستنزاف البشري الهائل في صفوف المدنيين الإيرانيين، حَيثُ بدأت نهاية العام1980 واستمرت حتى العام 1988م وكان حصيلتها حصاد مئات الآلاف من الأبرياء كضحايا عزل لا ناقة لهم فيها ولا جمل سوى أنهم مواطنون إيرانيون صنفهم الجيش العراقي فُرساً لا يستحقون الحياة؛ باعتبارهم محسوبين على نظام معادٍ له لم يرضخ ولم يتنازل عن شبر من أراضيه.
ويا ترى ماذا كانت ردة الفعل لتلك المنظمات إزاء تلك الجرائم الوحشية التي قام بها النظام العراقي بحق الإيرانيين؟
لا شيء حصل، لا إدانات ولا محاكمات ما عدا الاكتفاء بالتعقيب على تلك المجازر الشنيعة بتبرئة الجلاد والحكم على الضحية والذي أثمر بفرض حظر على إيران فاق عمره حتى الآن الثلاثة عقود وما زالت تماطل في إخراجه من كابوسه المرعب على مرأى ومسمع من العالم.
وبما تم ذكره فَـإنَّنا نلحظها تنحاز دائماً وبشكل واضح وفاضح إلى النظام العميل فتبرؤه وتجرم الضحية.
وبالطبع فَـإنَّ ما تعمله ليس عن طريق الخطأ أَو السهو أَو الارتباك الذي قد ينتج عن اختلاط الأوراق (فرضياً) وإنما لشيء في نفس الشيطان.
كما لا ننسى القضية الفلسطينية التي تندّد المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة بالانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني المظلوم منذ نشأتها، ولكنها لم تحقّق شيئاً يستحق الذكر والإشادة بدورها كمنظمات إنسانية وحقوقية تهتم بالإنسان كما تدعي سوى الشجب والتنديد والتمديد والتمكين للعدو الإسرائيلي البغيض على مر العقود الماضية.
ودليل آخر على فظاعة عمالتها وأهدافها المشبوهة والجلية بانحيازها للمخطّطات العدوانية الغربية التي تسعى من خلالها إلى تمزيق الشعوب وتشتيتها وبالأخص الإسلامية والعربية منها هو ما حصل للسودان من خلال العمل الدؤوب الذي استغرق منها الكثير من الوقت في عملية تفكيكه حتى وصلت في الأخير إلى مرحلة فصله إلى شطرين.
ومما لا يدع مجالاً للشك فقد كانت هي بنفسها من شجعت وأشرفت على تفكيكه وتقسيمه حتى تم فصله شمالاً وجنوباً في وقت قريب.
كما لا يجب أن ننسى شجبها للدواعش في سوريا الملقح والمبطن بدعمها لهم والذي أَدَّى إلى تدمير بنيتها التحتية وتهجير أبنائها إلى جميع أصقاع الأرض خلال العقد المنصرم وما زالت مُستمرّة على إكمال خطتها اللعينة إرضاء لإسرائيل حتى الآن.
واختصاراً لذكر الأمثلة اللامتناهية هو دور هذه وتلك المنظمات المتمظهرة ببراءة الذئب من دم يوسف والملطخة خفية بدمه وبعظيم جرم أقدموا عليه إخوته الحنونين ادِّعاء وتهرباً، هو ما حصل وما يزال حاصلاً حتى يومنا هذا من خلال العدوان الظالم على شعبنا اليمني العظيم منذ ثمانية أعوام من القتل والتشريد والتجويع والخراب والدمار واستهداف كامل وشامل على مرأى ومسمع من العالم دون أن تحَرّك تلك المنظمات ساكناً، أَو تنبس الأمم المتحدة والأنظمة العالمية بشفة، سوى الإدانات المتلاحقة على شعب يدافع عن نفسه ببعض الرشقات الصاروخية والطرود المسيَّرة على خصومه الألداء والتي يخجل العاقل فيما لو قام بمقارنتها مع ما أقدم عليه أعراب الخليج المتمثل بالسعوديّة والإمارات وحلفائهم من الأمريكيين والإسرائيليين، والتي فاقت أعمالهم الإجرامية الخيال البشري بمئات المرات.
حَيثُ أقدموا خلال عدوانهم الظالم على شعبنا على شن مئات الآلاف من الغارات الجوية ومئات الآلاف من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والملايين من الأعيرة النارية، وإشراك مرتزِقة العالم سواءٌ أكانوا دواعشَ جانجويدَ أَو متمسلمين عرباً ممن هو دَاعشي الهُــوِيَّة والمبدأ، أَو كانوا مرتزِقة يتبعون لمنظمات إرهابية عالمية كبلاك ووتر (Black Water) أَو دايل قروب (Dial Group) وغيرها من المنظمات الإرهابية المتورطة في سفك الدماء اليمنية وتدمير البنية التحتية لشعبنا العظيم.
وكلّ هذا وذاك، حصل على مرأى ومسمع من العالم والمنظمات اللاإنسانية دون أن تحَرّك ساكناً كما أسلفت، بل عملت ولا تزال تمارس سوء أفعالها على تبرئة الجلاد وتجريم الضحية.
ويا ليتها تكتفي بذلك وإنما تتمادى بتجويع الشعب وخنقه من خلال الحصار المُستمرّ برًّا وبحرًّا وجوًّا.
إضافة إلى تمزيق النسيج الاجتماعي من خلال بث الفرقة ونشر الشائعات والترويج للفساد الأخلاقي بجميع أشكاله.
وكلّ ذلك وغيره الكثير مما هو واضح وجلي أَو مستتر وخفي وأعظم تأثيراً وإيلاماً تنفيذاً لأهدافها الممقوتة والمحرمة التي جبلت عليها وعملت عليها وستبقى على ما هي عليه إلى أن يشاء الله.
وهكذا هي المنظمات.. فيجب علينا إلَّا ننخدع بالعناوين البراقة التي تردّدها وتحملها كذباً وافتراء وزيفاً وتشدقاً.
وهكذا هي المنظمات.. فيجب أن نعي وندرك مخطّطاتها ولا نغتر بمظاهرها وأكياس الدقيق الفاسد معظمه الذي تقوم بتقديمه وتوزيعه بين الناس من حين لآخر، علماً أنه لا يكاد يفي بالاقتيات منه لنصف شهر لمعظم الأسر المستفيدة والمتضررة منه في نفس الوقت.
وهكذا هي المنظمات وستبقى هكذا.. لا هَـمَّ لها في إشباع جائع، أَو توظيف عاطل أَو تقديم خدمة، مقابل ما تجنيه وتستفيده وذلك من خلال تحقيق الأهداف الساقطة التي أتت مِن أجلِها.
إضافة إلى الأرباح الخيالية التي تجنيها مقابل الفتات الزهيد الذي تمنحه وتقدمه لشريحة منكوبة قدر لها أن تكون كذلك من قبل طواغيت العرب والعجم الداعمين والراعيين الرسميين لها ولجرائمها المهولة عبر تاريخها الأسود منذ تأسيسها.