الشهيدُ المناضل عبد الله علي المؤيد.. روحٌ تعشقُ الشهادة!
استشهد 4 من إخوانه واستشهدت أخته في قصف لطيران العدوان الأمريكي السعوديّ بصنعاء
المسيرة- عباس القاعدي
مهما تحدثنا عن الشهداء فلن نفيَهم حقَّهم، فلا الكلمات تنفع ولا العبارات تكفي لإنصافهم، فهم النجوم المضيئة التي زينت طريق الحق، وهم المشاعل التي أوقدت ملامح النصر، وهم الذين رسموا لوحة الصمود الأُسطوري للعام الثامن، وحقّقوا الانتصارات المتتالية في وجه العدوان ولولاهم لما تحقّق هذا التمكين ويجب أن يبادلهم المجتمع الوفاء والتقدير تجاه أسرهم وذويهم، وهم من سطروا أروع ملاحم البطولة والوفاء والتضحية بأغلى ما يملكون، وباعوا أنفسهم رخيصةً في سبيل الله وفي سبيل عزة وكرامة وحرية الوطن، ولا بد أن يبادلهم الجميعُ الوفاءَ بالوفاء والتضحية بالتضحية، فهنيئاً لهم هذا الدرب، وطوبى لهم جنانَ السماوات.
وفي هذا الصدد ومن بين أبرز الخالدين الذين بذلوا أرواحَهم رخيصةً في سبيل الدفاع عن الوطن وكرامته تأتي قصة الشهيد عبدالله علي إسماعيل طامي المؤيد، واسمه الجهادي أبو ياسر من أبناء مديرية وشحه محافظة حجّـة متزوج ولديه سته أولاد، ومستواه العلمي أكاديمي “طبيب”، والتي امتلأت بالذكريات والعمل الدؤوب في سبيل الله وانبثقت صفحات مشرقة وخالدة، حَيثُ كان الشهيد على درجةٍ عالية من الخوف من الله سبحانه وتعالى لدرجة أنه لم يعد يخشى أحداً سوى الله عز وجل، ولم يكن يبالي أبداً بسطوة الظالمين والجائرين والمستكبرين ولا بجبروتهم ولا بطغيانهم، منذ أن انطلق في المسيرة القرآنية.
انضمامُه إلى المسيرة وأعماله الجهادية
انضم الشهيد الدكتور إلى هذه المسيرة القرآنية في العام ٢٠٠٣ عبر أخيه الشهيد أبو طالب المؤيد، الذي كان في حركة الشباب المؤمن، وبعد أن تأثر الشهيد بأخيه انطلق ولم يتردّد رغم الصعوبات والتحديات التي كانت تواجهه في حياته ولكنه لم يبالِ بها، وتحَرّك وانطلق وكُلف في تلك الفترة بنقل الأشرطة والسيديهات من ملازم ومحاضرات الشهيد القائد إلى محافظات عده.
بعدها أقدم النظام السابق على شن الحرب الرابعة والتي كانت من ضمنها حرب شعلل مسقط رأس الشهيد خوفاً من انتشار وتوسع المسيرة في مديرية وشحة بمحافظة حجه وكان للشهيد دور بارز في تلك الفترة، حَيثُ كُلف بشراء وتهريب الغذاء والسلاح إلى القرية المحاصرة وكذلك تهريب الجرحى ومعالجتهم وبعد عامين من العناء الحصار والحرب على أهله فرج الله بنصر للمؤمنين الصادقين بعد أن استشهد ٣٨ شهيداً وشهيدة من أقربائه منهم ٣ من إخوانه ولكن ذلك لم يوهن من عزمه بل كان وقوداً له في إتمام مسيرته الجهادية.
بعدها كُلف بتوزيع المادة الثقافية ونشرها في مديريات طوق صنعاء، إلى أن بدأ العدوان الأمريكي على اليمن وحينها تلقى خبر استشهاد أخيه الرابع في الساحل الغربي، وهذا لم يكن آخر خبر يتلقاه الشهيد، بل تلقى بعدها بأسابيع قليله نبأ استشهاد أخته وزوجها وابنتهما بغارات لطيران العدوان على منزلهما في الجراف وجُرح على إثرها ٣ من أبنائها وكان ذلك الخبر محزناً له ولكن لم يفنِه ويرده عن مواصلة الدرب الذي عاهد الله على أن يُتِمَه.
أبرز مواقف الشهيد
كان للشهيد مواقف عظيمة من ضمنها أنه تحمل وصبر في وقت لم نكن لنصبر نحن فيه عندما يستشهد الأخ تلو الأخ، بل إنه كلما كان ينبأ باستشهاد أحدهم يحمد الله ويشكرهُ ويزدادُ تحَرُّكاً في الميدان وهنا تتجلى عظمة الإيمَـان والتربية القرآنية.
كان الشهيد رجلاً شهماً غيوراً على أُمته وعلى كرامتها، انطلق منذ وقت مبكر كرجلٍ من رجال الله وشارك في العديد من المعارك والحروب برفقه المجاهدين العظماء، حَيثُ كان شُجاعاً ومقداماً، ولديه مواقف كثيرة أبرزها موقفه من المحاولات الكثيرة التي تمت فيها محاولة اغتياله حتى وهو نائم في منزله والتي نجا من ٣ محاولات اغتيال ولم يكن يخاف أَو يبالي من كُـلّ تلك المحاولات، بل كان يتحَرّك ويقوم برفع الشعار في عدة مساجد دون أي خوف.
ومع هذا كان الشهيد عبد الله المؤيد نموذجاً في التسليم والثبات، شجاعاً وحراً، عرف قيمة هذا المشروع العظيم وعرف ما عليه من مسؤولية، متمسكاً بمبادئه التي تعلمها من هذه المدرسة القرآنية من أخلاقها وقيمها، لا يخشى إلَّا من الله سُبحانَه، مصدِّقاً بوعود الله التي وعد بها عبادَه المؤمنين في كتابه، فكَانَ من المجاهدين الصادقين المخلصين العمليين، فسلامٌ من الله عليه وعلى سائر الشهداء العظماء.
شهادة أهله ورفاق دربه
يقول أهل الشهيد ورفاق دربه: إن الشهيد الدكتور أبو ياسر كان من المجاهدين الذي يضرب بهم المثل ونموذجاً في الصبر والعطاء والعمل بإخلاص وتحمل الأعباء في سبيل نصرة المستضعفين، وكريماً يحب المساكين ويعطف عليهم، كثير المرح مع الناس جميعاً كبيرهم وصغيرهم، وكان لا يحب التباهي والظهور لقمة إخلاصه وتفانيه في العمل، حَيثُ تميز الشهيد بحسم الأمور والمواقف وتنفيذ كُـلّ المهمات الموكل بها، وكان من السباقين في الالتحاق بالمسيرة القرآنية، فسلام الله عليه.
قصة استشهاده
بعد أن أكمل دوره في إحدى المناطق بصنعاء وأثناء الترتيب للانتقال منها بحسب التوجيهات نالته أيادي الغدر والخيانة ليفوز بفضل الشهادة بعد أسبوع فقط من جريمة العدوان بحق أسرته، ليلتقي بكل من سبقوه من العظماء والأطهار، حَيثُ صعدت روحه إلى السماء وهي مليئة بالطهر والنقاء، والتوق إلى الله، بعد حياة طويلة من الكفاح والعناء في سبيل الله ومقارعة المجرمين والظالمين.
وصيته
“أوصي أبنائي ومن تبقى من أسرتي ومن عرفني بأن ينطلقوا في هذه المسيرة مسيرة الله في أرضه وأن يبقوا مجاهدين محتسبين أجرهم عند الله وأن يتقوا الله بعد التمكين من أن يُظلم أي أحد: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) صدق الله العلي العظيم.