عهدُ المرأة الحقيقي.. بقلم/ إخلاص عبود
شتّان ما بين الثريا والثرى، وَما بين الحقيقة والغواية، وبين ما حقوقها الإلهية، ومخادعيها من شياطين تربوا على أيدي أبوهم إبليس، لقد نجحت اليهود، إلى أن وصلت في كُـلّ بيت وقاعة، وكلّ لبس وعلى كُـلّ بضاعة، نشرب مما يشربون ونأكل مما يأكلون، أمرنا الله كنساء بالستر والعفاف والحجاب والغض، والحياء والإباء والصبر والصلاة، لكنهم أمرونا بغير ذلك فسمعنا وأطعنا.
وصلت اليهود إلى قلوب بعض الناس، وتمكّنت من التأثير على المعتقدات والأفكار وتجميد العقول، واستطاعت تحجيم أبصارنا حتى في قراءة القرآن الكريم، والتفكر فيه، إلى حَــدّ أننا نتقافز من الآيات التي تتحدث عن حقوق النساء وواجباتها، حقوقها التي هي من الله الذي خلقها ويعلم مَـا هو خير لها، الله الذي جعلها بشكل مختلف عن الرجل وميّزها وأعزها بحقوقها التي تتناسب مع طبيعة خلقها وتصويرها الرباني.
عاشت المرأة قبل الإسلام عصر السحق، وعصر الاستحقار والسخرية والإذلال، عصرٌ فيه تُقتل أَو تُرجم أَو تُدفن، أَو تُورَث عصر الرجل فقط، والمرأة آلة للإنجاب، ووسيلة للمتعة، يتم استقذارها بعد الشباع منها، في زمان كان يُسمى الجاهلية، جاهليون لا يعلمون عن الدين ولا الحقوق، ولا يعلمون ماذا يعني زوجة ولا إنسانة ولا امرأة، فهي في سوق العبيد تُباع لسوق الدعارة، وهي في سوق الدعارة سلعة ولعبة ووسيلة فساد وإفساد ونشر الأمراض، لم تكن المرأة في ذلك العصر أكثر من مخلوق مضطهد، وبشر محروم الإنسانية، ومحروم لكل حقوقه الفطرية حتى خُلق الرسول المحرّر لكل عبدٍ مظلوم، وبُعث هذا الرسول الأعظم، وأتى الإسلام ليُقدم نموذجاً يُعبر عن مدى عدل الله في تعامله مع ما خلقه، عن مدى قسط الله في ما ميّزه وأكرمه وهي (المرأة)، فكان هذا النموذج هو بيت النبوة بذلك الأب العظيم وتلك الابنة الطاهرة، وتلك الأم العظيمة التي كسرت ضلالاتهم وعقائدهم فكانت تاجرة إقليمية، وكانت نموذجاً قبل حتى أن تتزوج برسول الله، فكان هذا البيت العظيم أَسَاساته متينة، وأركانه قوية، وأعمدته راسخة.
في الوقت الذي كانت البنت يدفنها أبوها، كان رسول الله -صلى الله وسلم عليه وآله-، يغمرها بالحب والحنان والعطف، والرحمة ولكنه دفنها في أرض قلبه حباً عظيماً، ولم يكتفِ ببنته فقط، بل كان المحب العاشق والصادق لزوجته، الوفي معها حيةً وميتة، الذاكر لها والشاكر جهادها وبذلها وحبها، المتمسك بها والمكرم لها في أقواله وأعماله، فكان ذلك البيت هو أول بيت أعطى به الله للمرأة حقوقها، فلم تُدفن ولم تُباع أَو تُشترى، بل إن رسول الله جعل من الزهراء قرآناً يمشي على الأرض، فكانت المستورةَ المتحجبةَ، المؤمنةَ، الصادقةَ والصابرةَ والمجاهدةَ.
إن من رباها هو من رباه الله، لقد كانت جزءاً من رسول الله، من علمه وعلومه، من وعيه وثقافته ونهجه، من تحَرّكه وجهاده وبذله وعطائه، فكانت لسانه ويده وعقله وتفكيره.
إن ما نعيشه اليوم هو هذا الواقع المزري: نساء عاريات، على السلع والبضائع، في فنادق الداعِرات تُشترى بالأموال، وتُستخدم إلى أن تَبلى وتُرمى في الشوارع بلا إنسانية ولا أنوثة، نراها في كُـلّ القنوات لعرض المنتجات، تُستخدم فقط لجذب المشترين والمسوقين، وجذب الفاسدين والفاسقين، لباسها ملعون من الرجال، وصوتها ملعون تخضع بالقول لكل الرجال، وتُنازعهم بلا حياء ولا عفة، إرثها يُسرق أَو يؤكل، ولحمها يُنهش، أخبروها أن لا حقوق لها إلا في اختلاطها، ولا قيمة لها إلا في بيعها شرفها وحيائها، وما أشبه زماننا بعصر الجاهلية، غريب عن أية حقوق يتكلمون وقد أعادوها إلى ذلك العصر البغيض، وسلبوها حقوقها الحقيقية.
جعلوا لها يوم المرأة العالمي، للتأكيد على أنها لا زالت سلعة، وهذا اليوم إنما ليستخدموها فقط كشعار لإيهام الناس أنهم أحن من الله بها، وأنهم أرحم من الله وأن هذه الحقوق -المذكورة سابقًا -هي الحل لها والأفضل لأن تعيش بكرامة، والحقيقة أن عهد المرأة الحقيقي بدأ منذ عهد الزهراء -عليها السلام-، ذلك العهد الذي كرم بها النساء إلى أن جعل منها هي نسل أبيها وعصبته، وجعل من تلك الأنثى الذرية الطاهرة والسفينة التي تنجي الناس من الغرق في الضلال، ثم السقوط إلى قعر جهنم -والعياذ بالله- فكان هذا هو العهد الجديد والعهد الحقيقي للمرأة.
يجب علينا كنساء أن لا نعود كما عادت الكثير إلى الجاهلية؛ لأَنَّ مصيرهن سيكون الدفن أَو القتل أَو السقوط في وحل الفساد، يجب علينا أن لا ننجر للحرب الناعمة الشيطانية، وأن نكون ممن يتبعن الزهراء وذريتها، وممن يحمين دينهنّ وعفتهن وحيائهن، ويتمسكن بهُــوِيَّتهن، فنحن بلا هُــوِيَّة سنكون بلا إنسانية ولا بشرية، وسنعود إلى زمن الجاهلية من جديد، وقتها لن يكون إلا جاهلية أشد من الجاهلية الأولى.