تعبيدُ النفس لله.. وثمارُها في واقع الحياة..بقلم/ علي عبد الرحمن الموشكي
اللهُ سبحانه وتعالى خلقنا وأوجد هذا العالم العجيب المترامي والمتسع والذي لا يحيط به تفكير الإنسان أَو أي من مخلوقاته، أسرار عجيبة وخفية لا يستطيع الإنسان إدراكها، لكن الله خلق في الإنسان نعمة التعرف والتعلم لكي يزداد ارتباطاً بالله وقرباً منه ويتعبد أكثر فأكثر لله سبحانه وتعالى، ما أعظمها من نعمة ما أدسها من معرفة وما أحقر الإنسان حين يكون متنكراً لهذه النعم بابتعاده وكفره وجحوده لهذه النعم، كُـلّ علماء العالم ينذهلون حينما تتعمق معرفتهم وسعة تفكيرهم بالإعجازات الإلهية في واقع خلق النفس البشرية وواقع خلق هذا الكون، ويصيغون عبارات عظيمة يصفون بها عظمة الخالق عز وجل، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أنفسهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَـمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُـلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
جميعُ الحضارات وجميع الأديان يؤمنون بالإله الواحد الأحد، جسدت ذلك النقوش في مختلف الحضارات، لا يوجد أُمَّـة من الأمم إلَّا وهم مؤمنون بالله، لكن الله اصطفى الأنبياء والرسل بمنهجية واحدة وهو الإسلام منذ خلق نبي الله آدم -عليه السلام-، لكن هنالك خط ابتلاء خلقه الله لهذا الإنسان وهو خط الشر الشيطان -عليه لعنة الله- بكبره وغروره وعدائه الشديد للإنسان، أضعف مخلوقات الله أوجد الله فيه غريزة التلاعب وإذلال النفوس الضعيفة التي تميل إلى الأعمال التي فيها انحراف عن منهجية الله وعن صراطه المستقيم فمن ينحرف وينذل وراء رغباته وأهوائه وشهواته يكون عبداً للشيطان وعبداً لذوي الشيطان ممن قد استزلهم واستمالهم في توجّـهه.
هذا الإعجاز العظيم والكبير ومنها خلق الله للإنسان مخلوق عجيب أودع الله فيه أسراره وإبداع صنعه سبحانه وتعالى، جعله يفكر ويصنع ويتعلم ويبدع ويتطور هذا التطور الكبير والعظيم، هو شاهد بعظمة خلق الله لهذا الإنسان، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، في أحسن صورة لو تأمل الإنسان كم يوجد فيه من نعم لظل متعبداً ومسبحاً لله سبحانه وتعالى، نعمة النظر والحركة والشم والتنفس والسمع واللمس، لو تأملنا كَثيراً في خلق أنفسنا، وهو يعتبر استجابة لتوجيهات الله، قال تعالى: (وَفِي أنفسكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) لعرفنا أنه لا يوجد شيئاً يستحق منا أن نخافه أَو نذل أنفسنا له؛ لأَنَّ قوة الله وجبروته هو من يجب علينا أن نخافه هو من يجب علينا أن نؤمن به ونتوكل عليه سبحانه تعالى، قال تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) أقرب لكل شيءٍ في واقع الحياة ما يجب علينا هو التوكل عليه والالتجَاء إليه سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإنسان وَنَعْلَـمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)، لا يحتاج وسيلة اتصال أَو رصيد أَو أي شيء آخر من الوسائل المادية، أبداً كُـلّ ما نحتاج إليه هو تعزيز الثقة به سبحانه وتعالى، والتقرب إليه هو؛ لأَنَّه سبحانه وتعالى قريب منا، يعلم ما بداخلنا يعلم ما يدور في ذهننا، ما يجب علينا هو حسن الظن به والثقة المطلقة به، نحبه ونتولاه نكون من جنده نكون من حزبه، نسعى لمرضاته سبحانه وتعالى في خط الهداية، نسير إليه سبحانه وتعالى لا إلى سواه، يجب ألا نكون ممن استزلهم الشيطان واستمالهم في حزبه وجنده، وألهاهم الشيطان بدلاً عن الله وخافوا من اتباع الشيطان، قال تعالى: (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخر لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُـلّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، من الآلهة البشرية والطغيانية والشيطانية، كُـلّ شيء هالك لا محالة، لن يبقى شيء لن ينفع بين يدي الله، إلا عملك الصالح الذي تحَرّكت على أَسَاس هدى الله وفق منهجيته، كُـلّ جبابرة الدنيا ومستكبريها الظالمين الطغاة زائلون لا محالة قال تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا)، شيء لا بد منه من الذي سيفوزون وسيتعدون هذا الدخول إلى جهنم وهذا الخوف الحقيقي، قال تعالى (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِـمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)، الناجون هم أولئك الصادقون مع الله، المخلصون مع الله في أعمالهم وتوجّـهاتهم وتحَرّكاتهم ويخافون وعيد الله سبحانه وتعالى، المستحضرين لتقوى الله في كُـلّ أعمالهم وتعاملاتهم أنهم يخافونه سبحانه وتعالى، قال تعالى: (يَعْلَـمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، لا يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى، ما تكن في نفسك من توجّـه، ما يضمره قلبك من خفايا وأطماع وأهواء الله يعلم سبحانه وتعالى، ما بالك بالتوجّـهات وتأييد الباطل والمسارعة العلنية لتولي أعداء الله والتطبيع معهم وخوفك منهم، بدلاً من خوف ملك السماوات والأرض.
يجب أن نعلم علم اليقين أنه لا إله إلَّا الله، قال تعالى: (فَاعْلَـمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَـمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)، لا يوجد في الدنيا ما يخيفك وما يقلقك والله معك، لا تركن إلى الذين ظلموا أنفسهم وتنتظر الفرج منهم وتسارع إلى مرضاتهم وتتنازل عن دينك وتبيع آخرتك التي هي المقر الدائم الذي سيكون سكننا الأبدي، فلنختار المكان الأنسب والأفضل، حتى تتحقّق لنا ثمار النجاة من خزي الدنيا، الانسلاخ عن المبادئ والقيم والدخول في مستنقع الانحلال الأخلاقي والقيمي والذي نلمسه في واقع من باعوا كرامتهم وأصبحوا مع قيادات شياطين الأرض من اليهود والنصارى، لن يلمسوا عزة في الدنيا، وسيحظون وبامتيَاز عذاب الآخرة.
ما يحصننا في الدنيا هو الذوبان في الله والسعي لمرضات الله والخوف منه سبحانه وتعالى، في أوقات الشدة وأوقات الرخاء، لنكون دائمي وأبديي الالتجَاء إليه سبحانه وتعالى، هنالك كرامات وعوامل يحظى بها من يكون مع الله، طمأنينة وسعادة والربط على القلوب والإمدَاد الإلهي والتأييدات العظيمة التي عشناها خلال سنوات العدوان في واقعنا، لقد تحقّق كُـلّ ذلك في واقع المجاهدين في كُـلّ الثغور والميادين، قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، وعد الله سبحانه وتعالى كان مع الصادقين المخلصين مع الله، ونحن نسعى لنشر هدى الله في واقع الحياة لنصرة دين الله، هو لن يتخلى عنك هو قريب منك، كُـلّ شيء بيده سبحانه وتعالى وهو الذي ثبت المجاهدين وهزم الظالمين وقذف الرعب في قلوبهم، ووضح لنا سبحانه وتعالى أن الباطل هو ضعيف ومنهزم؛ لأَنَّ الله كشف لنا واقع الظالمين واقع المنافقين واقع الذين ينجرون ويتحالفون مع اليهود والنصارى، أنهم الأوهن، حَيثُ قال سبحانه وتعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أولياء كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَـمُونَ)، تمسكوا بقشة بأضعف شيء في ملكوت الله سبحانه وتعالى، لكن باطلهم وفسادهم وطغيانهم حجب عنهم زيف ما لجأوا إليه بدلاً من الله سبحانه وتعالى، ورأينا ذلك بأم أعيننا في جبهات العزة والكرامة لم تخف المجاهدين الطائرات والمدرعات ولا جمع وحشد الباطل، ازدادوا إيمانناً مع إيمانهم وكان الله هو الناصر المعين سبحانه وتعالى.
ونحن نجني ثمار الاعتماد على الله والتوكل عليه في واقعنا من أمن واستقرار وسكينة ورحمة وتألف وعزة وكرامة وشموخ وإباء وبناء وتصنيع وإنتاج وسعي للاكتفاء والارتقاء كُـلّ ذلك من الله سبحانه وتعالى، ونحن بحاجة ماسة جِـدًّا وملحة وبصورة دائمة لتعزير استشعار الثقة الدائمة بالله سبحانه وتعالى، ونستشعر ثمار التمكين في الأرض من خلال تنفيذ المهمة الأَسَاسية لأولياء، حَيثُ قال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْـمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْـمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، مهمة تحافظ على التماسك الجبهة الداخلية وتعزز الجبهة الخارجية ونكون من أولياء الله المخلصين، نستعيد ما تبقى من بلادنا المحتلّة من قبل أوهن مخلوقات الله، الأكثر طغياناً وظلماً في واقع الحياة.