فرضياتٌ لمعارك البحار والمحيطات المقبلة.. اليمنُ والمسيرةُ القرآنية
المسيرة – عباس الزيدي *
“الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”، ذلك الشعار والصرخة المدوية التي أطلقها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- عام 2002م، ولا تزال حاضرة حتى هذه اللحظة، والذي أفهم وحذر الجميع من مطامع الغرب، وأمريكا المستعمرة الغازية في اليمن، وحذر الرئيس اليمني أنه سيلقى مصير شاه إيران، إذَا ما انسلخ عن شعبه، وبالفعل لاقى مصيره المحتوم، وسيواجه كُـلّ متستر بأمريكا المصير ذاته.
اغتيل السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، حرقاً بالقنابل مع عائلته ومجموعة من الجرحى في جبل مران، بعد حرب دامت أكثر من ثمانين يوماً عام 2004م بعد أن سطروا كَثيراً من ملاحم البطولة والشجاعة التي ما زالت في ضمائر الشرفاء درساً للإباء والصمود.
استشهد السيد القائد، وَبقيت جذوة الثورة وروح الجهاد في أُمَّـة القرآن، وأكمل المسيرة الظافرة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -أعلى الله مقامه- وَزاد الله في انتصاراته.
استمرت اليمن وأبنائها كما عهدها الأحرار مقاومة، وأصيلة في أحلك الظروف، والحصار المطبق، وهي تخوض غمار المعارك الشرسة غير مكترثة للعدة والعديد، وأسلحة العدوان المتطورة ترسم النصر والعز والكرامة بدماء أبنائها.
موقعُ اليمن
تقع اليمن بين السعوديّة وسلطنة عمان، وتطل على مضيق باب المندب أحد أهم المعابر المائية في العالم، وتشترك مع السعوديّة بنحو 2000 كيلو متر من الشمال، بينما تحد اليمن من جهة الشرق سلطنة عمان، وتشتركان بحدود يبلغ طولها 288 كيلو متراً.
على مسافة الجبهة البحرية لليمن والتي، تقدر بحوالي 2500 كيلو متر، وتطل على بحر العرب وخليج عدن من الجنوب، والبحر الأحمر من الغرب.
ويطل موقع اليمن البحري على مضيق باب المندب أحد المضائق المائية المهمة، ويعتبر عنق الزجاجة بالنسبة للبحر الأحمر، وَيتحكم بالطرق التجارية بين الشرق والغرب، حَيثُ يمر عبر باب المندب يوميًّا ما نسبته ثلاثة ملايين وثلاثمِئة ألف برميل نفط بما نسبته 4 % من الطلب العالمي على النفط، وتمر عبره إحدى وعشرون ألف سفينة سنوياً، أي أن الشحنات التجارية التي تمر عبر الممر تعادل عشرة بالمئة من الشحنات التجارية العالمية.
وهو يحتل المرتبة الثالثة عالميًّا بعد مضيق هرمز، ومضيق ملقا، ومما يضاعف من أهميّة موقع اليمن انتشار جزره البحرية في مياهه الإقليمية على امتداد بحر العرب، والخليج والبحر الأحمر.
هذه الأسباب وغيرها جعلت من اليمن موضع صراع محلي وإقليمي ودولي؛ كونها تتحكم بأهم المعابر المائية في العالم، وبذلك من يسيطر عليه يعد لاعباً مهماً على مستوى المنطقة والعالم.
أسباب تحالف العدوان على اليمن
لا تجرؤ أية دولة، أَو تحالف على استهداف اليمن ما لم يكن هناك ضوء أخضر، أَو أوامر من الاستكبار والصهيونية العالمية، بل والمشاركة الفعلية من قبلهم.
بعض الأسباب تطرقنا لها، والآخر يكمن في الأطماع، وعملية نهب الثروات، وكثرة الجزر الغنية بالموارد الطبيعية، والبيئة الحيوية ومواقع تلك الجزر في الصراع، ومدى تأثيرها على النقل البحري سلباً وإيجاباً.
ويبقى من أهم الأسباب هو تغييب حاضرة اليمن المقاوم، والقضاء عليه، لا سيَّما وهو يتصدر المشهد اليوم في التصدي للعدوان وَيفشل أجندة الاستكبار والصهيونية العالمية والعدوان جاء بأوامر فوقية، بل حقيقة العدوان تكمن في المشاركة الفعلية والميدانية لكل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وجميع قوات الناتو يضاف إليها مشايخ الخليج والكيان الصهيوني والسودان ومصر والأردن والقائمة تطول.
ومع فارق الإمْكَانيات والقدرات حقّق أنصار الله نصراً يفوق التصور والخيال، حتى أصبح الأعداء بموضع السخرية حول ما يسمى “بعاصفة الحزم” التي استمرت أكثر من ثمان سنوات.
الحروب التي استهدفت اليمن كثيرة، وكلّ من تورط بها أعلن عن خطئه وهزيمته أمام الصمود والبأس اليمني، سواءً من الأجانب أَو العرب أمثال مصر وغيرها.
معادلات جديدة فرضها أنصار الله أضافت للمحور رونقاً وعزاً مثل دخول النفط في معادلة الحصار، وإيقاف نهب ثروات اليمن، وكذلك عملية استهداف البنى التحتية، وقتل الأطفال، والأعمال الإجرامية والوحشية التي تمارسها قوى العدوان مقابل استهداف المنشآت النفطية والحيوية لقوى العدوان ورفع شعار الضربة بالضربة -والصاروخ بالصاروخ.
الهُــدنةُ الهشة
الظروف والأحداث العالمية والصبر والصمود وقوة الاقتدار اليمني هي التي أجبرت الدمى المتحَرّكة من دول العدوان ومشغليها من الاستكبار والصهيونية العالمية أن تذهب إلى الهُــدنة الهشة التي حاولت قوى العدوان أن تستثمرها في عملية استنزاف “لأنصار الله” وأن تدخل اليمن في المزيد من الفتن والتمزق حتى يزداد ضعفاً ووهناً في الوقت الذي تستمر فيه قوى العدوان بمصادرة أراضي اليمن وتجري تغييراً ديمغرافياً وتنهب ثرواته النفطية والطبيعية الأُخرى وتقوم ببناء قواعد عسكرية ومشاريع اقتصادية يحرسها العملاء وَالمرتزِقة.
وبالقدر الذي تحقّق لقوى العدوان بعض الأهداف خلال هذه الفترة أَيْـضاً استثمر اليمن المقاوم تلك الهُــدنة، حَيثُ رفع من قدراته وعدته وعديده، ولعل الاستعراض العسكري الأخير كشف عن بعض القدرات التي تقلب المعادلة.
واليوم الأخوة “أنصار الله” ومن تجحفل معهم وجميع أبناء اليمن الغيارى أمام فرصة ربما لن تتكرّر تتمثل بالالتقاطة التاريخية لتلك الفرصة وسط الأحداث العالمية، وأزمة الطاقة وأجواء الحروب ومسارح العمليات بأن يفرضوا العديد من المعادلات، ويحقّقون أصعب أهدافهم من خلال التصعيد، واستهداف منشآت الطاقة لدول العدوان، أَو استهداف الناقلات، أَو القواعد الأمريكية، أَو الصهيونية القريبة قبالة فك الحصار، وانسحاب قوات العدوان من جميع الأراضي والجزر اليمنية.
وخلاف ذلك فَـإنَّ البحر الأحمر وباب المندب سيبقى مغلقاً أمام ناقلات الغاز والنفط الذاهبة إلى أُورُوبا وشتائها القارص في ظل أزمة غير مسبوقة، لا سيَّما وأن اليمن اليوم ليست وحدها، بل تنتمي إلى محور مقاوم وعمق استراتيجي كبير لديه من القدرات الكبيرة.
اليمن اليوم قادر على إغلاق باب المندب وقادر على أن تدك صواريخه وطائراته المسيَّرة ميناء إيلات وتل أبيب كما هي تحرق أرامكو وَالقواعد الأجنبية في جيبوتي أَو مالي أَو البحرين وحتى الكويت وكذلك استهدافها لمطارات الإمارات وتشل حركة النقل من الشرق إلى الغرب وعموم غرب آسيا، وتعصف برؤوس الأموال والمنظمات الماسونية والصهيونية، وأوكار التجسس والتآمر التي تتخذ من الإمارات وكراً لها.
وبكل ثقة أقول إن اليمن قادرة لوحدها أن تؤثر وبشكل كبير على المعادلة والنظام العالمي.
نعم ستكون التضحيات كبيرة، ولكن المنافع والمكاسب أكثر وأكبر، لا سيَّما، وأن اليمن ليست وحدها، ولن تترك وحدها إذَا ما قرّرت المواجهة الكبرى ونقض الهُــدنة الهشة التي تجعل من قوى العدوان تنسحب وتسحب مرتزِقتها معها بالمزيد من الضغط والعمليات النوعية، وأن تعلن أنصار الله، ذلك جهاراً ونهاراً قبالة ما يحصل من خروقات تقوم بها قوى العدوان.
إن عملية الإضعاف والتضعيف ونشر الفتن والتمزيق ونهب الثروات جارية على اليمن خلال تلك الهُــدنة الهشة ويبقى القرار لليمن المقاوم.
إن دور اليمن المقاوم لن ولم يخفَ، ولا يمكن تجاهله، فهي حاضرة في كُـلّ قضايا الأُمَّــة المركزية والمصيرية، وحضورها دوماً مميزاً، ويشار له بالبنان رغم ما تعيشه اليمن من قتل ودمار وحصار ومعارك شرف حرّرت فيها الأراضي، ودافعت عن أهل اليمن وعن أعراضهم وقيمهم وثرواتهم، وقد اكتشف كثير من المغرر بهم من أهل اليمن صدق وأحقية “أنصار الله” وعدالة قضيتهم في الدفاع عن اليمن، وأهله دون تمييز، أَو فارق في منطقة، أَو مذهب، أَو فكر، وقد قدم “أنصار الله” خيرة الرجال لأجل اليمن وليس لهدف شخصي، أَو دنيوي.
يمن الحضارة والتمدن والرقي، لا يمكن أن تغيب، فهي المحببة إلى قلب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وإلى قلب أهل بيته وأصحابه الغر الميامين -عليهم السلام-.
يمن صافي الصفا أحد رايات الحق المنصورة لن تغيب وهي اليوم في وجدان وقلب وضمير كُـلّ حر وغيور.. يمن الفصاحة والكرم والإيمَـان والتقوى والشجاعة والبسالة.
اليمن وسيناريوهات العدوان في الفرضيات حاضرة، وبقوة وسنتطرق إلى ذلك الدور البطولي في الحلقات القادمة بإذن الله.
* كاتب عراقي.. رفيق الشهيد أبي مهدي المهندس