العدوّ يفخّخُ جهودَ السلام بتصعيد اقتصادي: جرعة سعرية جديدة
المسيرة | خَاصَّة
في تصعيدٍ إجرامي جديد على المستوى الاقتصادي، أوعز تحالفُ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي إلى حكومة المرتزِقة بإقرار جرعة سعرية جديدة على البضائع المستوردة، الأمر الذي من شأنه أن يضاعف الأزمة الإنسانية التي يعاني منها اليمنيون، والتي تعتبر الأسوأ في العالم، وهو ما يمثل أَيْـضاً عرقلة واضحة لمساعي السلام التي تبذلها الوساطة العمانية مع صنعاء، خُصُوصاً أن الأخيرة كانت قد توعدت بوضوح أن مثل هذه الخطوات العدائية ستؤدي إلى “قلب الطاولة”.
التصعيدُ الجديد تمثل في قرار رفع سعر الدولار الجمركي للبضائع المستوردة بالعملة الأجنبية من 500 ريالاً، إلى 750 ريالاً، أي بنسبة زيادة 50 %، وهو ما وصفه اتّحاد الغرف التجارية والصناعية بأنه “خطوة جنونية” من جانب حكومة المرتزِقة التي ما كان لها أن تتخذ مثل هذا القرار بدون توجيه من تحالف العدوان الذي لم يعد يخفي حقيقةَ استخدامه للتجويع كسلاح حرب.
هذه الخطوة -بحسب اتّحاد الغرف التجارية- “ستزيد من معاناة الملايين من الأسر اليمنية نتيجة ارتفاع أسعار السلع والبضائع المستوردة، وعلى رأسها المواد الغذائية”، وهي تأتي ضمن سلسلة قرارات وخطوات ممنهجة يمارس العدوّ من خلالها حرباً اقتصادية شاملة على الشعب اليمني، فقبل أقل من شهر، أعلنت حكومة المرتزِقة أَيْـضاً رفع ما يسمى “ضرائب تحت الحساب” على السلع والبضائع المستوردة بنسبة تتراوح بين (300 % – 500 %) من إجمالي قيمة البيان والرسوم الجمركية.
القرار أثار ردودَ فعل غاضبة حتى داخل المحافظات المحتلّة نفسها؛ لأَنَّه يشكل ضربة قاسية على المواطنين الذين يعيشون بالفعل أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، في ظل الحرب الاقتصادية التي يشنها تحالف العدوان على البلد بأكمله، وبالتالي فَـإنَّ تنفيذ هذا القرار قد يؤدي إلى تعقيد المشهد على كافة الأصعدة.
اتّحاد الغرف التجارية والصناعية دعا كُـلّ أعضائه لرفض قرار حكومة المرتزِقة والامتناع عن فتح أي بيان جمركي يستند إلى هذا القرار، مطالباً حكومة المرتزِقة بالتراجع عنه وعدم تحميل المواطن نتائج فشلها وفسادها في إدارة الملف الاقتصادي في إشارة المبرّرات التي يروجها المرتزِقة لتمرير القرار والتي من ضمنها “تعزيز الموارد” وهو تعبير يعني محاولة تعويض العائدات التي تعودت حكومة المرتزِقة على سرقتها من مبيعات النفط والغاز قبل أن توقف صنعاء هذه السرقة.
هذه الدعوةُ والمطالبةُ ترافقت أَيْـضاً مع ارتفاع أصوات تطالب التجار بالاستيراد عن طريق ميناء الحديدة والاستفادة من التسهيلات التي أعلنتها صنعاء سابقًا في هذا السياق والتي تتضمن تخفيض سعر الدولار الجمركي إلى 250 ريالاً فقط، وفيما يرى الكثير أن هذا هو الحل الأنسب لمواجهة قرار المرتزِقة، فَـإنَّ إمْكَانية تنفيذه تبقى مرهونة بمدى استعداد التجار وتجاوبهم، وهو أمرٌ لا يمكن التنبؤ به.
لكن المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، فالقرار له أبعاد أُخرى واسعة، قد تجعل التحَرّك لمواجهته يتجاوز مسألةَ دعوة التجار إلى تغيير ميناء الاستيراد، فخلال الفترة القصيرة الماضية وجهت القيادة الثورية والسياسية لتحالف العدوان تحذيرًا واضحًا ومباشرا مفاده أن أي تصعيد على المستوى الاقتصادي أَو العسكري “سيقلب الطاولة” وسيقابَل بتحَرّك واسع من جانب صنعاء.
والحقيقة أن اتِّخاذَ هذا القرار بعد سلسلة الرسائل والتحذيرات التي وجهتها القيادة والشعب اليمني في المحافظات الحرة، يعتبر دليلًا واضحًا على تمسك تحالف العدوان ورعاته بخيار استخدام الورقة الاقتصادية كسلاح حرب، وإصرارهم على قراءة موقف صنعاء الإيجابي بشكل خاطئ.
ولعل تزامن اتِّخاذ القرار مع الزيارة الأخيرة لوفد الوساطة العمانية إلى صنعاء، لم يكن مُجَـرّد صدفة، بل مؤشر إضافي على محاولة تحالف العدوان ورعاته استغلال تجاوب صنعاء مع الوسطاء كغطاء لتمرير التصعيد الاقتصادي الجديد والتهرب من التداعيات المترتبة عليه.
لكن هذا المسعى ليس مضموناً؛ لأَنَّ الأمر الوحيد الذي يمكنُه أن يطمئنَ دولَ العدوان فيما يتعلق بالرد على التصعيد، هو التوصلُ لاتّفاق حقيقي يرفع معاناة الشعب اليمني يمهّد لسلام فعلي شامل، وهو ما لا يبدو أن جهود الوسطاء قد اقتربت من تحقيقه، ففي لقائه مع الوفد العماني، نهاية الأسبوع المنصرم، لم تكن هناك أي إشارة إلى وجود تغيير حقيقي في موقف تحالف العدوان، بل تحدثت الأنباء الرسمية عن استمرار “تبادل وجهات النظر”، بالإضافة إلى التأكيد على “ضرورة الاهتمام بالملف الإنساني كخطوة أولى لتحقيق السلام” وهو ما يعني أن تحالف العدوان يلعب بالنار من خلال الإقدام على التصعيد الاقتصادي.
وبغض النظر عن ما يدور في كواليس ملف السلام، فَـإنَّ الجرعة السعرية التي أقرها المرتزِقة تبقى مؤشرًا سلبيًّا يترجم بوضوح حقيقة عدم جدية تحالف العدوان ورعاته في التوجّـه نحو معالجات حقيقية.