تلك هي فاطمة.. النموذجُ الأرقى للكمال الإيماني..بقلم/ وسام الكبسي
من أشرف بيت وأطهر منبت جاءت فاطمة -عليها السلام- ونشأت في أحضان النبوة ومهبط الوحي وأقدس مكان يتولى رعايتها وتعليمها، تربيتها وتأديبها، تهذيبها وتزكيتها مربي الأُمَّــة ومعلمها الأول أباها محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله- وفي حجر أم المؤمنين خديجة الكبرى ترضعها أخلاقاً وقيماً وسلوكاً وتفيض عليها حناناً ورأفةً وكرماً.
ففي بيئة الطهر والشرف والعفة والكرم ومكارم الأخلاق كانت نشأتها، وترعرعت في كنف هادي الأُمَّــة الرحمة المهداة، في بيت تحفّه الرعاية الإلهية والتعاليم الربانية، ونسمات الوحي تملأ الأرجاء وأريج الذكر فواح يملأ الدنيا، نسمات عليلة تشرح الصدر وتنير الفكر وتغذي الروح وتسمو بالإنسان، ففي هذه البيئة النقية العطرة الطاهرة، كانت تلك المباركة المطهرة تزداد إيماناً ووعياً وبصيرةً وهداية، لترتقي في سلّم الكمال الإنساني إلى درجة عالية ومستوى عظيم.
ومع بزوغ نور الإسلام رأت النور وكبرت مع ذلك الشعاع الذي عمّ الدنيا نوره وأنار القلوب ضياءه هدياً وصلاحاً وبناءً، وهي ترى ذلك النور ينتشر وتعيش تلك المراحل الصعبة والمشاكل الكبيرة والتحديات الخطيرة التي اعترضت نور الرسالة ومُبلّغ الدعوة، في الظروف الأولى للإسلام في مكة وهي ترى أباها وحيداً يبلغ الرسالة في مجتمعٍ جاهليٍ عنيف متعصب لنزواته ورغباته ومصالحه الدنيئة والحقيرة يحركه مجموعة من اليهود لتبنّي حركة معادية لمواجهته -صلى الله عليه وآله- بكل الأساليب والطرق الإعلامية من سب وشتم وتكذيب وتشويه وتحريض إلى أساليب أمنية إيذائية إلى محاولة اغتياله غير مرة، ثم المواجهة العسكرية، وهي ترى أباها يواجه كُـلّ هذه الأساليب (كما رأت زوجها أخيه ووزيره ووصيه وخليفته يواجهها مرة أُخرى) بإصرار عجيب وعزيمة لا تلين، فكانت هي رغم صغر سنها تأتي لنصرته وبحنان الأم تميط عنه الأذى بكفيها الشريفتين الحانيتين الصغيرتين، وبلسانها الطاهر الفصيح تصرخ في وجوه عتاولة الاستكبار لتخرس ألسنتهم وتوقف استهزائهم، وبقلبها الكبير تحتوي والدها حتى لا يصاب بأذى سفهاء قريش وطغاتها وهي بهذا تتعلم الصبر على الحق في مواجهة الباطل قولاً وفعلاً بكل إصرار وعزيمة وتجلد لمواصلة مشوار نشر نور الإسلام وتعاليمه السمحة مستأنسة به سبحانه وتعالى كما كان والدها.
إنها بنت محمد مدينة العلم، وزوج علي باب مدينة العلم وأم سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وسيدة نساء العالمين وأم أبيها أكثر الناس شبها به في هديه وسمته، فكانت هي الأم المربية والعالمة العاملة المحدثة والمجاهدة العظيمة المخلصة، حَيثُ تشرّبت العلم من منبعه وتلقت الهدى من مصدره وتعلمت المعارف من أصولها، لديها القدرة الفائقة على التعامل مع مصادر التشريع لمعالجه الواقع الذي عاشته وَذلك ناتج عن استيعابها العميق للقرآن ووعيها سنة وسيرة أبيها مع زوجها أكثر من غيرهم -عليهم السلام-.
تلك هي فاطمة البتول الزهراء -عليها السلام- النموذج الأرقى للمرأة المسلمة والقُدوة الأسمى للمرأة المؤمنة، تلك هي فاطمة النموذج في الكمال الإنساني للمرأة العالمية في أخلاقها وسلوكها وتعليمها وتربيتها وعلمها ومعاملتها في عفتها وطهارتها وإحسانها وإيثارها وقوة مواقفها وعزة نفسها وسعة علمها وحسن معاشرتها ولطيف سلوكها ورقة مشاعرها، نموذج للمرأة المعتدّة بأنوثتها والمعتزة بكرامتها، هي النموذج الأمثل لتحصين المرأة مما يسعى له الغرب المنحل لتحويلها إلى سلعة تعرض وتباع في الملاهي والمراقص، نموذج للانحراف والاتساخ والسعي إلى تطبيق استراتيجية النسوية التي تفوق استراتيجية الإلحاد بتطوير برامج ومسلسلات لزراعة النميمة وحصد الشقاق والطلاق والانحلال لتمييع وتمزيق المجتمع وتمييع الهُــوِيَّة تحت سقف الحرب الناعمة باتِّخاذهم المرأة وسيلة لتحقيق مآربهم الشيطانية.