خبراء اقتصاديون لـ “المسيرة”: القرارُ سياسةٌ عدائية وتصعيد ضد الشعب اليمني ماذا يعني رفعُ الدولار الجمركي من قبل مرتزقة العدوان؟ وكيف سيؤثّر على الأسعار؟
المسيرة: تقرير / منصور البكالي
تشهدُ الأسواقُ اليمنية حالةً من الترقب والهلع من قبل المواطنين يرافقها حالة من الركود والاحتكار لبعض السلع بعد إقدام مرتزِقة العدوان الأمريكي السعوديّ على رفع الدولار الجمركي على السلع المستوردة من 500 ريال إلى 750 ريالاً، أي بنسبة 50 %.
وبحسبِ التقديراتِ فَـإنَّ نحو 19 مليون يمني أي أكثر من 60 % من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد منذ ما قبل رفع الدولار الجمركي وتشديد الحصار ورفع وتيرة الحرب الاقتصادية من قبل دول العدوان وأدواته.
تداعياتُ قرار رفع الدولار الجمركي من قبل مرتزِقة العدوان لن تكون على البضائع المستوردة من الخارج إلى المناطق والمحافظات الحرة فحسب، بل ستمتد تداعياتها إلى المحافظات والمناطق المحتلّة أَيْـضاً، في محاولة لتجويع الشعب أكثر وأكثر، ومحاولة النيل من صموده، في صورة تعكس إجرام وقبح مرتزِقة لا يهمهم قوت شعبهم ومعاناته بقدر ما تهمهم الزيادة في أرصدتهم من قوت الشعب.
وفي هذا الشأن يقول عميد كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور مشعل الريفي: إن من أهم دلالات قرار رفع سعر الدولار الجمركي على السلع المستوردة من قبل الحكومة الموالية لتحالف العدوان، هو أن هذه الحكومة ضعيفة وَلا ينظر إليها التحالف إلا باعتبارها أدَاةً طيعة لتمرير مخطّطاته وَإملاءاته وَلا يحتاج لدفع المال وَلا المعونات لكسب ولائها وَلا يهمه استمرار أَو اتساع قاعدتها الشعبيّة، بل يفرض عليها أن تنفذ مخطّطاته وَأن تمول هذا الدور من قوت الشعب اليمني وَدخله القومي، فعندما تقلصت محاولاتهم في تمويل دورها المشبوه -هي وبقية الفصائل التابعة للتحالف- من خلال سرقة النفط اليمني، بفضل مواجهة الطيران المسيَّر التابع لجيشنا اليمني، كان لزاماً عليها أن تذهب إلى وسيلة تمويلية أُخرى داخلية وَلا تكلف التحالف أية أعباء مالية رغم أنها تؤدي دوراً يخدمه وَيحقّق مصالحه وَمطامعه في اليمن.
ويتابع الريفي في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” من هنا يكونُ هذا القرارُ خياراً للتمويل الذاتي للحكومة التابعة للتحالف، وهكذا ينجح الاحتلال الأمريكي السعوديّ ومن معهم في صناعة نوع حديث من العمالة الرخيصة غير المكلفة، يمكن وصفها بأنها عمالة بتمويل ذاتي على حساب قوت شعبها وَأمنهم الغذائي وَالصحي.
ويلفت الدكتور الريفي إلى أن “حُجّـة استثناء السلع الأَسَاسية من القرار هي حجّـة واهية وَالهدف منها تمرير القرار بأقل قدر ممكن من السخط الشعبي، إذَا أن اليمن يستورد مختلف السلع الاستهلاكية أَسَاسية وَغير أَسَاسية” معتبرًا استثناء سلة محدودة من قائمة المستوردات من الرفع الجمركي هو كذر الرماد على العيون وَلن يحول دون موجة جديدة من التضخم الشامل وَالعام، وَالذي يتسبب في تآكل ما تبقى من قدرة شرائية منخفضة لدخول محدودة جِـدًّا وَغير منتظمة وَلا تكفي لحد الكفاف لغالبية الأسر اليمنية التي تصارع الفقر وَالحرمان في ظل سنين الحرب وَالحصار الطوال.
عقابٌ جديدٌ للشعب
بدوره يؤكّـد الخبير الاقتصادي الأُستاذ رشيد الحداد، أنه لم يكن هناك أية ذريعة لفرض مرتزِقة العدوان الأمريكي السعوديّ حزمة من العقوبات الاقتصادية على الشعب اليمني، ولا هي تندرج في ما يسمى “بالإصلاحات” خَاصَّة وأن الوضع المالي لحكومة المرتزِقة لم يكن سيئاً بل حقّقت فائضاً كبير جِـدًّا في الإيرادات خلال العام الماضي 2022م، وبلغت وفقاً لما يدعى “وزير ماليتها” 3.2 ترليون ريال، وهذا يؤكّـد بأن معدل الإيرادات في تلك المحافظات المحتلّة كبير جِـدًّا، بالإضافة إلى أنه لم يكن هناك أي عجز مالي يستدعي قيام تلك الحكومة بالتوجّـه نحو فرض عقوبات اقتصادية على الشعب اليمن، كرفع سعر صرف الدولار الجمركي، وكذلك رفع ضريبة الدخل التي تم رفعها من قبلهم على الواردات بنسبة بلغت ما بين (200- 300 %) -بحسب الحداد- وهذا يضاعف معاناة اليمنيين خَاصَّة وأن معظم السلع التجارية التي لما منعت من الدخول إلى ميناء الحديدة تدخل عبر الموانئ المحتلّة بشكل قصري من قبل تحالف العدوان الذي يمنع دخول سفن الحاويات التجارية منذ مطلع العام 2017م حتى الآن إلى ميناء الحديدة.
ويضيف الخبير الحداد في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن هذه العقوبات اتخذت في ظل جهود دولية وإقليمية للدفع بعملية السلام، التي تعتبر الخطوة الأولى لإحلال السلام عبر الملفات الإنسانية وصرف رواتب الموظفين وفق كشوفات 2014م، معتبرًا أن هذا الادِّعاء من قبل مرتزِقة العدوان بأنها عجزت لتقوم برفع الموارد عبر هذه الحزمة العقابية على الشعب اليمني، تهرب مسبق من تلك الحكومة التي لم تفِ بأية التزامات، وأن خطابها الإعلامي وتضليلها للرأي العام العالمي والمحلي بأنها لم تستطع دفع مرتبات الموظفين، مُجَـرّد خديعة للتغطية على ما تقوم به من فساد ومعاقبة الشعب بحزمة إجراءات غير قانونية في ظل التدهور المعيشي وتراجع سعر صرف العملة وعدم صرف مرتبات موظفي الدولة حتى في تلك المحافظات والمناطق المحتلّة.
ويقول الحداد: “إن دخلَ أدَاة العدوان تصلُ إلى 20 تريلون ريال إضافةً إلى محاولة مرتزِقة العدوان لإخفاء الكثير من جرائم الفساد، فقاموا بهذه الإجراءات ولم يقوموا بأية إجراءات تقشفية ضد أنفسهم”، في الوقت الذي يقول فيه “أمجد باجليد” وكيل ما يسمى بوزير المرتزِق المالي المتواجد في الرياض ويقوم بصرف 40 مليون دولار شهرياً على ما يسمى بكبار موظفي المرتزِقة في تلك الدول العربية فهذه تساوي نصف مليار دولار سنوياً وهذا المبلغ يكفي لصرف نصف مرتبات موظفي الدولة وفقاً لكشوفات عام 2014م، وليتخيل المواطن أن 5- 8 آلاف موظف من المرتزِقة يستحوذون على حقوق أكثر من نصف مليون موظف يمني ويقومون بنهب العملات الصعبة وإخراجها من اليمن، وهذا يسبب تدهور سعر الصرف للعملات المحلية حين تستمر عملية الاستنزاف الممنهجة وعملية السحب الكبير التي تتعرض لها العملة الصعبة في تلك المحافظات بالإضافة إلى ما يقوم به مسؤولو المرتزِقة من تهريب مبالغ كبيرة من العملات كشفت السلطات المصرية محاولة تهريبها عبر مطاراتها كانت في حقائب مسؤولين موالين لتحالف العدوان على اليمن ويحملون جوازات دبلوماسية، وأقل عملية تهريب تبلغ ما بين مليون إلى مليونَي دولار، وهذه يؤكّـد أن مرتزِقة العدوان يعملون على بناء الثروات بأرصدة كبيرة جِـدًّا لهم في الخارج على حساب معاناة أبناء الشعب اليمني.
وعن الآثار وَالتداعيات لهذا القرار في عيشة ومعانة المواطنين في المحافظات المحتلّة يقول الخداد: “تزيد من تدهور الوضع الإنساني بشكل عام نتيجة لتراجع سعر العملة ونتيجة لزيادة أسعار المواد الغذائية وبقية السلع الأَسَاسية المستوردة، هذا من جانب ومن جانب آخر كلما ارتفع معدل سعر المواد والسلع الأَسَاسية والكمالية كلما تراجعت القدرة الشرائية للمواطن، وَإذَا كان راتب الموظف في تلك المناطق 60 ألف ريال فهي تساوي 60 دولاراً فقط، وما يدل على أن هذه القرارات انتهازية وإجرامية هو غياب الخدمات للمواطن في تلك المناطق ما يعبر عن أن هذه عصابة إجرامية بكل ما للكلمة من معنى، ولها طابعٌ سياسي يعكسُ مستوى غباء تلك الحكومة وإجرامها وتوحشها التي تحول أي ظرف وأي موقف للحصول على المزيد من المكاسب المالية ورفع أرصدتهم في الخارج”.
وفي المحافظات والمناطق الحرة يقولُ الحداد: “بسَببِ منع دول العدوان لدخول سفن الحاويات إلى ميناء الحديدة فسيكون آثار وتداعيات قرار رفع سعر الدولار الجمركي طفيفة، ولهذا ندعو الإخوة في القطاع الخاص والمعنيين في الجانب الاقتصادي أن يتخذوا قرارات بتوجيه القطاع الخاص اليمني بتحويل مسار سفن الحاويات التجارية، أَو طلب الجهات المصدرة بإيصال تلك الشحنات إلى ميناء الحديدة، والشعب اليمن إلى جانبهم، وسوف يحصلون على امتيَازات كبيرة جِـدًّا، من ناحية تكلفة النقل البحري التي تصل من جيبوتي إلى ميناء عدن قرابة 5000 دولار لكل حاوية بطول 20 قدماً، بينما تصل تكلفتها من (500- 600) دولار للحاوية من جيبوتي إلى ميناء الحديدة، وكذلك عملية النقل البري التي يتم ابتزاز التاجر فيها بشكل كبير جِـدًّا من قبل مليشيات المرتزِقة في المحفظات المحتلّة تصل إلى ملايين الريالات وتستغرق عشرات الأيّام للنقل لإيصال الحاوية من عدن إلى صنعاء، فيما تستغرق قرابة 72 ساعة من الحديدة إلى صنعاء ومختلف المحافظات الحرة”.
ويؤكّـد الحداد بأنه في حال تم فك الحصار على ميناء الحديدة أَو تغيير وجهة السفن التجارية إلى الحديدة فَـإنَّ أسعار كُـلّ السلع والمنتجات سوف تنخفض بنسبة تصل إلى 30 % خَاصَّة وأن معظم الارتفاعات للسلع في السوق ناتجةٌ لتكاليف النقل البحري والبري، ودفع الإتاوات التي تُفرَضُ على التاجر الذي يقوم بعكسها وإضافتها إلى التكلفة الإجمالية للسلعة بعد وصولها إلى المخازن في صنعاء ومختلف المحافظات.
ويضيف الحداد أن زيادةَ الدولار الجمركي سياسةٌ عدائيةٌ وإحدى وسائل الحرب الاقتصادية المستخدمة ضد الشعب اليمني، وأن أنجع الحلول في هذا الصدد تتمثل بنقل سفن الحاويات عبر ميناء الحديدة، مُشيراً إلى أن فترة ما قبل حصار ميناء الحديدة كان تجار المحافظات الجنوبية يفضلون استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة عن استيرادها عبر الموانئ المحتلّة بمليشيات تفرض إتاوات كبيرة جِـدًّا عليهم، وكان التاجر في حضرموت يرفض نقلَ بضائعه عبر ميناء المكلا، أَو ميناء عدن ويأتي بها عبر ميناء الحديدة.