علماءُ الكلام تحت ردائهم الأبيض وقعت الأُمَّــة..بقلم/ أمة الملك قوارة

على ألحان كلماتهم وديدنِ مفرداتهم، وسهولة ما تمثله دعواتهم، مع بريق مظهرهم ودموع عيونهم ماتت العقيدة السمحة وانتشرت أوبئة وأمراض العقيدة، واجتاحت ضلالاتهم زكاء وطُهر النفوس، عن علماء الكلام أتحدث! الذين ما برحوا أن ملأوا الآفاق بصدى كلماتهم، الخالية تماماً من جهد الفعل والعمل والمسؤولية والممتلئة بجهد الكلام! الذين صوروا لنا الدين والعقيدة والحياة في أبسط صورة والتي إن أَدَّت فَـإنَّما تؤدي إلى اكتساب كسرة خبز ونوم وحياة هادئة مشبعة بمفهوم أن كُـلّ ما كان خارج نطاق أُسرِنا فنحن لسنا مسؤولين عنه، وليس ضمن نطاق اهتماماتنا، فآلت الأوضاع إلى هنا، وإنما ببركة أصواتهم ذات الطابع النائم المنفصل عن معنى الحق المكتسب للسهولة المفروغ منها!

مضت القرون وتتابعت الأحداث والغالبية من العلماء أوصلونا إلى ما وصلنا إليه، مزيدًا من الانفصال عن ديننا والانسلاخ عن عقيدتنا والابتعاد المُستمرّ عن ثقافتنا، ومزيدًا من الذل والهوان، ذلك أننا سرعان ما انجررنا وراءهم فصرنا نمثلهم عقائديًا واتخذناهم قُدوةً في حياتنا حين رمّزهم لنا من يلون أمرنا؛ ولأننا نهفو إلى كُـلّ من يذكر لنا اسم الله، فلقد انطلقنا في ركابهم نتبع ما يحللون وننتهي عما يحرمون فقادنا الأعداء بخبرتهم والتعاون مع السلاطين وتوظيف العلماء، لتلك المهمة إلى المستنقع الذي تعلق فيه الأُمَّــة الإسلامية اليوم، والسؤال ألم يكن هناك جمع من العامة يستطيعون التمييز؟ والفطرة تفرض نفسها للتفرقة بين الحق والباطل ولو قليلًا، كما أن الحرص على نزاهة ما يعتقده الإنسان يجعله يتوجّـه للبحث عن تاريخ أُولئك العلماء الذين سيتخذهم قُدوة! ما الذي حصل؟! ما حصل هو الرغبة الجامحة لدى البعض في تبني السهل وحينما تهفو الأنفس إلى السهولة في كُـلّ شيء كتولي سلطان أتَّبعه اتِّباعاً مطلقاً؛ لأَنَّه ذو منصب وحتى إن لم يستحقه ولم يقم بمسؤوليته، وعالمًا من الشارع أتبعه؛ لأَنَّه ذو رداء أبيض ولحية طويلة، وتعليمات أتبعها؛ لأَنَّها منحتني طريقاً سهلاً لا مشقة فيه كالاعتقاد بأن الشهادتين لوحدهما قد تكون السبب في دخولي الجنة وإن سرقت أَو ارتكبت ما أريد! والبعض وقع في الشرك، لانعدام وعيه وجهله بالحقيقة التي كان من المفترض أن يبحث عنها.

إن الاستمرار وراء علماء الكلام رغم الوضوح الذي وصلنا إليه نتيجة فعلهم وتأثيرهم، بإمْكَانه أن يخرجنا عن نطاق الإسلام ولا أظن إلا أن البعض قد خرج وانتهى الأمر، فهل هناك عالمٌ يتولى سلطاناً جائراً وجاهلاً دعا إلى إباحة الاختلاط في سهرات ليلية ماجنة وأقام المنتجعات والمنتزهات لذلك؟ وهل هناك عالمٌ رباني يدعوا الناس إلى تمثل أوامر السلطان؛ باعتباره ولي الأمر وهو يبيح دماء المسلمين وينكل بعلماء الحق ويتخلى عن قضايا الأُمَّــة جملةً وتفصيلًا؟

باختصار صرنا في زمن يحوي علماء فسقة وعامة أشد فسقًا وَإذَا لم يستيقظوا من وهم ربوبيتهم لأُولئك الأصنام فسيكون الناتج هو ما صرنا إليه اليوم ولعل القادم أشد خزيًا، فلقد دُنست الأنفس وضاع طهرها وزكائها وهي تحت رداء الإيمان وبدعوى الترفيه استُبيحت المحرَّمات، ولعل الفطرة وهي أبسط مدافع قد ترفض ذلك إلا أن الجناح وراء الضياع قد صار من المسلمات به، ولعل هنا مثلًا يوجد فيه اعتبار.

ولقد حدث وعشنا الأحداث وتساءلنا عما حدث، ولطالما قادتنا الرغبة عن كيف النجاة مما قد يحدث وعما يمكن أن نحدثه لتغيير مجرى الأمور، فالله قطعاً يأبى لنا أن نكون نحن أُمَّـة محمد تائهين غارقين في مستنقع الضلالة والتيه والانحراف والوقوع تحت وطأة حرب الأعداء بأساليبهم الناعمة والخشنة، مع تواجد مؤهلات تضربنا من داخل أمتنا، ما الحل إذاً؟ إن الرجوع إلى القرآن الكريم رجوعاً كاملًا وفهمه فهمًا صحيحًا وتجسيده واقعًا عمليًّا، وتبنِّي تعاليمه جملةً وتفصيلًا، إضافةً إلى تمثيل القُدوة، والولاء لمن أهلهم الله وكتابه ورسوله لذلك -آل البيت ومن سار على نهجهم- الذين انتهجوا نفس مسار نبينا ومثلوا الدين في منطلقاته وأبعاده الصحيحة، وحملوا همّ الأُمَّــة ومثَّلوا صدق التوجّـه والولاء لله ورسوله والمؤمنين.

يعتبر الحل الأسمى الذي سيخرج الأُمَّــة من مستنقعها الذي غرقت فيه، ولن تخرج من حضيضها، حتى تتبنى الحل وتتجه إليه بثقلها، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا من بعدي أبدًا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن العليم الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يَرِدا علَيَّ الحوض”.