أصعبُ أنواع السّلام تحقُّقاً..بقلم/ عبدالغني حجي
السلامُ على الطريقة الأمريكية، يُعتبَرُ أصعبَ أنواع السلام تحقّقاً؛ لأَنَّه يعبِّرُ بشكلٍ واضح عن الاستسلام، ولن ترضى عن شعبٍ ما لم يرض ببقائه تحت الهيمنة الأمريكية.
نحن خصومٌ لها، وحلفاءُ لخصوم آخرين لها، لا نخدمُ مصالحَها ولا نقبل وَصايتَها، ونرفض وجهاتِ نظرها التدميرية الاستعمارية للسلام ولا ننتظر منها أن تتعاطفَ معنا ولا نعوِّلُ عليها في شيء، والحرب والمعاناة التي نعانيها ندرك وبيقين راسخ أن أمريكا سببها وهي من تخطِّطُ لها وتشرِفُ على تنفيذها وتقدِّمُ لها كُـلّ الوسائل الممكنة.
كَثيراً ما ننشُدُ السّلام، وكَثيراً ما تتغنَّى به أمريكا، وكَثيراً من البلدان خضعت للغزو الأمريكي لتنعمَ بالسلام، وكَثيراً من البلدان أصبحت شبيهاً بمعسكر للأمريكي؛ مِن أجل السلام، وكَثيراً من الشعوب تحت الاستعمار الأمريكي غير المباشر؛ مِن أجل السلام، ومئات الآلاف أزهقت أرواحهم؛ مِن أجل السلام، وما نعيشُه كعرب، من حروب وقتل وتشريد بغية الحصول على السلام، ولكن هل حقّقنا السّلام؟، لا.
لأننا نرفُضُ الاستسلامَ، وحبُّنا للسلام لا يعني استعدادَنا للتفريط بحقوقنا، والتنازُلَ عن كبريائنا، ونعي جيِّدًا أن السلامَ الذي تحرِصُ أمريكا على إحلاله وتتغنَّى به، وتصوره للرأي العام العالمي، على أنه الكفيل بالخروج باليمن من المستنقع الذي أغرقتنا به بسياسَاتها الخبيثة بما يتوافقُ مع مصالحها، ليس إلَّا مُجَـرّد فكرة لجَرِّ اليمن نحو استعمار استنزافي يعوِّضُ فشلَ الحرب التي طال أَمَدُها، دون تحقيقِ أدنى هدف للأمريكي، استعمارٌ يُدخِلُ اليمنَ دوامةَ صراع داخلية لا نهائية، تخوضها بالوكالة وتفقد أطرافُ النزاع عوامل القوة، وتهيئ الساحةَ لاستعمار أشدَّ فتكاً مدخِلة الثقافة والدين نحو (استعمار تذويبي) يغير هُــوِيَّتنا وحضارتنا الإسلامية ويعمق الثقافة الغربية، ويجعلنا لقمة سائغة للكيان الغاصب في ظل الهيمنة الأمريكية، فهي لا تدخر أي جهد للسعي وراء الهيمنة على الشعوب، وتسخّر تفوقها في جميع المجالات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولها سياساتٌ عديدة في التدخل تصل بها في معظم الأحيان إلى التنمر على الدول الأُخرى والسيطرة عليها ونهبها تحت شعار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحفظ الأمن والسلام الدوليين.
ولا نستبعد ما حل بالعراق إن قبلنا إحلالَ السلام بالطريقة الأمريكية، فالعراق وفلسطين شاهدٌ حيٌّ على السلام الأمريكي، وواقعُ العراق وفلسطين لا يخفى على أحد، ففي العراق ومنذ أن بسطت أمريكا له السلامَ بطريقتها، لم يسلم منها أحد ولم يمر يومٌ إلا وراح فيه ضحايا، وحلت الفوضى وعدمُ الاستقرار السياسي والعسكري والاقتصادي بالشكل الذي استحال على العراقيين الوصولُ إلى خارطة طريق لبسط السلام الدائم للشعب العراقي.
وفي فلسطين ركّز السلامُ الأمريكي أولاً على نزع السلاح وشل الاقتصاد وجعلهم تحت وطأة الاستعمار الإسرائيلي ومنذ ذلك اليوم أصبح الجزءُ الأكبرُ من فلسطين تحتَ وطأة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي والقمع والتهجير للفلسطينيين.
أمريكا أكبرُ مخرِّبٍ للقواعد القانونية والنظام الدولي وهي مصدرُ عدم الاستقرار في العالم وبسياسة القوة والهيمنة التي تنتهجُهما قوّضت وهدّدت السلامَ والأمن الدولي وكل مصيبة حلت وكل حرب سببها أمريكا، وسياستُها أكبرَ تحَدٍّ يواجه تقدُّمَ المجتمعات الحضارية والسلمية، ولن يستقرَّ أيُّ نظام سياسي ولن يجدَ سلاماً إلا إذَا توافَقَ والمصالحَ الأمريكية أَو سعى للتحرّر من الوَصاية والهيمنة الأمريكية.