الإيمانُ يمانٍ والحكمةُ يمانية.. قيماً ومبادئَ وأخلاقاً وسلوكياتٍ.. بقلم/ علي عبد الرحمن الموشكي
لليمن واليمنيين مكانةٌ ومنزلةٌ عظيمةٌ ورفيعةٌ عند رسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، كيف لا وهم أهل الحكمة ورصيدهم الإيماني لا يحتويه الوصف سوى ما قاله رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) “أتاكم أهل اليمن الأرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية” فكان يُحِبُّ اليمنيين ويثني على أهل اليمن، ويعطيهم منزلةً عظيمةً ورفيعة، حَيثُ اختار لهم المبعوثَ الأجدرَ والأكفاءَ، الذي وصل إليهم في شهر رجب من العام السادس الهجري ونحن مقبلون على جمعة رجب للعام 1444هـ والذي يحتفلُ أهلُ اليمن في الجمعة الأولى من شهر رجب، بذكرى دخولهم الإسلام، وذلك استجابةً لدعوة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، التي حملها مبعوث الرسول الأعظم الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام”، في دلالة واضحة على المكانة التي يحتلها أهل اليمن عند رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، والتي دخلوا على إثرها في دين الله أفواجاً.
لقد تجاوب أهلُ اليمن مع الدعوة الإسلامية المحمدية سِلْماً وبدون حرب، وطوعاً بدون نفاق، فقد أعلن أهلُ اليمن الاستجابةَ الطوعيةَ لهذه الدعوة المحمدية، وأعلنوا دخولهم في دين الله أفواج، حَيثُ أرسل الإمامُ عليٌّ -عليه السلام- للرسول صلى الله عليه وآله وسلم خطاباً يزف إليه فيه بشارة إسلام أهل اليمن، وهذ غرس في وجدان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حُبَّ اليمنيين، فتلقى الرسولُ الأعظمُ -صلوات ربي وسلامه عليه وآله- الخبرَ بفرحة غامرة.
يقولُ السيد القائد (يحفظه الله) في خطابِه للعام 1443هـ “إقبال أهل اليمن إلى الإسلام كان منذ المرحلة الأولى في الدعوة الإسلامية، ورسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في مكة، حَيثُ كان هناك القلة القليلة ممن آمنوا به في مكة، وكان من أبرزهم من هم من أصولٍ يمانية، مثل: عمار بن ياسر ووالده، ومثل: المقداد، المعروف بالمقداد بن الأسود الكندي، وعمار والمقداد من عظماء وأخيار صحابة رسول الله “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ”، الذين آمنوا، وجاهدوا، وصبروا، وجمعوا بين الهجرة والجهاد والإيمان، وكانوا على مستوىً عظيم من الوعي، والبصيرة، والمنزلة الرفيعة في إيمانهم، وسابقتهم، وفضلهم.
ثم كان إيمان الأوس والخزرج (الأنصار)، الذين تشرَّفوا بهذا الشرف الكبير: الإيواء لرسول الله، ونصرته، والدخول في الإسلام، والأوس والخزرج من أصولٍ يمانية.
ثم تبع ذلك أَيْـضاً إيمان البعض على مستوى أفراد، على مستوى جماعات، على مستوى قبائل، لكن التحول الواسع، التحول الكبير كان في جمعة رجب، وما تلا ذلك، وما تلا ذلك من انتشار الإسلام على نحوٍ واسع”.
وهي مناسبة عظيمة ومهمة يقدسها كُـلّ أبناء اليمن يحيونها على مر التاريخ وفي هذا، يقول السيد القائد (في خطابه الذي ألقاه بمناسبة جمعة رجب 1441هـ): ”نبارك لشعبنا اليمني المسلم العزيز بهذه المناسبة العزيزة والذكرى المجيدة: جمعة رجب، التي هي مناسبة دينية عظيمة ومقدَّسة، تحمل ذكرى لدخول أهل اليمن في الإسلام، عندما وصل الإمام عليٌّ -عليه السلام- إلى صنعاء، وقرأ رسالة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- التي يدعو فيها أهل اليمن إلى الإسلام، فكانت الاستجابة سريعةً، وبادر الناس للدخول في دين الله أفواجا، تلك كانت محطة من محطات انتشار الإسلام في اليمن، ومحطةٌ مهمة، وعندما وصل مكتوب الإمام علي -عليه السلام- ووصلت رسالته إلى رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- يخبره فيها باستجابة أهل اليمن وبدخولهم في الإسلام، وبانتشار الإسلام بشكلٍ رسميٍ وشاملٍ وعام في ربوع اليمن، سُرَّ رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- لذلك سروراً عظيماً”.
وبدأت وفود القبائل اليمنية تتقاطر على المدينة المنورة لمبايعة الرسول الأعظم، وهو ما أثلج صدره صلوات ربي وسلامه عليه فقال في هذه المناسبة: “أتاكم أهل اليمن الأرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية”، ليبدأ أهل اليمن مسيرة النصرة لرسول الله واعلاء دين الله، وتحولوا إلى قادة عظماء أعز الله بهم دينه ونصر بهم نبيه.
لقد خص الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم أهل اليمن بالإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام”، وكرّمهم بهذه الشخصية العظيمة التي عرفوا قربها وعلاقتها برسول الله، وأدركوا أن اختيار الإمام علي -عليه السلام- لهذه المهمة تمثل تقديراً لليمنيين الذين لبوا الدعوة بمُجَـرّد رسالة من نبي الأُمَّــة صوات الله عليه وآله وسلم، فدخلوا الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
ويشير السيد القائد في خطابه الذي القاه بمناسبة الذكرى السنوية لجمعة رجب 1442هـ إلى أن الرسول الأعظم قد اختار لهذه المهمة النبيلة والعظيمة والمقدسة شخصيةً عظيمةً استثنائية، ورجلاً عظيماً من رجال الإسلام، مبينًا هذه المنزلة التي أشار إليها في حديثه النبوي الشريف، فكان مبعوثاً خاصاً إلى أهل اليمن، بكل ما لذلك من دلالات مهمة ومعبِّرة ومفيدة، حَيثُ يقول: “في مثل هذا اليوم وصل الإمام عليٌّ عليه السلام إلى صنعاء- وكان قد وصل يعني قبل ذلك- لكنه اجتمع بالناس في صنعاء، وقرأ عليهم رسالة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله التي يدعو فيها أهل اليمن إلى الإسلام، فبادر الكثير إلى الإسلام، وأعلنوا استجابتهم بدون تردّد، واستجابوا لهذه الرسالة المباركة، ودخلوا في دين الله أفواجا، وكانت تلك من المحطات البارزة في إسلام أهل اليمن، وكان المبعوث في هذه المهمة، هو: الإمام عليٌّ عليه السلام، الذي قال عنه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنه لا نبي بعدي)، بمعنى: أنه اختار لهذه المهمة النبيلة والعظيمة والمقدسة شخصيةً عظيمةً استثنائية، ورجلاً عظيماً من رجال الإسلام، هو منه بهذه المنزلة التي أشار إليها في حديثه النبوي الشريف، فكان مبعوثاً خاصاً إلى أهل اليمن، بكل ما لذلك من دلالات مهمة ومعبِّرة ومفيدة.
الرسول صلوات الله عليه وعلى آله عندما وصلت إليه رسالة الإمام علي عليه السلام، التي تضمَّنت تقريراً مختصراً شرح فيه إقبالَ أهل اليمن إلى الإسلام، ودخولَ قبائلهم- وفي مقدِّمتها: قبيلة همدان الكبرى- في الإسلام، سجد الرسول صلوات الله عليه وعلى آله لله شكراً، وفرح بذلك، وسُرَّ سروراً عظيماً”.
ينفرد أهل اليمن بخصوصية الاحتفال بجمعة رجب التي تمثل بالنسبة لهم عيداً يضاف إلى عيدي الفطر والأضحى، فهم يرون أن هذه المناسبة لها موقعها ومكانتها العريقة في هُــوِيَّتهم الإيمانية التي تربطهم بالرسول الأعظم ورسالته المحمدية الأصلية، وتمثل محطة هامة لها حضورها المتميز في تاريخهم عند دخولهم في الإسلام في أول جمعة من العام السادس الهجري، والتي تعد نقطة تحول في تاريخ أهل اليمن.
كانت هذه الذكرى لأهل اليمن بمثابة العيد ودرجت العادة في كثير من المحافظات والمدن اليمنية على الاحتفال بهذا العيد الخاص بأهل اليمن للتعبير عن فرحهم بالدخول في دين الله وشكرهم لله على هذه النعمة من خلال القيام بالعديد من المظاهر الاحتفالية، حَيثُ يلبس الأطفال الملابس الجديدة ويتبادل اليمنيون الزيارات ويصلون الأرحام، كما تشهد المساجد إقامة العديد من الندوات والفعاليات الدينية والمدائح النبوية.
ويشير السيد القائد (في خطابه الذي القاه بمناسبة الذكرى السنوية لجمعة رجب 1442هـ) إلى أن إحياء جمعة رجب هو: ”هذه الذكرى العظيمة المهمة اخترناها لأن تكون مناسبةً مهمةً وأَسَاسية لترسيخ الهُــوِيَّة الإيمانية لهذا الشعب العظيم، الهُــوِيَّة الإيمانية التي هي أشرف هُــوِيَّة تنتسب إليها الشعوب والأمم، وتتحلى بها، وتلتزم بها، لتبني عليها مسيرة حياتها، والتي هي الهُــوِيَّة الجامعة، التي يمكن أن يجتمع في إطارها كُـلّ البشر على اختلاف شعوبهم، وأعراقهم، واتّجاهاتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، ومناطقهم، وتنوُّع بلدانهم، على كُـلّ حال هي الهُــوِيَّة الجامعة التي يمكن للمجتمع البشري أن يجتمع في إطارها، وهُــوِيَّة عظيمة ومقدَّسة وشريفة، هي خير هُــوِيَّة يمكن أن يعتز بها شعب، وأن يفتخر بها بلد، وأن تنتسب إليها أُمَّـة، فنحن نبارك لشعبنا العزيز، ونسعى -إن شاء الله- مع كُـلّ الخيِّرين، مع كُـلّ الصالحين، مع كُـلّ المستنيرين بهدى الله “سبحانه وتعالى” لترسيخ هذه الهُــوِيَّة في شعبنا اليمني، الذي يمتاز بأصالته في انتمائه لهذه الهُــوِيَّة، وبمسيرة حياته على أَسَاس من هذه الهُــوِيَّة فيما كان عليه الأخيار والصالحون من أبناء هذا البلد جيلاً بعد جيل، وها هي مسؤوليتنا في هذا الجيل لنرسخ هذه الهُــوِيَّة للأجيال اللاحقة”.
من القيم الإيمانية العظيمة التي تنجذب إليها النفوس السليمة والفطرة الإنسانية التي لا يشوبها أي نفاق أَو فسق أَو كفر، وهذا ما انجذب إليه أهلُ اليمن.
يقول السيدُ القائدُ (يحفظُه الله) في خطابه للعام 1443هـ “أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده، هي: نعمة الهداية، الهداية للإيمان، الهداية بتوجيهات الله وتعليماته للإنسان في مسيرة حياته، هذه الحياة هي ميدان اختبار، وميدان مسؤولية للمجتمعات البشرية كافة، والله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الْإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}[الانشقاق: الآية6]، مسيرة الحياة هي مسيرة اختبار، الإنسان يواجه فيها الكثير من الصعوبات والتحديات، ويعيش فيها الاختبار، أمام التوجيهات الإلهية، أمام ما يواجهه من تحديات وصعوبات وظروف، كيف سيتعامل معها، والإيمان عندما يمنُّ الله على شعبٍ، أَو على شخصٍ، أَو على أُمَّـة، أَو على مجتمعٍ بالإيمان، يعتبر توفيقاً عظيماً؛ لأَنَّ الإنسان مسيرته تتجه به نحو الله “سبحانه وتعالى”، سواءٌ أكان كافراً أَو مؤمناً، مطيعاً أَو عاصياً، مرجعه إلى الله، مصيره إلى الله، للحساب وللجزاء على ما قدم، على ما عمل في هذه الحياة، على تصرفاته في هذه الحياة، وهو مصيرٌ محتومٌ لا مفر منه، لا يمكن للإنسان أن يمتنع عنه، ولا أن يفر منه، لا مفرَّ من الله إلَّا إليه”.