مفاوضاتُ الكلمة الأخيرة.. بقلم/ الكرار المراني
منذ إعلان هُــدنة الشهرين في مطلع نيسان/أبريل من العام الماضي دأب تحالف العدوان السعوديّ على المماطلة والتنصل على اتّفاق الهُــدنة الموقع مع صنعاء حول عدد الرحلات الجوية ووجهاتها من مطار صنعاء والسماح بدخول المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة.
لكن صبر صنعاء لم يعد يحتمل التلاعب السعوديّ المراهن على عامل الوقت بتجزئة الحلول وفي مقدمتها الملف الإنساني، فبعد رفض الوفد الوطني المفاوض لصنعاء تجديد الهُــدنة للمرة الرابعة بعد مضي ستة أشهر من عمر الهُــدنة، على الرغم من وعود الوساطة العمانية التي تحظى بعلاقة جيدة لدى قيادة صنعاء بالتقدم في المفاوضات، إلا أن وفد صنعاء رفض ذلك، مما اضطرها إلى زيارة العاصمة صنعاء، واللقاء بالسيد عبدالملك الحوثي، ورئيس المجلس السياسي الأعلى الرئيس مهدي المشاط، إلا أن صنعاء وقيادتها ظلت متمسكة بشروطها المتمثلة في “وقف العدوان، ورفع الحصار، وصرف المرتّبات لجميع موظفي الدولة في مختلف المحافظات” لأجل الموافقة على أي اتّفاق جديد.
عندها عادت الوساطة العمانية حاملة شروط صنعاء، إلى التحالف السعوديّ، الذي كان يعي حساسية مرحلة “اللا سلم واللا حرب” التي كان يحاول فرضها بالنسبة للقيادة اليمنية، خُصُوصاً بعد نجاح الأخيرة في تثبيت معادلة “النفط مقابل المرتبات” التي فرضتها القوات المسلحة اليمنية باستهداف السفن التي حاولت تصدير النفط من الموانئ اليمنية، ووقفت تصدير النفط اليمني بقوة الحديد والنار.
لكن صنعاء لم تكتفِ بتثبت هذه المعادلة، بل حذرت على لسان أعلى سلطة فيها “المجلس السياسي الأعلى” من حالة اللا سلم واللا حرب وأن قواتها المسلحة في جهوزيةٍ تامة إذَا ما ظل التحالف يماطل ويختلق العراقيل، وعلى صعيد الجهوزية أكّـد وزير الدفاع في حكومة صنعاء اللواء الركن محمد العاطفي، أنّ “القوات المسلّحة اليمنية اتّخذت الإجراءات الملائمة، والتي تضمن التعامل بقوّة وحزم مع أي تطور يمثّل تهديداً للسيادتين الوطنية والبحرية، أَو مسّاً بهما”.
مما اضطر التحالف السعوديّ إلى الدفع بالوساطة العمانية بالعودة إلى صنعاء للمرة الثانية، برفقة وفد سعوديّ للتفاوض المباشر مع القيادة اليمنية، للوصول إلى حلول مشتركة تضمن بقاء التهدئة القائمة حتى الوصول إلى اتّفاقٍ نهائي، بعد أن لمست قيادة المملكة أن صنعاء جادة في التصعيد وإعادة المصالح الحيوية السعوديّة إلى دائرة الخطر والاستهداف.
وكانت صنعاء قبل وصول الزيارة الثانية للوساطة العمانية، قد لوحت بالخروج المليوني في المسيرات الشعبيّة الحاشدة التي خرجت إلى أكثر من 12 ساحة تحت شعار “الحصار حرب” فوضت فيها الجماهير القيادة الثورية والسياسية في اتِّخاذ ما تراه مناسباً من خيارات وإجراءات لرفع الحصار المفروض على البلاد منذ ثماني سنوات.
وبهذا تكون القيادة اليمنية قد تخلصت من عبء الحرج أمام الوساطة العمانية، بالخروج الجماهيري الذي يعيد إلى الأذهان الخروج الجماهيري الكبير في مارس/آذار من العام الماضي، الذي أعلن فيه الشعب اليمني تأييده للخطوات العسكرية التي تتخذها القيادة كافة في ردع العدوان وكسر الحصار على الشعب اليمني، فلم يمضِ أسبوع على الخروج الشعبي آنذاك حتى بدأت القوات المسلحة عمليات كسر الحصار الثلاث بضرب العمق السعوديّ، واستهداف عصب اقتصاد المملكة، حَيثُ مثلت تلك العمليات الدخول في مرحلة جديدة يخشى التحالف السعوديّ تكرارها.
لذلك تبدو المفاوضات الجارية هذه الأيّام في صنعاء ومن ثم مسقط مفصلية في تحديد ملامح المرحلة المقبلة إما سلماً وإما حرباً، وعلى الرغم من المراوغة السعوديّة إلا أن صنعاء قد حسمت خياراتها، فإما سلام حقيقي، ورفع للحصار، أَو الحرب، وهو ما لا تريده المملكة على الأقل في الوقت الحالي.