حجمُ الهُــوِيَّات الصغيرة تحت سقف الهُــوِيَّة الكبرى.. بقلم/ عبدالفتاح حيدرة
أكبر خدمة قدمها العدوان والحرب على اليمن، هي تسارع المواطن والشعب اليمني لمعرفة وإدراك واقتناع أن الهُــوِيَّة الإيمَـانية اليمنية هي سقفه الكبير، وبإيمانٍ مطلق بات يعرف شعبنا أن هُــوِيَّته الإيمَـانية هي التي تحكم أعرافه وأسلافه وعاداته وتقاليده، وحتى القانون والدولة، وكل شيء، وفي المقابل يعرف ويعي أَيْـضاً وبإدراكٍ عالٍ أن الهُــوِيَّة الوطنية التي شكلتها الأحزاب السياسية اليمنية في فترة الديمقراطية خذلته وكسرته وباعته وجوعته وَاستجلبت كُـلّ زناة الدنيا لمحاربته ومحاصرته، بينما الهُــوِيَّة الإيمَـانية دافعت عنه وعن عرضه وأرضه وشرفه وكرامته، ولهذا تسامت وعلت وانتصرت الهُــوِيَّة الإيمَـانية وأصلحت واقعها وأثبتت صحة وجودها ونفوذها في قلب كُـلّ يمني، وخير من يمثلها هي تضحيات وبطولات الجيش اليمني في جبهات العزة والشرف، أما الهُــوِيَّة الوطنية التي تتغنى بها بعض الأحزاب السياسية، وهذا حقها طبعاً، بغض النظر عن خزي وعار خيانات الأحزاب السياسية اليمنية، وخَاصَّةً تلك الأحزاب التي لبست برقع المعارضة في يوماً ما، تبقى هُــوِيَّة وسقف من لديه مشكلة مع الهُــوِيَّة الإيمَـانية أَو الإيمَـان بشكلٍ عام، أَو بالأصح من لديه سقف أقل يريد الاحتفاظ بهُــوِيَّته السياسية أَو المناطقية أَو المذهبية الصغيرة والقزمة.
إن الهُــوِيَّة الوطنية القادمة من غرف فنادق الرياض وأبو ظبي، التي تنادي وتحرض اليوم وتدعو لإنتاج تعدد الهُــوِيَّات القزمة والصغيرة، هذه ليست هُــوِيَّة بل غوية، وليست وطنية بقدر ما هي مصالح شخصية وأجندة عملاء لدول استعمارية، وهنا أريد أن أضرب مثلاً على ذلك، ولكني لن أنزل لأتحدث عن هُــوِيَّة أقزام الفنادق، لكن دعونا مثلاً نناقش هُــوِيَّة حزب المؤتمر الشعبي العام، وأقصد تحديداً حزب مؤتمر الميثاق، المؤتمر وَالميثاق الذي تأسس في عام 1982م على مبادئ وقيم ولوائح الميثاق الوطني الذي صاغته واتفقت عليه أعظم عقول اليمن الوطنية في حينه، والذي لو كان هناك عقل أَو منطق أَو مبادئ ثابتة باقية في أدراج هذا الحزب، وبما في ميثاقه من وثائق وأُطروحات ومبادئ وطنية حقيقية، لاستطاع خلال فترة قصيرة جِـدًّا أن يشكل تحت الهُــوِيَّة الإيمَـانية أكبر كتله وطنية سياسية بهُــوِيَّة يمنية حقيقة من دون أي منافس آخر، هذا مع الاعتراف أن البعض قرّر أن يتغاضى عن هُــوِيَّة حزب الإصلاح وَالاشتراكي والناصري، أَو عن هُــوِيَّة المؤتمريين العفاشيين والإصلاحيين المؤتمريين وَالجنوبيين المؤتمريين والناصريين المؤتمريين والهاشميين المؤتمريين والتعزيين المؤتمريين والاشتراكيين المؤتمريين… إلخ، وهؤلاء في الحقيقة هم من خلق وصنع الهُــوِيَّات القزمة والصغيرة في اليمن كلها، وهذه الهُــوِيَّات القزمة حكمتها وتحكمت بها أجهزة استخبارات وَسفارات دول العدوان من أول يوم، لذلك لن يتغير واقع الهُــوِيَّة الوطنية اليمنية ويرتقي للهُــوِيَّة الإيمَـانية اليمنية بالمراثي ولا بالأماني ولا بالأحلام، بل بالخطط العلمية والبرامج العملية..
ففي الأخير، من يريد أن يغير واقع هُــوِيَّته الصغيرة وَيرفعها ليستظل تحت مظلة وسقف الهُــوِيَّة الإيمَـانية بوعيها وقيمها ومشروعها اليمني، فعليه أن يؤمن أولاً بأن واقعه السياسي أَو المناطقي أَو المذهبي يستدعي تجديد الأفكار ليصعد به تحت سقف الهُــوِيَّة الإيمَـانية الكبرى وليس للسقوط والتقزم، أما إذَا كانت مشكلات واقعه الشخصي لم تتغير، فالأفكار القديمة تظل صالحة وحاكمة ومتحكمة ولا تحتاج أن تتجدد أَو تتغير منظومة حكم الأقزام والصغار أبداً، ويبدو لي هنا أن الهُــوِيَّة الوطنية اليمنية بحاجةٍ إلى بداية جديدة، شبيهة ببداية سيدنا (نوح) -عليه السلام-، غسيل وتعقيم بالماء والملح، لا بُـدَّ أن يغرق الفساد وأحزابه وأصحابه ومنظومته وحتى أنصاره الجدد، لا بُـدَّ أن يتم اجتثاث كُـلّ ما يسعى لتشويه هُــوِيَّة المقاتل اليمني الإيمَـانية، أَو يريد أن يلوثها، حتى ندخل مرحلة جديدة بحق وحقيقة، لا مُجَـرّد تجديد في الأسماء مع بقاء القديم في القلب من كُـلّ شيء، وبدون هذه البداية الجديدة لن نصل إلى شيء سوى إعادة تدوير العمالة والارتزاق والجهل والفساد وكل ما هو قبيح وتافه ومنحط.