أُعلنت من واشنطن وستنتهي من صنعاء.. بقلم/ منير الشامي
لا زلت أتذكر تلك الليلة القاتمة ليلة الـ26 من شهر مارس 2015م التي ظهر بها وزير خارجية العدوّ السعوديّ عادل الجبير منتشياً من واشنطن ليعلن ذلك البيان الغاشم عن انطلاق “عاصفة الحزم” حَــدّ وصفه وباللغة الانجليزية، وأن انطلاقها أتى بعد مباحثات لعدة أشهر مع النظام الأمريكي، ما يعني ويؤكّـد أن العدوان على اليمن كان وما يزال أمريكي الهوى والهُــوِيَّة، صهيوني المؤامرة والإرادَة إعرابي التمويل والتنفيذ، وقد أتى ذلك التصريح بعد دقائق قليلة من تنفيذ الغارات الإجرامية الأولى على عدة منازل بمنطقة بني حوات في العاصمة صنعاء وعلى قاعدة الديلمي الجوية، مخلفةً أول مجازرهم البشعة في حق الشعب اليمني وفي لحظاتٍ حاسمة كان اليمنيون على وشك التوقيع على مسودة الحل للأزمة اليمنية بتوافق بين كُـلّ المكونات المتحاورة في فندق موفمبيك بالعاصمة صنعاء برعايةٍ أممية وهذا ما أكّـده المبعوث الأممي إلى اليمن والمشرف على ذلك الحوار -جمال بن عمر- بتصريحٍ رسمي له بقوله: “كنا على وشك الخروج بتوافق بين مختلف المكونات اليمنية المتحاورة على مسودةٍ لإنهاء الأزمة اليمنية لولا الحرب السعوديّة على اليمن”.
لقد عكس ذلك الإعلان أن الحرب على اليمن قرار استباقي للعدو الأمريكي اتخذه قبل استكمال إجراءات الشرعنة الدولية لها وقبل استكمال ترتيباته وإعداد عدته على الوجه الذي كان يأمل لأسباب متعددة أدناها إفشال التوافق على حَـلّ الأزمة بين اليمنيين.
فالحرب الأمريكية على اليمن كانت واردة سواءً اتفق اليمنيون على حَـلّ للأزمة أم لم يتفقوا، وما يدل على ذلك هو سعي أمريكا منذ وقت مبكر في عهد النظام السابق وبتعاون وتماهٍ وانبطاح منه للقضاء على قدرات الدفاع الجوي -منظومات صاروخية وطائرات حربية- وتدمير الجيش وقدراته بالهيكلة رغم أن ولاءه كان لهم وليس لوطنه كما يعلم الجميع وكما تبين للكل.
لقد اعتقدت دول العدوان وفي مقدمتها العدوّ الأمريكي أن وضع اليمن الداخلي قد أصبح مهيأ لتنفيذ حرب خاطفة في ظرف أسبوع أَو أسبوعين كحدٍ أقصى للقضاء على ما تبقى من تهديدات محتملة من قبل مكون أنصار الله خُصُوصاً بعد أن تبين لهم أن ثورته الوليدة تتضاعف قوتها وهي لا زالت في مهدها وأنهم بعد ضربها ستكون اليمن ساحة آمنة متاحة ومتقبلة للوجود الأجنبي يسرح ويمرح فيها كيفما شاءوا، خُصُوصاً وقد أصبح الشعب اليمني ممزق الأوصال متعدد التوجّـهات متصارع المكونات شديد العداوة ومتضارب المصالح ولا يرى كُـلّ مكون سوى مصلحته فقط غير آبهين جميعاً بالمصلحة الوطنية، لم تساور أعداء اليمن ذرة شك في ذلك ولم يخطر على بالهم أن الشعب بحكمته وإيمَـانه سيلتف حول ذلك المكون وسيتحَرّك لحماية ثورته الوليدة ويرتص صفوفاً خلف قيادتها الحكيمة ويتسلح بمشروعها القرآني ويتوكل على الله في المواجهة لعدوانهم ومقاومة جبروتهم وللدفاع عن ثورتهم البيضاء وسيصمد ويتحلى بالصبر والثبات ويقاوم بصدوره العارية صواريخهم الحديثة وقنابلهم الذكية والمحرمة دوليًّا، فمر الشهر والشهرين ومر العام الأول والثاني وحتى الثامن وكلما مر عام زادت قوة المواجهة وزاد الجيش قوةً وبأساً وعدداً وعتاداً وزاد الشعب صموداً وثباتاً وتوالت مفاجآت الإبداع العسكري اليمني في تطوير قدراته وتصنيع أسلحته رغم التحديات الكبيرة التي خلقها العدوان بالقصف المتواصل على مدار الساعة والحصار المحكم وإغلاق الموانئ والمطارات وتدمير الاقتصاد اليمني بنقل البنك والاستحواذ على الموارد السيادية… إلخ.
تجاوز اليمن بعون الله وفضله وبحكمة قائده وبسالة أبطاله وإرادَة وإخلاص شرفائه وتضحيات وصمود شعبه كُـلّ الصعوبات وانتصر على كُـلّ التحديات وبتأييد من الله لقيادته الحكيمة المؤمنة وتسديده لقراراتها نجحت في الاعتماد على الذات في بناء القدرات وتطوير الإمْكَانيات شيئاً فشيئاً حتى حقّقت المستحيل نفسه بنجاحها في إنتاج وتطوير أسلحة ردع نوعية وامتلك الشعب اليمني منظومات صاروخية جوية وبرية وبحرية وطائرات مسيَّرة متنوعة بدلت موازين المواجهة وحولت القاصفين إلى مقصوفين وبنت جيشاً قوياً من شعب يعيش تحت ركام القصف الغاشم يحمل الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين في أمته يرى الجهاد عباده وغايته إرضاء الله إما بنصرٍ وإما بشهادة.
وبما صنع وطور ورد على المعتدين بعملياتٍ أولية عجزت عن صدها أنظمة دفاعه الحديثة والمتعددة ثم بعمليات أكبر وأشد سميت بعمليات توازن الردع وتلاها عمليات أشد بأساً وأشد تنكيلاً سميت بعمليات كسر الحصار أجبرت العدوّ السعوديّ والإماراتي أن يسارعا في البحث عن طريقةٍ لوقف تلك العمليات وقبِلَ الدخول في هُدنة مع قيادتنا بعد سبعة أعوام من رفضهما القاطع لأية هدنة حتى ولو ليومٍ واحد، لقد تنازلا عن استكبارهما وغرورهما مجبرَين لا مخيَّرَين بعد أن فشلت كُـلّ مؤامراتهم وحرقت كُـلّ كروتهم وأبيدت كُـلّ حشودهم ودمّـرت معظم ترسانتهم.
ها هو المعتدي اليوم يقر أمام العالم بهزيمة تحالفه خاضعاً لشروط صنعاء فرحاً مسروراً معلناً بالتفاوض مع قيادتنا ومؤكّـداً بأن ذلك هو السبيل الوحيد لخروجه من مستنقع حماقاته في أرضٍ كان يعدها حديقة خلفية له، ورآها بأم عينية مقبرة لحشوده وَتحالفه طوال سنوات عدوانه وذاق بأساً شديداً من أبطاله كاد يزلزل عروشه وعروش أسياده من قوى الاستكبار في الأرض وفي مقدمتها الأمريكي والبريطاني والصهيوني الذين أعلنوّها باسمه من واشنطن وفي لحظةٍ كان هو في نشوة غروره وزهو استكباره، هَـا هو اليوم يرى نفسه ويراه العالم ذليلاً مرعوباً يسعى بكل قوته مستغيثاً بدول تتوسط لدى صنعاء للتوسط لديها بعدم استئناف العمليات العسكرية على أراضيه ويقر صاغراً بطلبه وقف الحرب ويتمنى أن يسمع قرار وقفها من صنعاء في أسرع وقت.