العدوان.. وسياسةُ التجويع..بقلم/ عبدالرحمن مراد
يسعى النظام الرأسمالي العالمي إلى السيطرة على مقاليد الأمور في البلدان النامية، لذلك نجده يضع العراقيل أمام أية حركة نمو في تلك المجتمعات، أَو يفرض عليها شروطه وبما يتسق مع ثنائية السيطرة والخضوع، فالسياسة القائمة اليوم لذلك النظام هي فرض السيطرة على مصادر الطاقة؛ مِن أجل إخضاع الحكومات، والسيطرة على الموانئ؛ مِن أجل الهيمنة على الشعوب، فالجوع سلاح يتهدّد به العالم، ولذلك اتخذوه سلاحاً مشهراً في وجه أهل اليمن فبعد أن عجز النظام الدولي في فرض شروطه بقوة السلاح لجأ إلى الجوانب الإنسانية التي يجرم القانون الدولي المساس بها أثناء الصراعات والحروب، فحاصروا أهل اليمن براً وبحراً وجواً، فلا يكاد يصل إليهم شيء إلا إذَا سمحوا به هم، وقد يفتعلون الأزمات حتى تدرك الشعوب أن مصيرها بيد النظام الدولي، ولا سبيل لها إلا الخضوع لشروط الهيمنة التي يقرضها.
حاولوا بما وسعهم الجهد على زيادة المعاناة من خلال أزمات الطاقة، وقطع المرتبات، وزيادة الأسعار، وصعوبة العيش الكريم، لكن الشعب اليمني ظل صابراً محتسباً، اليوم حاولوا زيادة الجرعة من خلال رفع سعر التكلفة الجمركية للسلع والمواد الاستهلاكية، وقد سارعت بعض الدول إلى مباركة تلك الخطوات حتى تضاعف من الضغوط النفسية على الشعب اليمني، فيضيق ذرعاً بالحال، أملاً منهم في الانتصار الذي عجزوا عن تحقيقه بالترسانة العسكرية، وهم بذلك يحاولون الضغط على صنعاء حتى ترفع قيودها التي فرضتها على مصادر الطاقة حتى لا تكون فريسة سهلة للاستغلال والغبن الذي يمارسه النظام الرأسمالي ضد اليمن، لكن مثل ذلك سيكون بعيد المنال، فالغرب الذي يمر بأزمة طاقة بعد أن اشتعلت الحرب بينه وبين روسيا حاول أن يكون له بدائل لكن من خلال استغلال ظروف البلدان الأُخرى، فهو في اليمن يحاول أن يفرض هيمنته على مصادر الطاقة ويقوم بنهبها تحت غطاءات شتى، بيد أنه وجد سداً منيعاً لم يستطع أن يتجاوزه وهو الخيار العسكري الذي فرضته صنعاء فحد من الطموحات الغربية في هذا الاتّجاه.
لذلك ظل يماطل في الحوار، ويرفض الاستجابة للمعاناة الإنسانية التي أوجدها في اليمن من خلال الحصار وقطع المرتبات وتردي الخدمات وانعدام الأدوية حتى كادت المعاناة تشكل كارثة إنسانية كبرى غير مسبوقة، وبمثل ذلك تحاول الدول الكبرى أن تفرض شروط هيمنتها على اليمن لكن اليمن الذي بذل الكثير من الدم في سبيل الانتصار لعزته وكرامته يرفض الخضوع وسوف يرفضه، فهو لا يطالب بأكثر من حقوقه التي كلفتها النظم والقوانين الدولية والعهود ومواثيق حقوق الإنسان التي توافق عليها المجتمع الإنساني كله، فأصبحت ملزمة لكل الأنظمة التي تمارس طغياناً وعدواناً على البلدان في الوقوف أمام محدّداتها القانونية وأحكامها، لكن ما يحدث في اليمن أصبح عكس كُـلّ القيم ينادون بها، وعكس مبادئ حقوق الإنسان التي تنص على الحصول على ابسط مقومات العيش الكريم.
المباركة التي سارعت بها بعض الحكومات كبريطانيا مثلاً للخطوات الإجرائية التي قام بها المرتزِقة في زيادة قيمة الصرف الجمركي، كانت انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان في اليمن، الذي يعاني من الفقر والجوع ومن تردي الخدمات وفقدان الأمن النفسي والاجتماعي، وفقدان مقومات العيش الكريم؛ بسَببِ الحصار؛ وبسبب العدوان، وبسبب تدمير كُـلّ مقومات الحياة في اليمن على مدى ما يقرب من عقد من الزمان من العدوان، فرضوا فيه هيمنتهم على مقدرات اليمن إلى درجة وضعه تحت أحكام الفصل السابع، ومارسوا ضده كُـلّ أنواع الاستغلال، والغبن، وصادروا خياراته في البناء، وفي تنمية القدرات الثقافية والاقتصادية، وكادوا أن يجعلوه يصل إلى مراتب الدولة الفاشلة وقد وصل؛ بسَببِ التدمير والخراب الذي باركوه وساندوه ودعموه حتى أهلك الحرث والنسل ومقدرات الحياة.
ما حدث من تجويع ومن عدوان كان هدفه الهيمنة على مقدرات اليمن، وحين باركوا خطوات التجويع الجديدة كان هدفهم أن يخضع الشعب اليمني لشروطهم لكن مثل ذلك هدف بعيد مناله، طالما ودماء أهل اليمن ما تزال تجري في عروقهم، فطبيعتهم التي جبلوا عليها تأبي الضيم والخضوع، وقد قال تاريخهم إنهم ما خضعوا لغازٍ أبداً، بل قاوموه أشد ما تكون المقاومة، حتى قاوموا المتجانس معهم عقائدياً وثقافيًّا، وهم الأتراك فانتزعوا حريتهم من بين حديد الأتراك ونيرانهم.
المطالب الإنسانية التي كلفها القانون الدولي وحقوق ومواثيق حقوق الإنسان حق مشروع، وسنظل نقاوم حتى ننتزع حقوقنا بالقوة، ونقبل حوار الند للند دون شروط أَو ضغوط، فاليمن لم تقاوم المشروع الأمريكي والصهيوني إلا لتفرض شروط حريتها على ترابها وحقها في السيادة على كامل الأرض اليمنية.