مجالاتُ التنمية الزراعية: دورُ الدولة ومسؤوليةُ القطاع الخاص
يتوقف تحقيق النمو الاقتصادي المستدام بنمو الإنتاجية المحلية وبدون هذا النوع من القوة الديناميكية للمبادرات الخَاصَّة تظل البُلدان تابعة وغير مستقرة اقتصاديًّا، تأكل مما يزرع الآخرون وتلبس مما يصنعون، والكارثة لا تقف عند ذلك الحد، إذ تصل ذروتها مع تحولها إلى ورقة ضغط لتذويب مواقف الدول والسيطرة على قراراتها وَهكذا لن يبيعك الأجنبي السلع ويجني أموالك ودخلك فقط بل سيحولك إلى مُجَـرّد ذيل وهذا واقع الكثير من الدول في العالم، وفي حال انتفضت الشعوب وأنجزت التغيير بإسقاط المنافقين (العُملاء) سريعاً ما ينتقل أعداء الشعوب الثائرة والمستقلة إلى مباشرة خنقها بالورقة ذاتها، تتحول التهديدات والضغوط الناعمة إلى حصار متعدد الأشكال وهو ما تعيش اليمن تفاصيله في هذه المرحلة، وعليه كيف يمكن أن نواجه هذه الضغوط -التي ورثناها في الأصل وإن كانت تأخذ طابعاً أشد قسوة-؟
لا شك أن رفع الحصار الأمريكي المفوض على اليمن حق طبيعي للشعب اليمني وأن مواصلة الضغط لكسره وتصفيته نهائيًّا ورفع سطوته عن رقاب الشعب اليمني، أمر في غاية الضرورة وهو ما تقوم به القيادة بزخم متواصل ودون كلل، لكن يجب أن لا يفهم أن القدر يحتم علينا إدامة الاستيراد لكل شيء، ولنقل في البدء أن الواردات الغذائية ليست قدراً وبالتالي يجب التحول من الاستيراد إلى التنمية الزراعية والإنتاج المحلي هذا البحث -إن جازت التسمية- يتناول إمْكَانات وفرص ومجالات التنمية الزراعية ودور القطاع الخاص والعام في إحداث هذا التحول الاستراتيجي وتقف على المهام المشتركة والعوامل المساعدة لازدهار التنمية الزراعية.
إعداد: عبد الحميد الغرباني
صورةٌ من الوضع الراهن
على امتداد تاريخ البلاد ازدهرت الزراعة في الوديان العديدة المرتفعة والمنخفضة منها وكذلك السهول المنبسطة بين الجبال والقيعان، لا بل أقام المزارع اليمني المدرجات الزراعية من أعلى الجبال حتى أسفلها وزرعها بمحاصيل الحبوب والبقوليات وهو ما يزال ماثلاً في غير محافظة يمنية قبيل أن تتراجع الزراعة إلى قاع الأجندات الرسمية منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي بفعل عوامل كثيرة -يقف خلفها الأجنبي بالدرجة الأولى- أسفرت عن بُنى ضعيفة أدمن كُـلّ من توالوا على إدارتها الحديث بشكل فاضح عن التزام سياسة تأمين ازدهار الإنتاج الزراعي والحماية لكل دخل في إشارة إلى شبح الاستيراد للغذاء والمواد الغذائية المزدهر على حساب الإنتاج المحلي فيما كان بالإمْكَان ومنذ وقت مبكر أن تكون مؤسّسات القطاع الخاص المستورد للغذاء ظهيراً للنشاط الإنتاجي وشريكاً فاعلاً في استمرار الأنشطة الزراعية غزيرة الإنتاج دون أن تتغول على حسابها.
إن من المؤسف جِـدًّا أن هذا القطاع الحيوي لم يشهد منذ عقود توطين استثمارات القطاع الخاص في الأنشطة الإنتاجية الزراعية المختلفة والعمليات المرتبطة بها.
إن القطاع الخاص في الواقع نما على حساب نمو البلد وقطاعاته المختلفة وعلى رأسها الزراعي لقد جرى فتح كُـلّ الأبواب أمام إغراق البلاد بالمحاصيل المستوردة لدرجة خنقت المزارعين في كُـلّ حقل ومُدرج وقاع ووادٍ وسهل، وعلى امتداد أربعة عقود ظل المزارعون وما يزالون يتحملون أعباء الإنتاج الزراعي بعد أن تُركوا فريسة للواردات المنافسة لمحاصيلهم في معركة غير متكافئة، لا بل وصل استهداف هذا القطاع إلى منح التسهيلات أمام الواردات التجارية من الحبوب والمواد الغذائية الأُخرى بدلاً من تقديم التسهيلات والحوافز اللازمة لتشجيع وجذب استثمارات القطاع الخاص في أنشطة الإنتاج والتصنيع والتسويق، وفي ظل سيادة هذه السياسة من التنمية المعكوسة بل والمدمّـرة كان من الطبيعي أن تتحول أرض السعيدة وسلة غذاء شبه الجزيرة العربية إلى مستورد شبه صاف للغذاء، تغطي الواردات الغذائية أكثر من 90 % من احتياجات الاستهلاك المحلي السنوية وتشكل واردات القمح والدقيق والأرز العناصر الغذائية الرئيسية ويؤمنها القطاع الخاص، فيما لا تتجاوز المساحة المزروعة من الأراضي اليمنية نسبة 2 % من المساحة الكلية للبلاد المقدرة بـ 55 مليون هكتار، مع كُـلّ ما سبق وعلى الرغم من سوداوية الواقع الزراعي ما تزال البلد تحوز قاعدة انطلاق ثابتة لتنمية زراعية شاملة، لامتلاكها محدّدات الإنتاج الرئيسية للتوسع في الزراعة من أراضي خصبة ومصادر ري متعددة وموقع جغرافي متميز وتنوع مناخي فريد، تتيح وبشكل واسع تنفيذ الاستثمارات الأفقية والرأسية وتفجير الطاقات الكامنة لرأس المال الوطني في القطاع الخاص أَو التجاري سمه ما شئت، من خلال إطلاق استراتيجية وطنية شاملة وبالشراكة مع القطاع العام وبينهما شركاء الفعل الإنتاجي المزارعون وملاك الأراضي الزراعية، وبهدف رئيسي هو زيادة الإنتاج الزراعي وإحلال المنتجات المحلية محل المستوردة تدريجيًّا وبشكل منظم ومدروس.
المجالاتُ المتاحة أمام القطاع الخاص للاستثمار:
إذا كان القطاع الزراعي مصدر الأغذية مباشرة أَو بعد تصنيعها وكانت الأغذية تستحوذ على 60 % من متوسط إنفاق الفرد الشهري في اليمن فهذا يعني أن معظم دخل الفرد يذهب لتأمين الغذاء وهو يعكس أهميّة الطلب على منتجات القطاع الزراعي وإمْكَانية الاستثمار لإشباع هذا الطلب، يعزز ذلك أَيْـضاً حتمية إعطاء الأولوية للقطاع الزراعي؛ مِن أجل تحقيق الأمن الغذائي وخفض الاعتماد على الاستيراد وهذا يعني ضرورة تكوين رأس المال في القطاع الزراعي بغرض تنميته؛ باعتباره مصدر الأغذية بشكل مباشر أَو بعد تصنيعها، ومن هنا يتبين أن مجالات الاستثمار واسعة أمام القطاع الخاص وهي ذاتها المجالات التي تمترس فيها منذ أمد بوصفه مستورداً وتاجراً، وهذا تفصيل لمجالات استثمار القطاع الخاص وفرصه:
أولا: مجالاتُ التنمية الزراعية في المحاصيل الحقلية..
تشير البيانات الرسمية وغير الرسمية إلى تراجع معدلات الإنتاج من الحبوب (الذرة الرفيعة، الشامية، الدخن، القمح، الشعير) بدرجة متفاوتة من محصول لآخر، على أن ما يلفت الانتباه أكثر هو انخفاض مستوى إنتاج القمح على الرغم من كونه سلعة استراتيجية في غاية الأهميّة للأمن الغذائي وتزداد أهميته أكثر في بلادنا؛ باعتباره مكوناً أَسَاسياً في الوجبات الغذائية للمستهلكين بمختلف شرائحهم ومناطقهم، وتحتل وارداته المرتبة الأولى بين أهم ثلاثين سلعة مستوردة وتناهز فاتورة استيراده مليار دولار سنوياً ودائماً ما تؤرق الاقتصاد والعملة الوطنية وبالتالي فالبرامج ذات الأولوية في التنمية الزراعية القائمة على مشاركة القطاع الخاص بدرجة رئيسية تبدأ مع إطلاق برنامج وطني لزراعة القمح ليأخذ نصيباً وافراً من الاستثمار لرفع مستويات الإنتاج منه على المستوى الوطني، وبالطبع يلزم هذا البرنامج توجيه وتخصيص نسبة من رأس المال للاستثمار في إنتاج القمح محلياً وفي ظل محدودية الأراضي المملوكة للدولة القابلة لزراعة القمح والتي يمكن أن تمنح لمستوردي وتجار القمح لزراعتها ومباشرة مختلف الأنشطة المرتبطة بعملية الإنتاج فَـإنَّ الزراعة التعاقدية هي الحل والطريق للاستثمار في زراعة القمح، والزراعة التعاقدية هي أحد أشكال التكامل الرأسي، حَيثُ يلتزم المزارعون بصورة تعاقدية بإنتاج كمية ونوع معين لمؤسّسة ما من مؤسّسات الاستيراد أَو التسويق بأسعار مُشجعة تحدّد مسبقًا وتكفل هذه الجهات تغطية تكاليف مدخلات الإنتاج وحتى الحصاد (تخصم تكلفة المدخلات من إيرادات المزارع بمُجَـرّد بيع المنتج للمؤسّسة أَو الشركة الممولة) وعلى أن يكون كُـلّ ما سبق تحت رعاية الدولة وإشرافها وتتولى تنظيم ذلك وهي الضامنة أمام الممولين أَو قل المستثمرين (شركات ومؤسّسات استيراد القمح والدقيق وكبار تجار الجملة لهذا المنتج) ويمكن أن يشمل آخرين في القطاع الخاص، لكنه حتمي وملزم بالنسبة للمستوردين والمسوقين للقمح، لقد أثبت نظام الزراعة التعاقدية النجاح في الكثير من الدول، والكثير من المختصين والباحثين على المستوى الوطني يؤكّـدون أن التوجّـه محلياً لهذا النوع من التعاقد سيحل مختلف التحديات أمام المزارعين وسيعمل على تحفيزهم للعودة للأراضي وزراعة القمح والتوسع في إنتاجه بعد تأمينها الميكنة الزراعية المناسبة ومعدات الري الحديثة وهي في المحصلة ستوجّـه رأس المال الوطني نحو نشاط إنتاجي، وبشكل عام هناك الكثير مما يجب على القطاع الخاص القيام به في مجال تعزيز وتطوير مجال إنتاجية المحاصيل الحقلية ومن ذلك تحسين إنتاجيتها وإدخَال المحاصيل الزيتية وتطوير الزراعة المطرية بما يساعد في التوسع في إنتاج الحبوب بالاعتماد على الأمطار وتطوير مجال إكثار البذور وتوفير البذور المحسنة ورفع كفاءة نقل وتسويق منتجات الأعلاف وإنتاج العلائق المركزة والأعلاف الحيوانية بالاعتماد على مشتقات فول الصويا والذرة الشامية المحلية وليس المستوردة كما هو الحاصل في الوضع الراهن وضمن هذه المجالات ثمة أَيْـضاً مجال صناعات المواد الغذائية وهي كثيرة (البسكويت.. المعجنات.. والشعيرية والمكرونة و… إلخ) ولرفع مستوى تقليص الواردات من القمح يوصي مختصون إلى أهميّة تغيير النمط الغذائي للسكان بما يخفف من استهلاك القمح والدقيق وذلك من خلال إعداد الدقيق المركب المكون من نسبة معينة من الذرة وأُخرى من الدخن بالإضافة للقمح، ستتيح هذه الوصفة أَيْـضاً لمحاصيل الذرة والدخن أن تتنفس أكثر في السوق، ويضيف آخرون إلى ما سبق أن تعدد مواسم الزراعة لمحاصيل الحبوب ومنها القمح (شتوي -صيفي) يضمن رفع مستويات إنتاج الحبوب بالتكامل مع اعتماد أساليب الإنتاج الناجحة والبذور المحسَّنة ومع كُـلّ هذه الفرص وتعدد مجالات الاستثمارات نشهد غياباً للتخصيص الاستثماري من قبل المستوردين للغذاء وَأَيْـضاً للمواد الغذائية، هذا وضع كارثي، كيف يمكن أن تجد أكثر من عشرين مستورداً للقمح من أمريكا وأستراليا وكندا وروسيا ولا تجد أياً منهم يوجه جزءاً مُعيناً من رأس ماله لتوسيع رقعة زراعة الحبوب وتالياً لتصنيع المواد الغذائية.
مجالاتُ المحاصيل البستانية من الخضروات والفواكه
يوفر مناخ اليمن إمْكَانية فريدة لإنتاج وزراعة أنواع متعددة من الخضروات والفواكه وبجودة عالية، من أنواع الموالح والحمضيات المختلفة إلى المانجو والموز والتمور وإلى مجموعات أُخرى وفي ظل ذلك وفي ظل تمتع اليمن بميزات موسمية نادرة في إنتاج بعض أنواع الخضروات والفواكه وهذه الميزات والإمْكَانات المتاحة لتنمية المحاصيل البستانية لم يجر حتى الآن الإفادة منها بالشكل الأمثل ولم يصل بعد الإنتاج منها ذروته المتوخاة ويعزو المختصون هذا الأمر إلى أن المدخلات اللازمة لتحسين الإنتاجية في مجال الفواكه والخضروات ليست متوفرة بصورة كافية ولتحسين إنتاجية الخضروات والفواكه في بلادنا فَـإنَّ الأمر يتطلب توفير البذور المحسنة والأسمدة والمبيدات المناسبة، وتحسين العمليات الزراعية؛ باعتبارها شروطاً أَسَاسية لزيادة الإنتاجية الزراعية المنخفضة مقارنة بمستويات الإنتاج في بلدان مماثلة لليمن وبالتالي فَـإنَّه من الضروري تطوير إنتاج وتسويق البذور المحسنة في مختلف المناطق اليمنية بالإضافة إلى تحسين البحوث الزراعية وتقنيات زراعة الأنسجة بما من شأنه تحسين وتطوير الإنتاجية الزراعية، لكن كيف يمكن الانتقال لذلك والاستثمار فيه والقطاع الخاص لم يستثمر بعد في الموارد المتاحة ورغم الجودة العالية للكثير من هذه للمحاصيل البستانية، غير أنها تباع بأسعار زهيدة وبأُسلُـوب استغلالي ولا يحصل المزارعون والفلاحون وسائر المنتجين المباشرين لهذه المحاصيل على عوائد وأسعار مجدية، حتى في ظل حالة التصدير للحاصلات البستانية، نجد أن النسبة الأكبر من العائد المالي يذهب لحسابات الوسطاء والوكلاء وَأَيْـضاً تجار الجملة والتجزئة، على أن أسوأ من ذلك كله هو حالة الكساد التي تصيب عدداً من هذه المحاصيل ومن مجموعة الخضار وَأَيْـضاً مجموعة الفواكه، ولمعالجة كُـلّ ما سبق يلزم تدفق وازن من الاستثمارات الخَاصَّة للنهوض بقطاع التصنيع الغذائي لاستيعاب فائض الإنتاج من جهة ودعم المزارعين من جهة ثانية ومن جهة ثالثة لإحلال المنتج اليمني محل المستورد فلا يمكن بحال من الأحوال أن تتعرض منتجات اليمن لمجازر الكساد المروعة فيما يستورد البعض مادة المانجو المركزة من الخارج فيما منشأتهم التجارية مُحاطة بمزارع المانجو ويشكو أصحاب هذه المزارع نفسها من ضعف استيعاب السوق لمنتجاتهم.
إن القدرة الإنتاجية العالية من الفواكه تفتح الباب على مصراعيه لإنتاج العصائر المركزة بدلاً من استمرار استيرادها من خارج البلاد، لقد حان الوقت لإلزام الشركات المنتجة للعصائر بالاستثمار في مجال إنتاج العصائر المركزة لتوفير احتياجاتها من هذه الخامات ووقف استيراد العصائر المركزة نهائيًّا وَوفق آلية منظمة من قبل الجهات الرسمية المختصة والحال كذلك مع معجون الطماطم وفي هذا المجال أَيْـضاً نلحظ أن صناعة مواد التعبئة والتغليف لا تلبي الاحتياج المحلي فلماذا لا يتم التوسع في ذلك بدلاً من استيراد مواد التعبئة والتغليف وفرص التصنيع الزراعي كثيرة ومنها الزيوت النباتية وتصنيع وتجارة التمور ومشاريع الصناعات الغذائية الصغيرة (كالمخللات والعسل) التي تعاني من عدم توفر العبوات المناسبة في السوق المحلية مما يحد من قدراتها على النمو وتوفير منتجات جاهزة للبيع في الأسواق المحلية والخارجية، وهذا مجال مفتوح أمام استثمارات المستوردين للمخللات والعسل لتوجيه نشاطهم التجاري لتغطيته وتنمية الإنتاج المحلي وبشكل عام المجال مفتوح والبيئة مهيأة ليمننة أغلب الصناعات الغذائية، محاصيل اليمن تطلب ذلك بشكل عاجل والحصار فرصة لتوجيه الأنشطة الصناعية المرتبطة بالقطاع الزراعي إلى المنتجات الوطنية، في هذا السياق يمكن الدفع بكبار مستوردي الأقمشة إلى تنمية إنتاج القطن لفتح الباب واسعاً أمام صناعة الغزل والنسيج ويفترض بالقطاع الخاص الاستثمار في تطوير التسويق الزراعي بحلقاته كافة بدايات بوسائل النقل المبرد والمجمد لنقل المحاصيل الزراعية، وإنشاء المخازن المبردة والمجمدة والاهتمام بالتعبئة والتدريج والتخزين والتسويق والتصنيع وبالإمْكَان أَيْـضاً توجيه الاستثمار في الحلقات الساندة لنشاط القطاع الزراعي (مدخلات الإنتاج) مثل صناعة الأسمدة والمبيدات والمكننة ومنظومات الري بالرش والتنقيط والنايلون الزراعي والبيوت البلاستيكية.
مجالات الاستثمار في الثروة الحيوانية:
تعتبر الثروة الحيوانية جزءاً هاماً من قطاع الزراعة في اليمن ومورداً هاماً لديه القدرة على النمو والتطور وإمْكَاناته في حال تم استغلالها بشكل أفضل يمكن أن تنقل الإنتاج التجاري إلى رفع القيمة الكلية للثروة الحيوانية إلى ضعف قيمتها الحالية، إن تدفق الاستثمارات فيما يتعلق بالإنتاج الحيواني من مسؤولية مستوردي اللحوم والثروة الحيوانية والألبان والدواجن أما مجالات استثماراتهم فأهمها التسمين وتربية الحيوانات والدواجن، وإنتاج الألبان، وإنتاج الأعلاف والعلائق المركزة والعلائق المتكاملة وهي المجالات القابلة للنمو والتوسع بحسب المختصين، إن مشاريع وبرامج التسمين يمكنها أن توفر أسواق إضافية للحيوانات الصغيرة وتقليل عدد الحيوانات الصغيرة التي يتم ذبحها بأعمار مبكرة.
في مجال الألبان على القطاع الخاص إنشاء مرافق إنتاج وتصنيع الألبان، بما في ذلك مزارع الألبان ومراكز تجميع وتخزين وتصنيع الحليب ومراكز التوزيع والبيع وتقديم الدعم النوعي لصغار المزارعين والمنتجين للحصول على منتجات ذات قيمة مضافة، وعلى وزارة الزراعة والري العمل على تنظيم سائر المنتجين للألبان في جمعيات صغيرة على مستوى القرى والعزل وفي اتّحادات لهذه الجمعيات على مستوى المديريات والمحافظات، ومن المجالات المتاحة أَيْـضاً تطوير تجارة الجلود وتجهيز وتحضير المنتجات الجلدية والصوف منها، إن عملية الإقلاع بالمجالات آنفة الذكر لا يمكن أن يحقّق نتائج متقدمة دون أن يصاحبها ويسير معها برامج تعزز النمو وتدعمه (يتشارك القطاع العام والخاص تنفيذها) وفيما يلي سرد لأهم هذه البرامج:
ـــ تحسين السلالات: من خلال إجراء البحوث في مجال التحسين الوراثي والتزاوج المختلط بين سلالات معينة من المواشي لتحسين السلالات المحلية، والذي سيعمل على زيادة الإنتاج من الألبان واللحوم، بالإضافة إلى إدخَال تقنيات التلقيح الاصطناعي..
ـــ صناعة الأعلاف المركزة: يمكن تحقيق ذلك من خلال التوسع في أنشطة زراعة الأعلاف من الموارد المحلية المتاحة وَأَيْـضاً بالعمل على تمويل بحوث تطوير زراعة النباتات العلفية المقاومة للجفاف والملوحة وفي ظل إدخَال تقنيات صناعة العلائق الحيوانية المتكاملة يمكن صناعة الأغذية والعلائق المركزة من الموارد المحلية..
ــــ جودة مدخلات الثروة الحيوانية: يجب تطبيق نظام رقابة صارم في مجال فحص المدخلات الخَاصَّة بالثروة الحيوانية (الأغذية والعلائق المركزة واللقاحات والأدوية البيطرية).
ـــ التوسع في تقديم الخدمات البيطرية ومكافحة الأوبئة الحيوانية: إن رفع مستويات الخدمات البيطرية وضمان وصولها للمزارعين خَاصَّة في المناطق النائية والمناطق ذات الكثافة الحيوانية سيضمن صحة جيدة للثروة الحيوانية وبالمثل تماماً سيقود تعزيز جهود الترصد الوبائي والمخبري إلى اتباع جملة من التدابير الصحية للسيطرة على الأوبئة المستوطنة وحماية البلد من الوافدة…
ـــ توسيع خدمات الإرشاد والتواصل البيطري: يلزم تنمية الثروة الحيوانية ورفع مستويات الاستثمار فيها تنفيذ برامج إرشادية وتوعوية في مجال الإنتاج الحيواني وصحة الحيوان وحث المزارعين الصغار على استخدام تقنيات العلائق المتوازنة ويجب العمل على إنشاء مراكز ومشاريع إيضاحية في مجال تربية ورعاية الحيوانات وفي مجال السلالات المحسنة والتقنيات المختلفة ذات العلاقة، بما في ذلك برامج تنمية الإنتاج الحيواني المتعلقة بالمقننات الغذائية وتحسين الإنتاجية وإدخَال الأعلاف المقاومة للجفاف وَأَيْـضاً من المهم أن يحرص المستثمرون على إدخَال تقنيات تساعد على تقليل الفاقد من الأعلاف والمياه، وفي المجمل تشير خطط زراعية سابقة إلى أن تسهيل برامج التغذية والرعاية والتدريب والإرشاد الحيواني والخدمات البيطرية الجيدة وتقديم المشورة في مجالات التربية والإنتاج الحيواني لصغار المزارعين سيعزز نمو هذه الثروة وسيعزز أهميتها الاجتماعية ذلك أن صغار المنتجين في القرى مسؤولون عن غالبية الإنتاج الحيواني باستثناء قطاع الدواجن، إن هذه الآفاق الواسعة في مجال الإنتاج الحيواني لا تغلق الباب تماماً أمام عمليات الاستيراد التي تصل إلى 50 % من طلب السوق من اللحوم ومنتجاتها والدجاج المجمد والحيوانات الحية (مصدرها البرازيل وشرق إفريقيا)، لا بل تتيح أمام اليمن في حال نهوضه كما ينبغي التصدير لها بدلاً عن عمليات تهريب هذه الثروة وإهدارها ليس كلحوم فقط بل كأصول وراثية، في المحصلة مجالات الاستثمار في التنمية الزراعية متعددة ومتكاملة وتشمل التسويق وَالإنتاج وَالخدمات الزراعية وَالمتاجرة في المدخلات والمنتجات داخلياً وَخارجياً والتصنيع الزراعي وغير ذلك من المجالات، كما أن أية تنمية زراعية أَو غيرها لا بُـدَّ أن تراعى بجانب المناحي الاقتصادية والمالية والفنية الأبعاد الاجتماعية؛ باعتبار المواطن محور التنمية وغايتها وهكذا يمكن للقطاع الخاص أن يحتل مكانه الرائد في تحريك عجلة التنمية الزراعية بشقيها النباتي والحيواني وَأَيْـضاً في القطاعات المساعدة لعمليات الإنتاج الزراعي.
التسهيلات المطلوبة لازدهار التنمية الزراعية:
يتطلب حضور القطاع الخاص أَو التجاري في البلاد في التنمية الزراعية وتوجيه رأس المال الوطني إلى أنشطة زراعية إنتاجية مجموعة من العوامل الأَسَاسية المرتبطة بمناخ الاستثمار، وينصرف تعريف مناخ الاستثمار بحسب “المؤسّسة العربية لضمان الاستثمار” إلى مجمل الأوضاع والظروف المكونة للمحيط الذي تتم فيه العملية الاستثمارية وتأثير تلك الأوضاع والظروف سلباً أَو إيجاباً على فرص نجاح المشروعات الاستثمارية وبالتالي على حركة واتّجاهات الاستثمارات وهي تشمل الأوضاع والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية كما تشمل الأوضاع القانونية والتنظيمات الإدارية، ويستشف من هذا التعريف أهميّة البنية التحتية المهيئة للاستثمار والداعمة له وهو ما تعوزه اليمن بشكل كبير ذلك أن سنوات الوصاية الأمريكية على اليمن قد تركت تأثيراتها السالبة في كُـلّ مجال وصعيد ومن ذلك حرمان الشعب اليمني للخدمات العامة الأهم والاستراتيجية لدرجة افتقار الكثير من المحافظات الواعدة زراعياً للبنى الأَسَاسية وتعاني أُخرى من هشاشتها وفي الحالين يبرز ضعف البنية التحتية للبلاد كتحد كبير أمام مجهودات التنمية الزراعية خَاصَّة أن معظم الأنشطة الاستثمارية سترتبط بدرجة أولى بالمناطق الريفية يُضعف ضَعف البُنيات الأَسَاسية المتمثلة في الطرق المسفلتة ومصادر الطاقة ووسائل النقل والمواصلات والخدمات المساندة، وفرة الموارد الطبيعية ومجالات الاستثمار، شديدة الاحتياج للبنية التحتية المساندة وحتى لا يكون لها تأثير كبير على تسريع حركة عجلة التنمية الزراعية، يجب تذليل هذه الصعوبات من خلال اتّجاه مؤسّسات الدولة المعنية وفي حدود الممكن والمتاح على توفير شبكة كافية من الطرق الجيدة تغطي المناطق المزمع إقامة المشروعات الاستثمارية بها.
إن تأهيل وتطوير البنى التحتية سيسهم في خفض كلف الإنتاج وسيمكن السلع الزراعية المحلية من المنافسة في السوق وسيتيح ارتفاع الفرص المربحة للاستثمار أمام القطاع الخاص وبالنسبة لبقية الخدمات يمكن أن تشارك الجهات الرسمية من خلال التسهيلات المرتبطة بها بشكل مباشر وَأَيْـضاً عبر المساعدة في تنظيمها بما يُخفف من كُلف الاستثمار، كما أن تحريك عجلة استثمارات القطاع الخاص تحتاجُ لمجموعة من التسهيلات الأُخرى نقتصر على أهمها:
ــــ الإعفاءات من الضرائب: من المعروف أن الضرائب على الدخل تفرض أَسَاساً على أصحاب الدخول المرتفعة وهؤلاء هم في الغالب المرتبطين بالأنشطة التجارية في مستواها الأعلى وهم في القطاع التجاري المرتبط بواردات الغذاء والمواد الغذائية المكلفين بتنمية الإنتاج المحلي ونعتقد أن على الدولة في سياق جذب استثماراتهم منحهم الإعفاءات المناسبة من ضرائب الدخل وَأَيْـضاً الضرائب على أرباح المشروعات المؤثرة على معدل العائد المتوقع على الاستثمار إلى نفقته..
ـــ توفير النقد الأجنبي: قد تقتضي بعض الأنشطة الاستثمارية في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني استيراد سلع رأسمالية لتغطية العمليات المختلفة لهذه الأنشطة وبالتالي يحتاج تمويل خطط القطاع الخاص المختصة بالأنشطة الزراعية الإنتاجية إلى تغطية لعمليات استيراد السلع الرأسمالية (الآلات والمعدات والمصانع والتقنيات) وإلخ بالنقد الأجنبي وهذا مسؤولية البنك المركزي بالتأكيد وإن كان الأمر في غاية الصعوبة؛ باعتبار أن مصادر تمويل النقد الأجنبي التي تحتاج له البلاد واقعة كلها تحت الحصار بداية باحتياطيات البنك المركزي اليمني وَأَيْـضاً إيرادات النفط والغاز وحتى تحويلات المغتربين.
التنميةُ الزراعية وشراكةُ القطاع العام والخاص:
إن جذبَ رؤوس الأموال وتوظيفها لإقامة مشاريع زراعية استثمارية رائدة مُهمة مؤسّسات الدولة المختلفة ودفع القطاع الخاص لتحويل جزء من رؤوس أمواله المدخرة أَو الناشطة في مجال الاستيراد يبدأ -كما سبق وأشرنا- بتهيئة المناخ لفرص أفضل للنشاط الاستثماري للقيام بمسؤوليته الوطنية في هذا القطاع بشقيه النباتي والحيواني وتطويره ورفع كفاءة الأداء والإنتاجية، ومن هنا فمسؤولية الدولة بمؤسّساتها المختلفة وفي مقدمتها التابعة لوزارة الزراعة والري هي تذليل التحديات التي تحد من دور القطاع الخاص في النشاط الزراعي بداية بإعداد استراتيجية طويلة المدى تغطي كافة جوانب الأنشطة الزراعية وتتبنى آلية واضحة تنظم العلاقة بين المزارعين والمستثمرين وما يلزم كلا الطرفين من حقوق وواجبات وتشكل خارطة للاستثمار مع تحديد الأبعاد الزمانية والمكانية للفرص المتاحة في هذا القطاع الواعد والحيوي بطبيعته وَأَيْـضاً العمل على تصنيفها جغرافياً وُصُـولاً إلى استقطاب وتنظيم الأيدي العاملة ذات الخلفية الزراعية وإعدادها من جديد للانخراط في الأنشطة الاستثمارية للقطاع الخاص في القطاع الزراعي.
لا بدَّ من إيجاد شراكات حقيقية بين القطاع العام والخاص وذلك؛ بهَدفِ توليد الاستثمارات في المجالات الاستراتيجية وأنواع الاستثمارات المذكورة أعلاه أَو قل المطلوبة لإحداث تنمية زراعية وتحول استراتيجي في هذا القطاع ولا بدَّ من تشكيل غرفة شراكة تعمل على توفير مجموعة متنوعة من الخدمات للمستثمرين بما في ذلك تقديم التسهيلات والتوجيه للمستثمرين ومساعدة مؤسّسات القطاع الخاص العاملة في القطاع الزراعي في التأسيس ووضع الخطط والبرامج المختلفة لاعتبارات التمويل التنمية الزراعية بين دور الدولة والقطاع الخاص يلزمها استراتيجية طويلة المدى تغطي كافة جوانب الأنشطة الزراعية ولا بُـدَّ في كافة المراحل من تحقيق شراكة متينة بين أصحاب المصلحة الحقيقية من مستهدفين بالتنمية ومنفذين لها وبما يضمن التأسيس لاتّفاقات بين كافة أطراف معادلة التنمية الزراعية..
اليمن في مرحلة مفصلية يكون بعدها أَو لا يكون، ولا بدَّ من العمل فيما ينفع هذا الشعب العظيم ومسؤولية الجهات الرسمية مراجعة كافة السياسات بخصوص التنمية الزراعية وأن تلتزم بدقة بالمهام وَالمسؤوليات وبنزاهة وشفافية، لا يمكن لذلك أن يرى النور إلا أن تلفظ أنفاسها سياسات البنك الدولي الجاثمة على أهم مؤسّسات البلاد المعنية بالتنمية الزراعية وهي كثيرة وأهمها وزارة الزراعة والري وَوزارة الصناعة والتجارة وبالمثل على مؤسّسات القطاع الخاص أن تعلم أن تحول رأس المال الوطني تدريجيًّا وبشكل منظم ومدروس من مستورد إلى منتج أَو قل مشارك في الإنتاج لن يسلب منه دور التاجر فهم ملوك السوق أكان المنتج محلياً أَو أجنبياً، فلماذا يتأخر هذا القطاع النامي من عرق الشعب ودمه عن يمننة المنتجات والفرص سانحة والموارد كافية مع مراعاة التدرج في ذلك أي أن كُـلّ نسبة ما من محصول أَو منتج ما يتحقّق نسبة معينة من إنتاجها محلياً من المحاصيل أَو من مدخلات الإنتاج، سيجري فقط خفض ما يوازيها من فاتورة الواردات ووفق آلية منظمة -في بعض الدول تعرف هذه الآلية بـإجازة الاستيراد- وتلزم كُـلّ المستوردين وعلى أن تصاغ رسميًّا بشراكة كاملة مع القطاع الخاص وذلك لحماية نمو الإنتاج المحلي والمنتجين المختلفين ويمكن عبر التطور في عمليات التنمية الزراعية أن يبني اليمن حضارة زراعية مزدهرة وذلك لن يحدث أبداً في حال ظل القطاع الخاص أسير الاستيراد، على هذا القطاع أن يخوض معركة تحريره وهي مهمة تأخر عنها كَثيراً -الاستيراد صنع بالشراكة مع سياسات النظام البائد كارثة تحويل اليمن إلى سوق مستهلكة لمنتجات خصومها وأعدائها- ولا شك أن المبادرة راهناً ستحصن هذا القطاع من خسائر قادمة لا محالة وإن تأخرت، الانتصار قادم والاستقرار قادم وبناء البلد وتحقيق ذاته في كُـلّ مجال هو المستقبل رغم سوداوية الواقع وقتامة الصورة وحين تستطيع الدولة تمويل خطط الاستثمار في هذا القطاع بشكل أَو بآخر لن يكون ذلك بمعزل عن استراتيجية حماية المنتج المحلي من الأجنبي والدفاع عنه بشراسة ليزدهر بأي ثمن كان وبالتالي على القطاع الخاص أن يدرك أن بقاءَه رهن نمو القطاع الزراعي وبالتالي عليه بدء خطواته من هذه الفترة، وكل ما تأخر هو فقط يضيع فرصاً لن تكون متوفرة في قادم الأيّام، نحن واثقون أن المستقبل قادم لا محالة وسياسته ستكون متشدّدة لحساب الثورة الزراعية.. فلماذا لا يلتقط رايتها ومشعلها المستوردون في القطاع الخاص والذي يستنفدون بحسب الإحصائيات ثلثي دخل السكان في اليمن؟