فلسطين.. بين التطبيع العربي والتقطيع الصهيوني..بقلم/ زهران القاعدي
ما زالت القضية الفلسطينية هي القضية المحورية للأُمَّـة الإسلامية والتي أولاها المسلمون اهتماماً من مشرق الأرض إلى مغربها، فالقضية الفلسطينية هي قضية إسلامية أكبر من كونها قضيةً عربيةً فما تحتويه من مقدسات إسلامية مهمة جعلتها في محط اهتمام المسلمين قاطبة.
ولم يكن بِمنأًى عن العالم أجمع ما تعرضت له فلسطين من احتلال ممنهج من قبل الحركة الصهيونية وتوالت أحداث لتتمكن من أن تعلن نفسها دولةً صهيونيةً على أرض عربية إسلامية.
العداء القائم اليوم بين المسلمين والصهاينة هو عداء إسلامي صهيوني تاريخي قائم منذ النشأة الأولى للإسلام، ولم يكن وليد تلك اللحظة التي أعلن حينها قيام دولة صهيونية على أرض فلسطين، ومع تناسي ذلك العداء في أوساط المسلمين تغلل الصهاينة اليهود في فلسطين وتمكّنوا من إنشاء كيانهم على خاصرة الأُمَّــة مستهدفين بذلك أحد مقدساتها، وما قبل التطبيع العربي الجديد الذي تنجر إليه بعض الأنظمة من فتح مطاراتها واستقبال زعماء الصهاينة في بلدانها في محاولة منها لإتمام بيع القضية الفلسطينية والتنصل عن مسؤوليها تجاه ما يحدث للفلسطينيين، ومن قبلها.
وفي يوليو عام 2019م، قام وفد من ستة إعلاميين ومدونين عرب ينتمون إلى مصر والأردن والعراق والسعوديّة بزيارة للأراضي الفلسطينية المحتلّة، وكان من ضمن البرنامج الذي أعده لهم مسؤولو الكيان الصهيوني هو زيارة نصب الهولوكوست والكنيست والمسجد الأقصى وأسواق القدس وغيرها من الأماكن، والاجتماع بمسؤولين ووسائل إعلام صهيونية.
وقبل هذه الحادثة بسنتين، أي في ديسمبر 2017م، قام وفد من جمعية “هذه هي البحرين” بزيارة الكيان الصهيوني تحت يافطة التسامح والتعايش والحوار بين الديانات، لكن أهل القدس قالوا كلمتهم تجاه محاولات التطبيع المرفوضة من غالبية الشعب البحريني الذي يعتبر التطبيع خيانة للقضية المركزية للأُمَّـة.
إن هذه الحوادث ليست هي أصل حكاية التطبيع التي ينجر وراءها بعض أنظمة الأُمَّــة، فالأصل فيما حدث قبل عدة عقود في مكانٍ آخر.
عندما قرّر أنور السادات الشروع في مفاوضات مع الكيان الصهيوني والتوقيع على اتّفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978م، ومعاهدة السلام في 26 مارس 1979م.
حيث كانت الخطوات الأولى للتطبيع ترتسم شيئاً فشيئاً ويدفع الشعب الفلسطيني أثمانها الباهظة في تكريس احتلال الأرض والتمدد والسطو على المزيد من الأراضي وتقطيعها واستيطانها واعتماد سياسة البطش والقتل والتنكيل ومطاردة قوات الثورة الفلسطينية في الخارج.
ليولد بعدها اتّفاق أوسلو 13 سبتمبر 1993م بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن دخلت في مفاوضات سرية مع العدوّ الصهيوني في أوسلو بالنرويج ثم توج ليوقع في واشنطن علنًا.
فقد أحدث هذا الاتّفاق شرخًا كَبيراً بين الفلسطينيين الذين كانوا يعانون أصلًا من جراح ما تزال مفتوحة وما تزال تدمي من آثار الغزو الصهيوني للبنان ومجازر صبرا وشاتيلا والموقف الرسمي العربي المتفرج على الغزو والقتل بلا حساب.
موقف كان يدفع نحو تيئيس الفلسطينيين ورميهم لقمةً سائغة في فم الصهاينة، لقد سادت حالة من التيه والاضطراب في الوسط الفلسطيني خُصُوصاً في سنوات ما بعد الخروج من بيروت وحصول الاقتتال الفلسطيني-الفلسطيني وتصاعد هذا التوتر الداخلي ليتسع الفتق وينحو منحى خطيرًا يصعب على الراقع رتقه، هذا التيه الذي عانى منه بعض الفلسطينيين وقاده إلى تأييد اتّفاق أوسلو.
كما هو الحال مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي صدقت أن دولة فلسطينية في الأفق تلوح حدودها، وبين غالبية فصائل الشعب الفلسطيني وهيئاته ومكوناته التي وجدت في هذا الاتّفاق كارثة جديدة تشبه النكبة، وحقّق الكيان في “13 أيلول ثاني أكبر نصر في تاريخ الصهيونية”.
ماذا يعني التطبيع؟
هناك أكثر من نوع وتعريف للتطبيع، لكننا سنشير هنا إلى نوعين: الأول محايد في الشكل إلى حَــدّ ما وهو إعادة العلاقة بين طرفين إلى حالتها الطبيعية بعد أن اختلفا على قضايا يمكن أن تكون رئيسية أَو ثانوية وقرّرا إنهاء الخصومة أَو العداء، حدث هذا كَثيراً في التاريخ بين الدول المتحاربة وتلك التي عانت من النزاعات البينية؛ بسَببِ الحدود أَو تقاسم الثروات وغيرها.
أما النوع الثاني فهو التطبيع الخطر الذي يريد الكيان الصهيوني فرضه على الفلسطينيين والعرب ويتضمن إقرار الأُمَّــة وقبولها باغتصاب فلسطين والاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة طبيعية وعضو فاعل في منظومة دول المنطقة.
ومع كُـلّ هرولة تشهدها الأُمَّــة من بعض كياناتها وأنظمتها تزداد قوة الصهاينة ويتفاقم البطش والإجرام بحق الفلسطينيين، وترتفع معه معاناتهم وتزداد وتيرة المواجهة والتصعيد والقتل والهدم للمساكن فلا حرية ولا تعايش يؤمن بها الكيان الصهيوني.
ومع التطبيع الذي تتساقط فيه بعض الأنظمة العربية والإسلامية تباعًا، يستمر منهج التقطيع للأراضي الفلسطينية وتبنى عليها وَحدات استيطانية جديدة وتتوسع جغرافية الكيان الصهيوني شيئاً فشيئاً وتهدم المنازل وتستوطن المزارع ويشرد الفلسطينيين، ومع كُـلّ يوم يناضل الشعب الفلسطيني محاولاً استرداد أرضه المغتصبة أمام قوة لا تؤمن إلا بالقتل والنهب، على مرأى ومسمع من الأُمَّــة الإسلامية ودون تحريك قيد أنملة في ذلك الشأن وكأن الأمر لا يعنيها في شيء.